آخر تحديث :السبت - 21 ديسمبر 2024 - 09:36 م

كتابات واقلام


الخطأ المشؤوم في تاريخ الجنوب

الخميس - 07 مارس 2024 - الساعة 04:12 م

حافظ الشجيفي
بقلم: حافظ الشجيفي - ارشيف الكاتب


في سجلات الماضي القريب للجنوب، يبرز أحد القرارات باعتباره أخطر خطأ يتم ارتكابه في تاريخ الجنوب - وهو القرار الذي لم يغير مسار الجنوب فحسب، بل أخضع شعبه لعقود من الاضطرابات والمصاعب التي لم تتوقف حتى اللحظة. لقد كانت تلك الخطوة التي جاءت في توقيت سيئ وسوء تقدير من قبل علي سالم البيض للوحدة مع الشمال قبل وضع الأساس لنظام رأسمالي ديمقراطي مستقر في الجنوب - وهو القرار الذي أدى في النهاية إلى تدمير شعب الجنوب وأرضه ونهب ثرواته.

إن تسرع علي سالم البيض في الاندفاع نحو الوحدة مع الشمال دون ترسيخ النظام الرأسمالي الديمقراطي في الجنوب أولاً يظل خطأً فادحاً في تاريخ الجنوب. وكان ينبغي تخصيص فترة انتقالية لا تقل عن خمس سنوات لإقامة النظام الجديد في الجنوب، بما يسمح بتوطيده قبل التفكير في الوحدة مع الشمال.

ومع ذلك، تجاهلت تصرفات البيض المتهورة هذه الخطوات الأساسية، مما أدى إلى إغراق الجنوب في اتحاد سابق لأوانه وغير مستعدا له مع الشمال. وادت الى عواقب مأساوية مازلنا نعاني منها ونتجرع ويلاتها الاليمة حتي اليوم وخلفت وراءها أثاراً لا تمحى من الجروح.

علاوة على ذلك، فإن الطريقة التي تم بها التوقيع على اتفاقية الوحدة من قبل البيض ورفاقه لم تؤدي إلا إلى تفاقم الكارثة. حيث فشل الاتفاق، الذي يشبه عقد الزواج الاجتماعي، في حماية حقوق ومصالح الجنوب وشعبه. وخلافاً لعقد الزواج الذي يحدد شروطاً واضحة للحفاظ على حقوق وواجبات الزوجين، فإن اتفاق الوحدة كان ناقصاً في أحكامه الخاصة بالجنوب. حيث أهملت الحقوق الأساسية لشعب الجنوب وأغفلت الضمانات السياسية والوطنية الحاسمة التي كان ينبغي وضعها لحماية مصالحه وهويته واستقلاله.

ولا تزال تداعيات هذه الاتفاقية تطارد شعب الجنوب الى اليوم، بعد ان وجدوا أنفسهم مهمشين ومحرومين داخل الوحدة، وبعد ان تم اقصائهم واغتيال رموزهم وقادتهم وشن الحرب عليهم في صيف1994 التي انتهت باحتلال الجنوب عسكريا. ويظل إرث قرار البيض المتسرع بمثابة تنبيه صارخ بمخاطر التصرفات المتهورة في عالم السياسة والحكم.

وبينما نتأمل هذه اللحظة المحورية في تاريخ الجنوب، يتعين علينا أن نتعلم من أخطاء الماضي ونسعى جاهدين من أجل مستقبل يرتكز على الحكمة والبصيرة والالتزام الراسخ بمصالح شعب الجنوب. ولن نتمكن من رسم مسار نحو مستقبل أكثر ازدهارا وإنصافا للشعب الجنوبي إلا من خلال الاعتراف بأخطاء الماضي.

إن إرث زواج علي سالم البيض المبكر هو بمثابة قصة تحذيرية، تذكرنا بمخاطر القرارات المتسرعة في المسائل ذات العواقب الوخيمة. فلنستمد الحكمة من هذه الدروس ونعمل معًا نحو مستقبل جنوبي يتسم بالكرامة والازدهار والوحدة الحقيقية.