آخر تحديث :الخميس - 25 أبريل 2024 - 12:49 ص

ثقافة وأدب


البنية السردية في رواية الطوفان 4

الإثنين - 25 مايو 2020 - 03:18 م بتوقيت عدن

البنية السردية في رواية الطوفان 4

د. شهاب القاضي

القسم الرابع :

البنية السردية في رواية الطوفان او ( ...، مررت بها كما تطلبتني ) للأديب والشاعر الكبير مبارك سالمين

بعض مكونات البنية السردية (الشخصيات ، المكان ، الزمان )في رواية الطوفان :
اولا" : الشخصيات :
رواية الطوفان هي رواية سيرية او سيرة روائية ، تفرض علينا بدئيا ان نقرأها كسيرة ذاتية اي بحسب فيليب لوجون علينا ان نرى (التطابق بين المؤلف والسارد والشخصية ) (6) الا ان رواية الطوفان لم تكن محصورة في البوح الشخصي لكاتبها، بل وجد التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي حضوره الخاص وكأن ما ينجزه مبارك سالمين لم يكن الا هوية سردية بحسب تعبير بول ريكور لعصره او لزمن الكتابة . سوف اتحدث عن الشخصية الرئيسة من خلال الشخصيات التي ظهرت في حياته ومن خلال القضايا التي اثارها اذا دعت الحاجة.
فيما يتعلق بتكوين الشخصية وحضورها في البنية السردية حدد د. يوسف حطيني (7)، أنواعاً مختلفة منها ابرزها التالي :
أ - الشخصية الرئيسة
ب - الشخصية الثانوية
ج - الشخصية العابرة
د - الشخصية المعيقة
وفي رواية الطوفان نستطيع ان نلحظ مثل هذا التنوع في تكوين الشخصية على النحو التالي :
الشخصية الرئيسة: وهي شخصية السارد او المؤلف الذي يتولى السرد بضمير المتكلم وهذا الضمير من الخصائص الرئيسة في السيرة الروائية التي تمنحها السيطرة على السرد بإظهار الشخصية الرئيسة في الرواية وهي توجه السرد والوصف وتقود الفعل وتدفعه الى الأمام وفي رواية الطوفان نجد السارد هو الشخصية المحورية فهو الذي يحكي ، يتذكر ويفعل ويتطور - في - الزمان.
ويمكن إعتبار ان ( جميلة) هي الشخصية الرئيسة الثانية وفقا" والمعايير التي ذكرها فيليب هامون وفصلها كثيرا محمد ابو عزة في كتابة تحليل النص السردي ، تقنيات ومفاهيم(8) ، وفقا والمقياس الكمي الذي يقوم على وفرة المعلومات والاشارات عن البطل بالمقارنة مع الشخصيات الاخرى ، والمقياس النوعي الذي يتعلق بطريقة بناء الشخصية وتقديمها في الخطاب السردي .ومعيار التفريد حيث يخص الروائي شخصية البطل بمجموعة من الصفات لا تملكها الشخصيات الاخرى او تملكها بدرجة اقل ومعيار موقع الشخصية الرئيسة في نسق الحكي .
فجميله : حبه الاول ، كائن نسغي في حياة السارد، اختلط حبه لها بالروحاني والحسي معا،تماهت معه وتماهى معها ولكن بحذر فجعل منها شخصية من لحم ودم احيانا، واحايين كثيرة جعل منها رمزا لروح المدينة عدن . وجميلة موجودة في نسق الحكي من السطور الاولى للرواية الى آخر سطورها تقريبا فوفقا والمقياس الكمي نجد ان السارد قد منحها وفرة من المعلومات والاشارات على سبيل المثال في الصفحة الثانية من رواية الطوفان نتعرف على (" جميلة " العدنية هي من مخلوقات النص والمدينة؛فهي لا تشبه جميلة محددة، تأخذ من هذه وتلك لتشبه في اخر المطاف عدن في تلك الايام ) لقد استطاع السارد ان يحيط شخصية جميلة بالفرادة الوصفية وبفرادة الفعل من حيث تقديمه لها وبناء شخصيتها وحضورها في مفاصل الرواية في الوقفات الوصفية والتأملية وحينما عادت من الخارج قبل احداث 13 يناير وبقيت في عدن فترة قصيرة سافرت قبل الاحداث الا انها جاءت بعد الوحدة يقول السارد (عادت جميلة من موسكو بشهادة الدكتوراه في الفلسفة وبصحبة زوجها وابنها، لكنها لم تجد شيئا يستحق البقاء في صنعاء )ويستطرد السارد( ويبدو لي أن هذه العودة الأخيرة وقد تبدى على محياها الإعياء ودكتوراه من بلد شيوعي اصبحت رجسا من عمل الشيطان في نظر متخذي القرار في مجال التربية والتعليم )الطوفان ص : 109

