آخر تحديث :الأحد - 24 نوفمبر 2024 - 05:41 م

قضايا


الاعلام ووسائل التواصل وأثرهما على الحكم القضائي

الأحد - 30 يوليه 2023 - 11:26 م بتوقيت عدن

الاعلام ووسائل التواصل وأثرهما على الحكم القضائي

صالح عبدالله المرفدي / قاض محكمة نقض

"دراسه تحليلية"

#تمهيد:
مما لا شك فيه، أن الاعلام بجميع انواعه، اصبح من أهم وسائل تشكيل الرأي العام، وله التأثير المباشر في تحديد اتجاهات الشعوب، وتوجيه حركتهم على كل المستويات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، بل حتى في القضايا العدلية والقانونية ايضاً، فضلاً عن مساهمة الصحافيون وناشطو حقوق الانسان الفعالة، في تكوين احلام وتطلعات الافراد والجماعات، وبالذات في قضايا المحاكم الجنائية.

- وحريًا بنا التطرق لبعض القضايا، كان فيها للاعلام و وسائل التواصل الاجتماعي، دور في النشر والتأثير عليها، وهي قضايا عديدة نظرتها المحاكم اليمنية، إبتداءً بقضية مقتل "الاغبري" بصنعاء، ثم قضية مقتل ثلاث فتيات قُصّر من بنات "النعامي"، ومرورًا بقضية مقتل "الفتاة" التي رمت بنفسها من على باص صغير في م/ إب، وانتهاءً بقضية اغتصاب ومقتل القاصره في مدينة التواهي بعدن… هذا النوع من القضايا المطروحه امام المحاكم، دائماً ما تثير تساؤل يفرض نفسه، هو: هل كان للاعلام دورًا سلبيا أم ايجابيا، على القاضي الناظر لمثل هذه القضايا؟؟!!

- ولقد وجدت من الأهمية، الاجابة على هذا التساؤل، ليس تعليقاً على الاحكام الصادرة من قبل قضاتنا الافاضل، فهم مصدر ثقة وامانة وعدالة، بل من خلال التطرق لدراسة موجزة، عن مدى تأثير الاعلام على اصدار الحكم القضائي الجنائي، في قضايا الرأي العام بالتحديد، وسأحاول تناول هذة الدراسة بايجاز شديد في خمسة محاور: نتحدث في الأول عن مفهوم النشر ومدلول قضايا الرأي العام، ونتطرق في المحور الثاني لمبررات المذهب المؤيد للنشر، ونعرج في الثالث لمبررات المذهب المعارض للنشر، ونستعرض في المحور الرابع موقف القوانين الوضعيه، ونخصص الخامس والاخير، لابداء رأينا وتوصياتنا لهذة الدراسة المتواضعة.

#المحور الاول: النشر وقضايا الرأي العام
١- مفهوم النشر
النشر: "هو عملية إنتاج ونشر المعلومات بأشكال مختلفة، ويشير المصطلح كذلك، إلى توزيع الأعمال المطبوعة، مثل الكتب، والصحف والمجلات.. ومع ظهور التكنولوجيا الرقمية، ونظم المعلومات والإنترنت في نطاق النشر، توسعت لتشمل الموارد الإلكترونية، مثل النسخ الإلكترونية من الكتب، والدوريات، والمواقع الإلكترونية.

- ولا مناص من القول، بأن تناول قضايا المحاكم الجنائية في اليمن، أصبح بدون ضوابط وقيود، فدائماً ما نقرأ في الصحف المطبوعه والمواقع الالكترونية التابعة لها، تغطية خبرية إعلامية لقضايا منظورة أمام المحاكم، تدخل فيها عناصر الإثارة الإعلامية المطلوبة؛ لتحويلها لمادة مستهلكة إعلامياً، بل وصل الأمر الى المنتديات، وشبكات التواصل الاجتماعية، كالفيس والوتس والتويتر..

