آخر تحديث :الجمعة - 27 سبتمبر 2024 - 08:20 ص

كتابات واقلام


اليمنيون لا ينظرون إلى البعيد بل يهربون

الخميس - 10 نوفمبر 2016 - الساعة 12:38 ص

نشوان العثماني
بقلم: نشوان العثماني - ارشيف الكاتب


يُقال لنا لماذا تهتمون بالانتخابات الأمريكية يا معشر الأعراب في ركن الجزيرة اليمان؟ يسألون ولا يعرفون السبب, إنما السؤال منطقي جدًا. لكن أتدرون ما الأسباب؟ ببساطة المواطن اليمني على تنوع مستوياته واختلاف مشاربه, يسعى لأن يهرب من واقعه إلى واقع آخر؛ حتى يتسنى له نسيان الضجر والهموم التي تغرق كل شيء حوله, وتزداد الحالة كلما ازداد انغلاق كل المخارج أمام حلول السلام, والخروج من هذا الواقع المؤلم. ولذا, وخوفًا على الفيوزات ومكافحةً للسأم وللبحث عن أكشن لتفريغ الشحنات السلبية, يتم البحث عن مشاكل كوكب الأرض ومناقشة/ والاحتدام حول أبرزها. الانتخابات الأمريكية كل شعوب الأرض تهتم بها, فلا ننسى أننا أمام الدولة العظمة رقم 1, وبالأصح هي تجمع 51 من الولايات, الولاية الواحدة فيها تناظر دولة أوروبية.. فليس حي الله أي دولة. هذا أولًا. أما ثانيًا فإن اهتمام اليمنيين بالشأن الأمريكي يتضاعف وهذه المكانة الدولية, نظرًا لما أشرنا إليه, وإلى جانبه الفراغ الذي يشغل حياتهم. فاليمنيون يقضون ساعات قليلة في العمل, هذا إن وجد العمل, ولكن معظم الوقت في تعاطي القات, وكما نعلم, المتعاطون له يقدرون بنسب كبيرة بين أوساط المجتمع. والقات من جهته يعمل على تضخيم اللعبة فيأكشنها أكثر ومؤخرًا اتضح أن هناك الكنشلة إلى جانب الأكشنة. ومن الأسباب ما هو مؤلم, وهو متعلق بالنفسية الجامعة, كانعكاس لكل ذلك ومضافًا إليه... لأنه لماذا يحدث كل ذلك؟ سنجد أن اليمنيين يعجزون على حل قضاياهم, ولا ينجحون إلا في كيفية القفز عليها, فلا هم يعالجونها فينتهي الصداع ومترتبات التدهور, ولا هم يذهبون إلى النهاية فيكملون المسلسل حتى يبدؤوا بفتح صفحة جديدة. هذا القفز راكم ملفات ضخمة صار يُنظر إليها على أنها صعبة الحل وبعيدة عن منال المعالجة. ذلك يتراكم في نفسية اليمني دون أن يدركه بشكل مباشر, فيؤدي إلى فقدان الثقة بحصول التغيير إلى الأفضل بين أوساط المعظم من أفراد الشعب وبالتالي صار هذا المعظم وفقًا لذلك لا ينتظر إلا الأسوأ. فقدان الثقاة تعني فقدان الصدق. وحين يُفقد عمود الصدق بين الأطياف والأطراف التي تعيش إلى جانب بعضها, ما الذي يحدث؟ التمزق والعنف وتنهار العمارة. وأمام لوحة قاتمة مثل هذه تخيم في نفسية اليمني البسيط, وكل الشعب اليمني يتمتع بالبساطة, يحدث أن ينجذب المجموع للاهتمام بقضايا خارج إطار مصلحته الاستراتيجية التي يجدها بالغة التعقيد أمامه, ومن تلك الاهتمامات الطارئة والسطحية بالطبع؛ الأحداث الدولية. ويأتي هذا الانجذاب كنوع من التنفيس. التفاعل بين شعوب الأرض جيد للغاية وليس معيبًا, لكنني هنا أشير إلى تفاعل من نوع آخر تدفعه آهات دواخل موجعة.. ويمكن قياس هذا الأمر على مستوى حياة الفرد في مشاكله الصغيرة. وأبرز المشاكل التي تهشم الروح لدى الإنسان تلك التي إما أن تحدث له في عالمه الداخلي أو في دائرته الأسرية, فلا يجد استقرارًا, فتتكون أمامه بيئة طاردة نجده معها يسعى إلى الاهتمام بأي حدث خارج إطار هذه البيئة حتى يساعد نفسه على نسيان ما يمر به. وحين تمر الساعات وهو في حالة من الفضاء الخاص البعيد عن التوترات الداخلية هذه على مجملها ينتبه فجأة أنه عائد إلى المكان الذي لم يعد له ملجأ بل أشبه بقبو معتم يكاد يخنق تنفسه. وما لم يصل إلى الفصل السليم مما يعانيه, فإن حياته لا تخرج عن دائرة من الاضطرابات تكرر نفسها, وتسعى إلى المزيد من تهشيمه على مرآه ومسمعه. والحل هو في مواجهة المشكلة لا الهروب منها. ومواجهتها أي بمعنى امتلاك الوعي في البحث عن الحل المشترك بين جملة الاحتمالات التي تقبل القسمة على أكثر من واحد. وهذا ما سوف يُعكس على الشعب كمجموع, وفيه أن المزيد من الهروب يؤدي إلى المزيد من تراكم التعقيدات, والصحيح العكس من ذلك تمامًا, ويقتضي امتلاك الوعي. سنصل هنا إلى أن ازدحام السير يقود بعض السائقين, وبخفة, إلى القفز على الرصيف, ما يقود إلى فتح طرق فرعية جديدة لا تؤدي إلا إلى ازدحام مماثل في مكان ما ليس بعيدًا, وهكذا تتوالى التفحيطات والزعمطة لحتى نحصل على شبكة معقدة من الاختناقات تجبرنا معها إلى الترجل من على متن السيارة والبحث عن وسائل النقل البدائية للاستعانة بها في الوصول إلى المنزل. ... لا أدري ما مدى ملامستي للواقع الذي نحن فيه, بهكذا فهم ومقاربة, إنما هذا ما أراه. وهذه الرؤية غير المكتملة كانت قد برزت أمامي ردًا على هذا السؤال المتكرر دومًا: وما الذي يخصكم أيها القوم بزيد وعبيد وهامب وترامب؟ انظروا إلى بلدكم الذي ينهار ولا تنظروا إلى البعيد. اليمنيون لا ينظرون إلى البعيد. طيبون جدًا حد السذاجة, لكنهم لا ينظرون بل يهربون. ولذا, إما دعونا على النسق ذاته من الهربات وهذا هو التكارث, وإما أن تكون الدعوة لإنارة الوعي. ومن السهل جدًا التدبيج نظريًا في هذا السياق, قياسًا بالمساهمة العملية في سبيل تحقيقه... وأعتقد أن المزيد من الحديث حول هذا الجانب, تزامنًا وما يحدث مما هو غير مسبوق في هوله وبؤسه, سيحفر عميقًا في/ وسيعمل على إيقاظ الوعي واللا وعي تدريجيًا. أقول ما قرأتم... ...