آخر تحديث :الأحد - 22 ديسمبر 2024 - 08:01 ص

كتابات واقلام


بالتكيف الضفدعي نتجرع اليوم مالم نحتمله بالامس

الجمعة - 18 أكتوبر 2024 - الساعة 08:40 م

جمال مسعود علي
بقلم: جمال مسعود علي - ارشيف الكاتب


نظرية التكيف الضفدعي هي واحدة من أساليب التعامل مع النزاع وتقضي بأن يتكيف أحد أطراف النزاع مع الاضرار ويتعامل معها كأمر واقع بالقبول والرضا على ضررها ومرارتها ، ويضرب بالضفدع مثالا لذلك لأن الضفدع دون غيره لديه القدرة على التكيف مع الظروف السيئة والتعايش معها حتى لو أدت إلى موته ،  فكما جاء في القصة المعبرة عن التكيف الضفدعي ، أن ضفدعا وقع في ماء ساخن فلم يجتهد بالخروج من القدر وقد كان يقدر على ذلك إلا انه استعجل واتخذ القرار الاسهل  وهو اللجوء لخاصية التكيف لديه فبدل أن يقفز من القدر سريعا تقبل درجة الحرارة المرتفعة عبر استخدام المخفضات الموجودة تحت جلده التي كانت تعمل على توازن درجة الحرارة بين مافي جسمه وحرارة مافي القدر وظل يستنزف المخفضات الحرارية لديه حتى ففدها بينما حرارة مافي القدر تزداد ما أدت إلى إضعاف جسمه وانهاكه حينها قرر القفز من القدر لإنقاذ نفسه فلم يتمكن بسبب الانهاك والضعف البدني فسقط في الماء المغلي ومات.

ان مافرضته علينا الازمة السياسية والظروف الذاتية والموضوعية لما نحن عليه اليوم قاس جدا ، فالتحالف العربي والسلطة الشرعية معا كطرف محوري فيما فرض علينا التكيف معه والتعايش به كأمر واقع ليس باليد حيلة إزاؤه ،  فالنزاع الذي بيننا وبين المكلفين بإدارة شؤون البلاد لم يفضي إلى حل وكل الأساليب المستخدمة في إدارة النزاع استوفتها قوى الشعب الوطنية المدنية منها والعسكرية ، وقد بذلت كل الجهود من قبلهم لإحداث تغيير في سياسة لوي الذراع وعض الاصابع.

منذ فترة ليست بالبعيدة حملنا في أذهاننا رغبة ملحة في التغيير ونوازع داخلية جسورة لتصحيح الأوضاع واستخدمنا القوة الضاغطة الشعبية تتحرك هنا وهناك في احتجاجات وتعبيرات الرفض لنهج التجريع والتجويع ومارسنا أقصى درجات الازعاج للقائمين على إدارة الدولة ، وكنا في فترة من الفترات ننجح في جرهم إلى الاستجابة لمطالب الشعب ولو في الحد الأدنى منها  ، كنا شركاء معا في الغضب قادة سياسيين وعسكريين وقوى وطنية مدنية وجماهير شعبية ، لم نكن لنقبل بإجراء لايتوافق مع إرادة الشعب ، فالثورة الوهاجة والغضب الشعبي لايتحكم به أحد فيتحرك ذاتيا للذود عن مصالحه فيخرج  أصحاب المطالب إلى الساحات بمسيرات الغضب الرافضة لسياسات التجريع والتجويع .

اليوم بدأ الوضع متغيرا نوعا ما وكأن السياسات متحولة عكسيا ضد الشعب فالقوة الضاغطة لم تعد شعبية إذ تحولت حكومية ، فهي التي تثور ضد الشعب وتمرر كل إجراءاتها التعسفية بحقه تحت مبررات تتطلب من الشعب الامتثال إليها والرضوخ لما فيها راغبا غير مكره عبر انتهاج اسلوب التكيف الضفدعي الذي حقق نجاحا غير متوقع ولم يكن في الحسبان ، فالضفدع وكما هو معروف ، لديه قدرة على التكيف مع الجانب السلبي والقبول به ماقد يؤدي إلى هلاكه ، أننا اليوم وبعد قرابة العشر السنوات من الحرب ازدادت معاناتنا وكثرت التحديات التي نواجهها وانتشرت العوائق لنهضتنا وتحسين أوضاعنا ، حواجز نجدها في كل مكان ، أحاطت بنا المدلهمات من كل جانب وبسبب الانهاك والضعف العام الذي وصلت إليه كل القوى الوطنية المدنية منها والعسكرية لجأنا جميعا إلى اسلوب التكيف الضفدعي للتخفيف من حالة الاكتئاب التي أصبنا بها إذ لم نعد قادرين على الصراخ ولا المشي في مسيرات الغضب الرافضة للتجويع والتجريع فتحولت القوة الضاغطة منا علينا وصرنا في وضع هو الاسوأ في تاريخنا الحياتي والمعيشي تتدهور حياتنا ونفقد في كل يوم حاجة من الاحتياجات المعيشية للإنسان في أي مكان من العالم ، وصرنا نتمسك بالآخرى خوفا من فقدها بعد خسارة الاولى فتدهورت معيشتنا أكثر واكثر وقلة عزيمتنا عما كانت عليه في السابق ويعود السبب في ذلك إلى انتهاجنا لأسلوب التكيف الضفدعي الذي جعلنا نحتمل أكثر من طاقتنا وتكيفنا على ذلك بمخفضات الضفادع حتى انهارت قوانا فلم نعد قادرين على فعل شئ فخسرنا في أشهر مالم نخسره في سنوات وفقدنا اي معوضات تزودنا بالطاقة لمواصلة المشوار مايعني أننا لو استمر الأمر بنا على هذه الحالة نخشى أن نعجز عن القفز من القدر لإنقاذ أنفسنا إذا شعرنا بالخطر فنسقط في القدر المغلي فنخمد أجسادنا ليأكلنا من ينتظر معاناتنا حتى تنضج.