- وغني عن البيان، أن معظم الذين يتعرضون لتأثير تلك الوسائل، يكوّنون رأياً عاماً، سواء ضد مرتكب الجريمة أو بالتعاطف معه، ويصل الامر أحيانًا، للبحث عن شخص يدفع ثمن الجريمة، وتعمد بعض وسائل التواصل والصحافة احياناً، الى إثارة العواطف المضللة، وكل هذا ينال من استقلال القاضي في حكمه. وفي هذا الاطار، أجري استطلاع لشريحة "المحامون"، وكانت الحصيلة أن اكثر من نصفهم يعطون معلومات لوسائل الإعلام؛ بهدف أن يؤثر الإعلام على قضاياهم، عبر نشر معلومات خاطئه عنها.

٢- مدلول قضايا الرأي العام:
يقصد بالرأي العام: "شعور يسود جماعة معينة، يشعر افرادها بأنه يربطهم معاً". ومن نافلة القول، أن التعذر بمصطلح قضايا الرأي العام، أصبح شماعة (أحيانًا ) لاصدار احكام غير عادلة، فالرأي العام دائمًا ماينجرف في طرح رأيه على القضايا المعروضة للقضاء، على عاملي العاطفة والمشاعر دون غيرهما، بعكس نظر القاضي لملف القضية، الذي يجب أن يكون منجرفًا نحو العقل، المتمثل بتطبيق احكام الشرع والقانون؛ وتحقيقا لقواعد العدالة الاجرائية والموضوعية. اذّ يباشر هذا الرأي العام، تأثيراً على القاضي، فيفقد كل أو بعض استقلاله حين يصدر حكمه، فيجد نفسه مُحرجاً في الحكم، بما يخالف ما هيأت له الصحف ومواقع التواصل للرأي العام، فيأتي هذا الحكم غير معبر عن كلمة الحق، وانما لارضاء الرأي العام فقط، إما بالحق أو بالباطل.

- وتأسيسًا على ما تقدم، يثور التساؤل، حول استقلالية القضاء من جهه، وحرية الإعلام في نقل المعلومات للجمهور من جهة أخرى، فهل هما حقان متعارضان؟! وما هو المسموح والممنوع لرجال الاعلام من نقله عن اخبار المحاكمات؟ وعلى ماذا يرتكزان المذهب المؤيد والمعارض لنشر قضايا المحاكم؟ وهذا ما سنجيب عليه في المحورين الثاني والثالث من هذة الدراسة.

#المحور الثاني: المذهب المؤيد للنشر:
كما اسلفنا، أنقسم الخلاف بين مذهبين: مذهب "مؤيد" لحرية الاعلام، بحيث يغلب على استقلال القضاء، ومذهب "معارض"، بحيث يؤيد مصلحة استقلال القضاء على حرية الاعلام. ولقد اورد اصحاب المذهب المؤيد، الى أن حرية الاعلام مقدم على استقلال القضاء، ولهم عدة مبررات، اهمها:
١- إن وسائل الإعلام و وسائل التواصل الاجتماعي، لها دورها الهام في حفظ حق المواطن، في أن يعلم، ويكون قادراً على النفاذ الى الحقائق الكاملة المتعلقة بالعمل العام، وأن هذا الدور يمتد ليشمل القضاء، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الجنائية.
٢- من الواجب على الإعلاميين وناشطي حقوق الانسان، بيان ما جاء في الأحكام القضائية، وإيضاح الإجراءات بما ينفي اللبس بشأنها، على النحو الذي يحدث حاليا في الشارع اليمني.
٣- من المتفق عليه، أن عمل الاعلاميين وناشطو حقوق الانسان يحتم عليهما، تزويد الرأي العام بكل ما يحدث في المجتمع والتعليق عليه، بما في ذلك طبيعة العمل القضائي؛ لاشباع حق المعرفة لدى المواطن؛ وتطبيقا للاعتقاد السائد: "بأن العدل مرهون أيضاً بحرية الاعلام، وحماية حقوق الانسان"؛ وذلك من خلال التغطية المباشرة، لبؤر الفساد في المجتمع.
٤- لايمكن الاحتجاج بأن تصوير واذاعة الجلسات، والتعليق على الاحكام النهائية، يؤثر على الثقة في القضاء، فالأحكام بمجرد صدورها على نحو نهائي، تصبح ملكاً للقضاء العام، ويجوز، بل يجب على أساس ذلك، من أهل الرأي والخبرة والاختصاص، تناولها بالدراسة والتمحيص والتدقيق، لتدعيم الثقة في القضاء باحكامه، بحيث يستشعر الرأي العام، أن لا شيء يحاك في الظلام، وأن الحكم هو عنوان الحقيقة.
٥- إن ثقة الرأي العام في القضاء والقضاة، تتعزز بالشفافية والعلانية، وتتحصن بذيوع المعلومات وانتشارها، وتتأثر سلباً بالتكتم والسرية والحيطة، لذلك، كان لزاماً على وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، التناول الموضوعي والمسئول، كما يدور في قاعات المحاكم، والتعليق على الاحكام حال صدورها؛ ليس ليتمم عمل القضاء، ويحقق علانية الاحكام فحسب، وإنما تماشياً مع واقع جديد، لم تعدّ معه السرية مُمكنة.