الشخصيات الثانوية :
تزخر رواية الطوفان بالشخصيات الثانوية ، وقد اعتنى السارد ببعضها إذ( تنهض الشخصية الثانوية بادوار محدودة، إذا ما قورنت بادوار الشخصيات الرئيسة ، قد تكون صديق للشخصية الرئيسة أو إحدى الشخصيات الرئيسة التي تظهر في المشهد من حين الى آخر وقد تقوم بدور تكميلي مساعد للبطل او معيق له ) بحسب محمد بوعزة (8)
ومنذ الفصل الاول يحدثنا المؤلف او السارد عن زملاء الدراسة وهم كالتالي : منصور ، عبدالواحد ، مرشد، شذى ،بدر ، سعدية وكل هولاء يمكن القول عنهم انهم شخصيات ثانوية ، عرفنا علاقاتهم بالسارد ومصائرهم فيما بعد وكل تلك الاسماء لانعرف هل هي اسماء حقيقية او رمزية أو كائنات متخيلة وذلك لطبيعة النص الذي يجمع بين الرواية والسيرة الذاتية فلانعرف حدود الواقع واين يقف؟ أو المتخيل واين يمد ظلاله ؟ ويهمنا هنا ان نشير الى التحولات في حياة الشخصيات الثانوية التي حرص السارد على ذكرها :
منصور الفيلسوف الخجول القادم من الريف المحيط بعدن ، انضم الى عضوية الحزب الاشتراكي وقد وافقت منظمة المديرية والمحافظة سريعا بسبب انتمائه القروي لمنطقة تشكل وزنا مهما في بنية الحزب . منطقة يرى الحزب ان كل ابنائها كادحون وصالحون لعضوية الحزب بالانتماء الجغرافي وحده )الطوفان ص : 10 و11 وتعيَّن منصور بعد التخرج في الكلية العسكرية في نيابة الشئون السياسية الا انه قتل في احداث 13 يناير في الكلية العسكرية ( قتل غدرا مع جماعة من منطقته في مبنى الكلية الحربية وماتت معه كل قيم الاعتدال والطيبة والمحبة والتسامح ) الطوفان ص : 94
عبدالواحد : الزميل الثالث ، مثلي الميول ، صاحب نظرية ان الجمال ليس مرتبطا بالانوثة وحدها وهو الزميل الوحيد الذي رافق السارد للتطبيق في محافظة ابين وبعد انتهاء الدراسة تم تعيينه في وزارة الداخلية في قسم التوجيه المعنوي وتزوج ( بالرغم من ميوله الذكورية ) الطوفان ص : 74 وقد غادر عبدالواحد بعد احداث 13 يناير وزارة الداخلية للعمل في التلفزيون معدا في قسم البرامج الثقافية محاولا الابتعاد عن تداعيات الاحداث واصبح مسؤولا عن عائلتين بعد وفاة والده الطوفان ص: 95
مرشد : الشاب ، الشخصية المرحة، ويتميز بعلاقاته الصادقة مع الاخرين ذكورا وإناثا ، وهو الذي دخل في تحد مع السارد للسفر مشيا على الاقدام الى مدينة مودية وهي من المناطق الوسطى في جنوب اليمن ، وقد طُلِب من مرشد الابتعاد عن السارد لان ذلك سوف يضره كثيرا كونه (بعثيا) وقد كان الطلب من بعض اعضاء المنظمة القاعدية للحزب الا انه رفض ذلك ، وهو إدعاء ملفق وغير صحيح وقد اوضح السارد لمرشد ( انني لست كذلك بل انني اكره هذه التوجهات الفكرية، ولا اطيقها اصلا فكيف يمكن ان انتمي اليها والى احزابها )الطوفان ص: 20 ومرشد هو الشخصية الوحيدة من الزملاء الستة الذي لم يشر السارد الى تحولاته المصيرية فيما بعد

