آخر تحديث :الإثنين - 03 يونيو 2024 - 05:29 م

قضايا


فك الارتباط وقضايا تاريخ الجنوب المعاصر

الثلاثاء - 21 مايو 2024 - 10:11 م بتوقيت عدن

فك الارتباط وقضايا تاريخ الجنوب المعاصر

المحامي/ جسار فاروق مكاوي

فك الارتباط وقضايا تاريخ الجنوب المعاصر

قدم المحامي جسار فاروق مكاوي الى ندوة علمية في الذكرى الثلاثين لإعلان 21 مايو 1994م اليوم الثلاثاء ورقة بعنوان( فك الارتباط وقضايا تاريخ الجنوب المعاصر).
وعقدت الندوة برعاية منسقية المجلس الانتقالي الجنوبي بكلية التربية عدن ويقيمها قسم التاريخ
وتنشر عدن تايم نص الورقة :
مقدمة :
بعد مرور ثلاثين عام على إعلان فك الارتباط مع نظام الجمهورية العربية اليمينة وفي مثل هذا اليوم علينا أن نعمل على لملمة ما تبعثر و ضاع حيث نستطيع بل و نكون قادرين على التماسك في مواجهة آليات الهدم الممنهج لهذا الظلم .
اليوم نواجه نزالا يتطلب تحديا لمواجهة الخصم الذي يعمل بكل ما أوتي من قوة لهزيمتنا مهما كانت النتائج و الأثر الذي سيخلفه .نزالا نستعد له حتى نصل للجولة المطلوبة و نحقق الحسم فيه .
اليوم مميز وكأننا نقدم رسالة شعب الجنوب بكل ثبات وصبر .
فعند تحقيق الوحدة اليمينة عام 1990م و ليس كما يتم الإشارة من طرف نخب الشمال بأنها (استعادة) ومن الواضح أن أاتفاقية الوحدة لم تقم على مبدأ دستوري أو قانوني أو يؤكد شرعيتها واستمراريتها ، ولذلك كان البناء القانوني منذ البداية مشوب بمخالفات دستورية.
ولبيان ذلك نوضح الأسانيد القانونية الآتية :
1-أن تحقيق الوحدة اليمينة عام 1990م لم يكن مبنيا على دستور الوحدة الذي أكد الاستفتاء عليها قبل(اعلانها) وهو مالم يحدث . وتلك تعد اول مخالفة للدستور .
2- كان يفترض التوقيع على الوحدة بين(رئيسين) و ليس(حزبين) يمثلهما رئيس حزب المؤتمر و أمين عام الحزب الاشتراكي
3-عدم وجود قوانين ولا تشريعات (موحدة) تشير الى (صلاحيات) (الدولة الجديدة) باعتبارها دولة(مؤقتة مدتها عامين ونصف).
4-أن الاستفتاء على الدستور لا يعني الاعتراف بالوحدة الاندماجية .
5- أن الصراعات التي ظهرت بعد اعلان الوحدة)  و قبل (اعلان الحرب على الجنوب) .
6- تم تجاوز الدستور و تعديله من قبل طرف واحد غير مخول (حق التعديل) وهو ما تم (انتهاكه) بالفعل بعد الحرب الأولى على الجنوب عام 1994م.
7-تم نسف معظم مكونات سلطات الدولة و أبرزها (تحويل الرئاسة من جماعية الى فردية) .
8- أن ( صك الاستقلال ) الذي منح الجنوب بموجبه عام 1967م الاستقلال يظهر بوضوح ويبين أنه ( لا يحق لأي فرد) أو حزب أو سلطة التنازل عن سيادة الدولة و استقلالها و لا نظامها السياسي .
9- أو الأحزاب (حتى) للاستفتاء العام (للتنازل) عن الهوية أو للتنازل عن السيادة الوطنية أو للاندماج مع نظام سياسي في دولة أخرى .
10-  أن منظمة الأمم المتحدة تعترف بالدول و ليس بأنظمتها السياسية ففي عام 1967م اعترفت الأمم المتحدة (بالدولة الجنوبية) (كدولة مستقلة)(ذات سيادة) بغض النظر عن نظامها السياسي.
11- (عمل نظام صنعاء ) على الاستفادة من اتفاقية (ألان الوحدة عام 1990م)لاذابة  شخصية الدولة (قدمت صنعاء) مستندها الأساسي الدولي كمرجع لا يجوز التراجع عنه ولا تبديله .
وهو ما نلمسه و نشاهده اليوم عبر التأكيد من قبل الشرعية اليمينة ومن يمثلها على المرجعيات الثلاث و المبادرة الخليجية المزمنة كأساس (لاستعادة) الدولة الذي سيستمر بناءا عليه الغاء الجنوب والتغاضي عن كونه دولة .
12-   أن احتلال الجنوب تم تحقيقه بالقوة العسكرية  وتم (فرض) (وجود دولة واحدة) بدلا من دولتين اللتان(دخلتا باتفاقيات) (الوحدة ) و بموجب بنود ارفقت بتلك الاتفاقية بشكل تفصيلي .
13-  وعلى ضوء ذلك تكون الجمهورية العربية اليمنية (الدولة الأولى) في العالم التي اعترفت بالدولة الجنوبية ( اليمن الديمقراطي) وإعلان مشروع الوحدة معها . ثم انقلبت على كل ذلك و احتلتها بالقوة العسكرية و مارست بحقها ابشع صور الاحتلال .
14-  أن مشروع الدولة الواحدة و الاعتراف به من قبل المجتمع الدولي (كان مرهونا) بأن تصبح الدولة
(بكامل حيثياتها) ، بحكم امتلاك دولة الجنوب (عضوية كاملة) في الأمم المتحدة و في الهيئات الدولية وفي الجامعة العربية و منظمة المؤتمر الإسلامي .