#المحور الثالث: المذهب المعارض للنشر:
اورد اصحاب هذا المذهب عدة مبررات، ترتكز على أن استقلال القضاء، مقدم على حرية الاعلام، واهمها:
١- ينبغي ضمان عدم توجيه الرأي العام، تجاه الاحكام قبل أن تصدر، من خلال التغطيات غير المتوازنة؛ لأن الناس تكوّن وجهات نظر؛ حين تستمع الى دفاعات واسانيد طرف دون الطرف الأخر، ومن ثم، يعتقدون أن الاحكام قد جانبها الصواب، وان على الصحفيين وناشطي حقوق الانسان، لكي تضمن الحيادية، أن تنقل كل المطروح في المحكمة، فلا تبرىء متهماً يفترض فيه الادانة، ولا تدين متهماً أخر يفترض فيه البراءة، قبل أن يصدر الحكم من المحكمة.
٢- إن تصوير وبث وتسجيل وقائع المحاكمة بالكاميرات التلفزيونية، يحوّل جلسة المحاكمة الى "مسرحية!"، يقوم بأدوار التمثيل فيها، الشهود والمحامون والمتهمون، وقد تؤثر على القاضي نفسه، وأن المنع لا يتعلق بحقوق المتهم والمجني عليه، بل بإجراءات سير العدالة، وبذلك، فإنها تغيير المحاكمة الى ما يشبه المسرح، على الرغم من أن هذا المكان، له قدسيته ويعدّ محراباً للعدالة.
٣- إن الكثير من الصحفيين، وناشطي حقوق الانسان، لا يلتزمون بالأصول المهنية والاخلاقية، في تغطية ومتابعة القضايا المنظورة امام القضاء، اذّ يسقط من اهتمامهم الحد الفاصل، بين الابعاد المهنية التي ترتبط بدور القاضي، وبين الابعاد السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية للقضايا.
٤- إن بعض الاعلاميين أو الصحفيين، وناشطو حقوق الانسان، يسعون الى جذب انظار اكبر عدد من جمهور القراء أو المشاهدين، ويعتمدون على معلوماتهم الشخصية، بخلاف القاضي الذي يمتنع عليه الحكم بناء على هذه المعلومات، بل يتعين عليه التقيد بما جاء في اوراق الدعوى، بعد اتاحة مناقشتها امام الخصوم في مرافعة شفوية.
٥- إن تدخل الاعلام و وسائل التواصل الاجتماعي، في قضايا المحاكم الجنائية، دائماً ما تكون ضحيته العدالة والوعي الجمعي، خصوصاً عندما يشكك الاعلام في نزاهة القضاء بدون دليل! فإذا كانت إثارة العواطف واستخدام المانشتات اللافتة للنظر، هي أفضل وسيلة لجذب إهتمام القراء أو المشاهدين، فان ذلك ليس هو الشأن في المحاكمات الجنائية، التي تعتمد على الاوراق المعروضه امام القاضي وسلامة تطبيقة للقانون، دون التأثر بوسائل التواصل أو بالاعلام.