شذى : الاخت والزميلة كما يصفها السارد ، فهي التي عرفته على مصنع البلاستيك الذي كانت تعمل فيه بالعطلة الصيفية، وعرفته بمدير المصنع وعرفته بالعم سعد رئيس العمال والعاملة (ن) وهي شخصية ارتبط معها السارد بموضوع هوى عابر .... شذى تزوجت بعد التخرج ويصف السارد زواجها بالتقليدي فهي امرأة مثقفة نهلت من ينابيع الفلسفة الطوفان 75
وعن ضحايا 13 يناير يقول السارد ( ماتت اختي وزميلتي شذى في ولادة متعسرة بسبب قطع التيار الكهربائي ومنع الوقود عن محطة توليد الطاقة الخاصة بمستشفى الصداقة وهو اكبر مستشفى طفولة في الشرق الاوسط ) الطوفان 95
بدر : او فيورباخ كما درج على تسميته زملائه لودفيغ فيورباخ ، ويعتبر ضمن مجموعة الزملاء الذي يميل اليه السارد ، بعد احداث 13 يناير (انتقل بدر للتدريس في الجامعة في كلية ريفية كاعتراف متأخر من الجامعة بنباهته وذكائه) الطوفان ص : 95
سعدية : هي حب السارد الذي اختارها بعقله لا بقلبه وكان يرى اليها مشروعا للزواج وهي تصغره بعامين ويطلق عليها الخل الامين ، استمرت علاقتهما حتى وصل السارد الى السنة الرابعة بكلاريوس حتى نهاية التطبيق في محافظة ابين وقد تخرج ومارس مهنة التدريس وفي هذا العام ينفصل عن سعدية( بعد حوار مستفيض حول رغبتي الأكيدة في إنهاء مرحلة العزوبية ،واصرار سعدية على ضرورة التأني لكي يكون القرار مدروسا ونهائيا حتى لانندم ! ) الطوفان 61 كل الشخصيات في الرواية كانت قريبة الى قلب السارد وقد منحها اسماء دون اسم الأب أو لقب العائلة في اشارة الى عدم اعتبارها شخصيات حقيقية بل شخصيات متخيلة كذلك ،ليس في الرواية شخصيات معادية او معيقة الا ذلك الكائن الهلامي غير المحدد من بعض الزملاء الوشاة الذين كانوا يروجون إشاعة إنتماء السارد لحزب البعث، وقد كانت إشاعة قوية كادت ان تلحق بالسارد خطرا" ما غير محدد، أسوأه ان يرمى به وراء الشمس .