18-  أن ذوبان الشخصية الدولية المقابلة أي الدولة اليمنية دخلت معها (باتفاقات شراكة) بل أن ذوبان للشخصيتين الدولتين معا في شخصية دولة جديدة هي (الجمهورية اليمنية) (بمعنى قانونا) (يحق لأي طرف من الطرفين (فض الشراكة) و كل طرف يمتلك نفس الحق .لأن الشخصيتين الاعتباريتين للدولتين ذابتا معا . ولم تكن احدهما تابعة للأخرى . او سميت باسم الدولة الأحرى ، وعليه نستطيع التأكيد على الآتي :
أولا : أن  القضية الجنوبية انطلقت من مبتدئ انسانية و دولية .
ثانيا : أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم(3070) لعام 1973م شرع نضال الشعوب للتحرر من السيطرة و الاستعباد بجميع الوسائل الممكنة بما فيها الحق في الكفاح و النضال .
ثالثا : أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم(3336) لعام 1974م الذي قضى بتأكيد مبدأ سيادة سكان الأقاليم المحتلة على ثرواتهم و مواردهم وعلى المجتمع الدولي (ادانة الاحتلال اليمني لقيانه باستغلال هذه الثروات و الموارد الخاصة بشعب الجنوب لمصالح أمراء الحرب  و نظام صنعاء.
رابعا :أن دعوة الأمين العام للجمعية العامة للأمم المتحدة حينها(بان كي مون) لممثلي الحراك السلمي الذي مثل القضية الجنوبية الى الاشتراك في جنيف (1) الذي عقد برعاية الأمم المتحدة هو اعتراف بالقضية و بحق التمثيل و حق المطالب المشروعة . الوليدة (دولة سلام) واستقرار وهذا ما يؤكد عليه قرارات مجلس الأمن بشكل دائم حول اليمن .
15-  أن مجلس الأمن الدولي لم يرفض و لم يعترف بحق شعب الجنوب بالعودة الى دولته السابقة التي أعلنت (بعد الانتهاء من المرحلة الانتقالية)(المقررة كما أشرنا سابقا(بعامين و نصف) حسب اتفاقية (مشروع الوحدة الاندماجية)  وذكر ذلك في القرار رقم(924) لسنة 1994م و القرار رقم (931) لسنة 1994م .
16-  أن هذين القرارين قضيا(بالاحتكام للحلول السياسية و على أن يبقى الملف قيد النظر .
17 – أن أي اعتراف لابد أن يستند ال ىالمرجعية القانونية للأمم المتحدة حتى يدعم من قبلها هذه المرجعية القانونية متوفرة
خامسا : بيان مجلس التعاون الخليجي في (مدينة أبها) الصادر بتاريخ(4-6 يونيو 1994م) الذي أدان حرب الشمال على الجنوب . و كان الاعداد و التحضير مع دول الفيتو للاعتراف بإعلان دولة الجنوب المستقلة .
سادسا : أن هذه المكاسب القانونية و اهملته تلك المصالح الدولية .لا سيما بعد (ا تفاق مكافحة الإرهاب) الذي يعتبر ورقة رابحة لدى رئيس اليمن المخلوع علي عبدالله صالح و نظامه السابق مع أمريكا خصوصا بعد أحداث 11سبتمبر 2011م وتداعياته على العالم .
وحتى يكون للورقة هذه أهميتها القانونية التي أود هنا فعلا تقديم الشكر و التقدير لأستاذ القانون الدستوري الزميل الدكتور (لؤي طارش) على وضعها و تقديم الشروحات و تفصيلها ، لأنها بمثابة حجة قانونية شارحة لأهداف شرعية (فك الارتباط) .وعليه نؤكد ، أن هنا كبعض التساؤلات القانونية المتعلقة (بالسند القانوني للقضية الجنوبية) نستعرضها وفقا للآتي :