#المحور الرابع: موقف القوانين الوضعيه:
١- قواعد التقرير الاعلامي والحقوقي:
لقد بينت معظم التشريعات العربية "والتشريع اليمني"، موقفها من نشر وتناول قضايا المحاكم، من خلال النص على بعض القواعد والمبادئ والخطوط العامه، التي لا يجب الخروج عنها، عند تناول قضايا المحاكم، وبالاخص القضايا الجنائية، ويمكن أن نوجز هذة القواعد بالآتي:

أ- أن يكون التقرير الاعلامي أو الحقوقي حقيقي:
بحيث يكون مشتملاً على الوقائع والمرافعات التي تمت في المحاكمة، دون مناصرة رأي على آخر، فالواجب أن يتضمن الملخص الصحفي، نشراً لصحيفة ادعاء النيابة، وادلتها على المتهم، واقوال الشهود، وادلة الإثبات، ومرافعاتها، وبنفس القدر، يجب أن يتضمن التقرير الصحفي، مرافعات دفاع المتهم، وادلته، وطلباته، وهل تم الاستجابة لها؟ مع ذكر المبررات في حال رفضها.
ب- يجب أن يكون المُلخص الصحفي أو الحقوقي وافيًا:
بمعنى أن ينقل الصحفي، المضمون الحقيقي للمناقشات والمرافعات التي تمت في الجلسة، وهذا مقصور على إجراءات المحاكمة، ولا يمتد الى التحقيقات الاولية والادارية؛ لأنها ليست علانية، وأن من ينشر ذلك، يتعرض للمسؤولية الجنائية، وعليه، فإن الملخص المنشور يجب أن يكون وافيًا ولو كان جزئيا، والعبرة في التوافق، بين ما ينشره الصحفي، وأحكام القانون التي تنظم كيفية ممارسة هذا الحق، بحيث تقرر المسؤولية الجنائية للصحفي، متى ما كان نشره للخبر يتنافى مع احكام القانون؛ مما يسبب ضررا للاخرين أو للمصلحة العامة.
ج- يجب أن تتوافر حسن النية لدى الصحفي والحقوقي:
فإن نشر الملخص الصحفي، يجب أن يكون بحسن نية وليس بسوء نية، ويستدل على هذا، حينما يورد الصحفي عبارات لا وجود لها في المناقشات التي تمت بالجلسة، وازاء ذلك، يجب عليه عدم الاساءه للمتهم بأي حال من الاحوال، من خلال نشر ألاسماء أو الصور المحكوم عليهم أو المتهمين الأحداث، حتى يتمكنوا من العودة الى المجتمع.
د- فيما يتعلق بالتقاط الصور الفوتوغرافية:
سواءً للمتهمين، أو هيئة المحكمة، أو الشهود، أو السماح للتلفزيون بتصوير مشاهد من الجلسة، أو إذاعة التسجيلات للمحاكمة، فإن مشكلة ذلك، تكمن فيما اذا كانت هذه الاجراءات تتفق مع مبدأ العلانية من عدمه، حيث تحظر القوانين، استعمال أي جهاز تسجيل، أو نقل ما يدور داخل قاعة المحاكمة، أو التقاط صور فوتوغرافية من داخل قاعة المحاكمة عند افتتاح الجلسة، ومع ذلك، فإن لرئيس المحكمة، أن يسمح بالتقاط الصور، قبل بدء المناقشات، وتشترط بعض القوانين، موافقة الخصوم أو ممثليهم، أو النيابة العامة. وفي كل الاحوال، يجب أن لا تسبب هذه الاجهزة إزعاجًا للعدالة، وتعكير صفو الهدوء، أو اعطاء صفة سيئة أو دعاية للمجرمين.

٢- جرائم النشر القضائي:
تماشيًا مع ما تم ذكره سابقًا، يمكن أن نحدد معالم لجرائم النشر القضائي، وبأي وسيلة كانت اعلامية أو تواصل اجتماعي، والمذكورة في اغلب القوانين وهي، على النحو الاتي:
أ- من نشر أمورًا من شأنها التأثير في القضاء، الذين يناط به الفصل في دعوى مطروحة أمامه، أو التاثير على الشهود، أو التاثير في الرأي العام، لمصلحة طرف في الدعوى أو التحقيق أو ضده.
ب- من اخلّ بمقام قاض أو هيبته أو سلطته، ومن أهان المحاكم بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
ج- من ينشر ما جرى في الدعاوي المدنية أو الجنائية، التي قررت المحاكم سماعها في جلسة سرية.
د- من ينشر ما جرى في المداولات السرية بالمحاكم، أو ينشر بغير امانة ما جرى في الجلسات العلنية للمحاكم.