الشخصيات العابرة :
في رواية الطوفان وهي رواية سيرية يذكر السارد مجموعة كبيرة من الشخصيات العابرة ، وهي عابرة بالمعنى الفني لبناء النص الروائي وليست عابرة في حياة السارد ،وتذكر كخلفية للاحداث في الوقفات الوصفية والتأملية، وهي شخصيات يذكرها السارد سريعا، ولا يشير الى ادوارها او مصائرها اللاحقة يقول يوسف حطيني ( الشخصية العابرة لا تقوم بالعمل القصصي إلا بدور محدود ، وهي تختلف أيضاً عن الشخصية الثانوية في أنها لا تسير جنباً إلى جنب مع الشخصية الرئيسة ولا تنفعل بالأحداث حولها ، وإنما يكون ظهورها عرضياً .) (7) الشخصيات الرئيسة والثانوية ذكرت في الفصل الاول ومعظم الشخصيات العابرة ذكرت في الفصول التالية انما سوف نحرص على ذكر الشخصيات التي رافقت مسيرة حياة السارد وتنقلاته وسوف نستعرضها سريعا"وفقا وظهورها في المتن على سبيل المثال في الفصل الاول ، الجزء الثاني الذي يحمل عنوان 4 مفاتيح ، حرص السارد على ذكر بعض الشخصيات في الوقفات الوصفية والتأملية مثل الاخ الاكبر محمد الذي كان بمقام الاب من حيث العناية به وبإخوته وقد أثر فيه تأثيرا كبيرا. كما ذكر السارد صديقه الشاعر العدني جمال الرموش وكيف انهما شغوفان بالاستماع الى اغاني السيدة كوكب الشرق أم كلثوم ، وجمال الرموش شخصية حقيقية لها حضور مجتمعي ملحوظ في عدن ، وقد عمل السارد في مصنع البلاستيك في العطلة الصيفية وقد نسقت لذلك الامر الزميلة شذى وعرفته على مدير مصنع البلاستيك وكذلك على العم سعد كبير المهندسين في المصنع و الآنسة (ن)إحدى العاملات التي اقام معها السارد علاقة عابرة ، وفي الجزء الثالت من الفصل الاول بعنوان سعدية يشير الى الشهيد الدكتور العراقي توفيق رشدي وإلى حادثة مقتله في عدن والى طريقته في التدريس والى بعض ارائه السياسية، اما في الجزء الرابع من الفصل الاول وهو بعنوان بلغاريا اليمن، اي محافظة ابين ، عندما انتقل اليها وهو في السنة الثالثة بكلاريوس ، سنة التطبيق ، وفي الطريق إلى ابين يتعرف على شاب حضرمي في الحافلة سوف يكون زميله في التدريس في زنجبار ، كما تعرف على مدير الثانوية السوداني وقد رافقه زميله عبدالواحد في التدريس في ابين كما تعرف السارد على الاستاذ ايوب وهو فلسطيني اقاما معا ومع بعض الزملاء المدرسين ومعظمهم من العراق وفلسطين والسودان في فندق الذهب الأبيض في جعار ، وكان ينقلهم الى زنجبار السائق الوالد الذي كانت تغضبه هذه التسمية ،كما تعرف السارد على طباخ الفندق سعد وفي الفصل الثاني الجزء الاول عندما يلتحق السارد بثانوية الجلاء في خورمكسر يتعرف على استاذ اللغة الانجليزية نصرت وعلى الاستاذ السوداني محمد مجذوب علي والاستاذ نور الدين ... وفي الجزء الثاني من الفصل نفسه بعنوان المبروكة 2 لا يذكر اسماء اصدقائه في اليخت الذي يحمل اسم مبروكه 2 وقد احتفلوا برأس السنة الميلادية 1986 على اليخت ، الا انه في هذا الفصل يقرر الزواج يقول السارد (بالتأكيد كان للتوافق الروحي بيني وبين من صارت زوجتي فيما بعد أم الاولاد ،الدور الرئيس في ان تتحقق رغبتي في الزواج والاستقرار ...نعم كان لها الدور الفاعل والأكيد في إدخالي الى قفص المؤسسة الذهبي ، وربما لولاها لذهبت القصدية لدي في الزواج أدراج الرياح .)الطوفان ص : 85 هذه ابرز الشخصيات العابرة في رواية الطوفان مقارنة ببعض من ذكر في الفصل الثالث وهم ليسوا بذات اهمية في نسق الحكي في الوقفات الوصفية والتأملية.

يتبع المكان والزمان بعد عيد الفطر ان شاء الله