التساؤل الأول :اذا اعتبرنا (جدلا) أن مطلب الجنوب هو(انفصال) و ليس (فك ارتباط)، فهل عدم سماح (الدستور) بذلك يمنعه من المطالبة باستعادة دولته ؟ بمعنى آخر ، هل يمكن لدولة مثل اليمن الاستناد على المستوى الدولي الى نصوص دستورها مباشرة حتى يدعي أو يعد غير مقبول و غير شرعي .
نجيب على ذلك (بالنفي) ، استنادا الى ما أكدته (محكمة العدل الدولية) الدائمة في قضية(لاهوت سيليزيه) بتاريخ (25/5/1926) و لجنة القاضي (بادنتير) حول الأزمة اليوغسلافية بتاريخ (29/11/1991م) عندما اعتبرت اللجنة أن القانون الدولي (أن شكل التنظيم السياسي الداخلي و النصوص الدستورية تشكل مجرد وقائع فقط للعلم والاطلاع (غير ملزمة) . و لهذا فبعد صدور (قرار مجلس الأمن الدولي برقم (924) لعام 1994م طالبت (صنعاء) مجلس الأمن (بإدانة) أسمته (اعلان البيض بالانفصال) في(21 مايو 1994م) الذي نعيشه ذكراه الثلاثين اليوم ونقف معكم في هذه الندوة على صيغه و خلفيته القانونية) حيث طالب الأطراف (القرار) (باستئناف الحوار) دون شروط مسبقة وهذه العبارة الأخيرة( كانت هي الرد على ذلك الطلب) الذي تقدمت به صنعاء .
التساؤل الثاني : هل تم قبول عضوية الجمهورية اليمنية في الأمم المتحدة (كدولة جنوبية) ؟!.
نعلم جيدا أنه في 22 مايو 1990م كان اعلان توحيد الدولتين (شمالا و جنوبا) وهما الدولتين العضوين المستقلتين في الأمم المتحدة .  وغيرها من المنظمات الدولية (تحت مسمى دولة جديدة اشير اليها(الجمهورية اليمنية) .فكيف نحقق ذلك على مستوى الأمم المتحدة ..يمكن تحقيق ذلك عبر ارسال مذكرتين منفصلتين من وزيري خارجية الدولتين يبلغان فيها الأمين العام للأمم المتحدة (بتوحيد الدولتين) عام 1990م حيث قام الأمين بدوره بتوزيع الاشعارين الى الهيئات الرئيسية في المنظمة . وقبل ذلك التاريخ بنحو سنة و تحديدا في تاريخ(18/10/1989م)انتخبت أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة كما هو معتاد دوريا الأعضاء الجدد غير الدائمين في مجلس الأمن الدولي و منهم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) . هنا ، (اذا كانت الجمهورية اليمنية) اعتبرت دولة جديدة انضمت للأمم المتحدة ، فهل يمكن تحديد رقم و تاريخ قبول تلك العضوية (كدولة جديدة) فالمعروف وفقا للفقرة (2) من المادة(4) من ميثاق الأمم المتحدة بأنه :(يتم قبول دولة في عضوية الأمم المتحدة (بقرار) من الجمعية العامة (بناء) على توصية (مجلس الأمن) ومن دون هذا(القبول رسميا) هل يمكن اعتبار ميلاد الجمهورية اليمنية بمثابة الغاء للدولتين العضوين أم تجميد عضويتهما و مقعدهما .
السؤال الثالث : هل تم تعليق أم الغاء عضوية الدولتين ، جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية و الجمهورية العربية  اليمنية في الأمم المتحدة بعد اعلان وحدتهما . طبعا هذا التساؤل الهام و الخطير بحاجة الى إجابات عليه من خلال نموذجين تعاطت معها الأمم المتحدة سياسيا  و قانونيا .
النماذج :
1-نموذج الوحدة المصرية -السورية ، فقد كانا عضوين في الأمم المتحدة (قبل تحقيق الوجدة بينهما في عام 1958م) و ذوبان الدولتين في دولة واحدة سميت الجمهورية العربية المتحدة . تم ابلاغ الأمم المتحدة بذلك ، ولم يتم اخضاع الدولة الجديدة الى شروط عضوية الأمم المتحدة و عندما اتخذت سوريا قرار فك الارتباط عن مصر في عام 1961م اكتفت بإبلاغ الأمم المتحدة عبر رئيس وزرائها برغبتها استعادة مقعدها في الأمم المتحدة وهو ما قبلته الأمم المتحدة (خاصة) ان مصر (لم تعترض على ذلك) واعتبر الأمر و كأن عضويتها في الأمم المتحدة لم يتم الغاءهما بوحدتهما وانما (تعليق عضويتهما) حسب التعبير الجميل لأحد فقهاء القانون الدولي ، فلا سورية و لا مصر طلب منهما استعادة عضويتهما في الأمم المتحدة تلبية شروط العضوية من جديد وفق الميثاق .
2- نموذج الوحدة الألمانية : فقد كانتا عضوين في الأمم المتحدة منذ عام 1973م وتوحدتا في دولة واحدة في أكتوبر عام 1990م . وقد يتساءل البعض هنا ، لماذا تم ذكر ان الجمهورية اليمنية لم يتم قبول عضويتها كدولة جديدة في الأمم المتحدة في حين قبلت ألمانيا الاتحادية ؟ ذلك سؤال وجيه . .نقول هنا، أن الفارق الرئيسي يعود الة ان ألمانيا الديمقراطية عند وحدتها هي التي ألغت وجودها كدولة و ليس ألمانيا الغربية ، التي استمرت عضويتها في الأمم المتحدة ، بينما في الحالتين السورية و المصرية و الشمالية و الجنوبية في اليمن لم يتم الغاء واحدة منهما ، وانما ألغيت الدولتين معا. و عند فك سورية عن مصر ارتباطها اعتبر مقعدها في الأمم المتحدة بمثابة تعليق للعضوية (أثناء) الوحدة و بذلك استعادت كل منهما مقعدهما بعد ذلك .
و أخيرا ، نصل الى حقيقة ثابتة الى أنه لا توجد حاجة الى استخدام مبدأ حق تقرير المصير في القضية الجنوبية لأنها في الأصل قد حصلت على استقلالها من بريطانيا في نطاق ممارسة ذلك الحق ضمن مرحلة (تصفية الاستعمار).
ما هو المطلوب الآن :
أن نصل الى اتافاق مع الشريك الآخر في دولة الوحدة حول شروط (فك الارتباط) سلميا و التفاوض حول تصفية التزامات كل طرف نحو الطرف الآخر في (طريقة تسديد مستحقات الجنوب) من الموجودات التي تم الاستيلاء عليها بعد حرب صيف عام 1994م و حتى اللحظة . إضافة الى المشاريع و الاستثمارات التي تم تمويلها من موارد الجنوب لميزانية الحكومة المعترف بها التي تمثل تلك الموارد ما نسبته 80% تقريبا منها .
استخدام (الاستفتاء الشعبي) لأبناء الجنوب ، اذا كان ذلك ضروريا كآلية ديموقراطية (فقط) لمعرفة رأي شعب الجنوب ، ليس في احقيته في استعادة دولته السابقة (هذا الحق ليس مجالا للتفاوض) فهو حق طبيعي مكتسب حصل عليه باستقلاله من بريطانيا عام 1967م . ولا نبالغ اذا قلنا أن الشعب نفسه لا يمكنه ولا يحق له التخلي عن دولته وانما الاستفتاء المطلوب تنظيمه في اطار خيار ديمقراطي بحت حول مشروع قومي في التوحد مع جاره ، أم الانكفاء على نفسه في المرحلة الحالية و  العودة الى دولة ماقبل 22مايو1990م و أهمية تغيير النظام السياسي ة الاقتصادي لدولته المراد استعادتها .
ان هذه المكاسب القانونية التي تم تحصيلها دوليا وما تمثل من الرأي العام الدولي جديرة بأن يتم التأكيد على مضمونها و العمل الجاد فيها لتحقيق اعلان دولة الجنوب من جديد .

انتهى

اعداد وتقديم: المحامي/ جسار فاروق مكاوي