#المحور الخامس: الخاتمة والتوصيات:
استخلاصًا لما سبق، فإن تدخل الاعلاميين والصحفيين، وناشطي حقوق الانسان في بعض القضايا الجنائية، يؤثر في مكافحة الجريمة، وضبط الجناة، وتعطيل العدالة، وهو ما يتطلب، أن يكون كاتب التقرير أو المنشور أو التعليق أميناً في عرضه، ولو كان من وجهة النظر الشخصية لصاحبه، وان يكون حريصاً وحسن النية في بيان مضمون الحكم واسانيده، دون مسخ أو تشويه.

- وفي الاجمال، فإننا نوصي بالاتي:
١- ندعو وسائل الاعلام، وناشطي حقوق الانسان، والجمهور بصفة عامة، متابعة القضايا وما يجري بشأنها؛ اعمالاً بحق المعرفة والشفافية، ولكن دون التدخل السافر في سير المحاكمات، بحيث يصل الأمر الى وزن ادلة الادانة والبراءة فيها.

٢- نؤكّد للاعلاميين وناشطي حقوق الانسان، بأن قضايا الرأي العام ومسمياتها، تختلف من وقت لآخر، فكلما زاد حولها الجدل، يحدث نوع من التشويش لعقيدة القاضي، وذلك بسبب مصادر المعلومات غير الواضحة والمختلفة حول القضية، فالقاضي يستقي معلوماته من خلال الأوراق، لا من خلال كتابات وسائل التواصل أو الصحافة!

٣- نهيب بوسائل الإعلام، ومرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، بعدم الانجراف حول قضية معينة، فقد تسير تلك الوسائل عكس اتجاه القاضي، من خلال أوراق الدعوى والمستندات المعروضه امامه، وتحدث في كثير من الأحيان، بلبلة على المستوى المجتمعي، وتشكّل فكر الشارع أو المجتمع؛ نتيجة تبني الإعلام لها، بل وتؤثر على الوقائع نفسها، ويجعل الأفراد يتبنون فكرة معينة، قد تكون ناقصة، وهذا له تأثير خطير على المجتمع.

٤- نحرص ونشدد على بقاء العلاقة بين الاعلام وناشطي حقوق الانسان من جهة، وبين القضاء من جهة أخرى، على أن تكون هذة العلاقة تكاملية، فمن خلالها يستطيع الاعلامي وناشط حقوق الانسان، نشر معلومات محايدة تتعلق بنشاط المحاكم، فتسهم في شفافية اداءها، دون التاثير في مجرياته، وهو ما يدعو الى ضرورة توفير ما يسمى (بالاعلام القضائي)، الذي يجب أن يتسم بالمعرفة الواسعة بالمعلومات القانونية والقضائية.

٥- نقترح وجود مستشار قانوني متخصص في قضايا النشر في كل مؤسسة اعلامية، وفي كل منظمة حقوقية بجميع انواعها، تعرض عليه المواد المتعلقة بالاعمال القضائية بصفة خاصة قبل نشرها؛ لمراجعتها؛ وتجنباً لمخالفة القانون، أو تعرّض الاعلامي للمساءلة القانونية.

٦- نوصي نادي القضاة، ونقابة الاعلاميين والصحفيين، الى تشكيل لجنة من القضاة والاعلاميين، وناشطي حقوق الانسان، تكون مهمتها وضع "مدونة للمعايير المهنية والسلوكية"، في معالجات الاعلام ومنظمات حقوق الانسان لشؤون المحاكم والقضاء.

- ولا يفوتنا أن ننوه في نهاية هذة الدراسة المتواضعة الموجزة، على أن العلاقة بين القضاء من جهة، والإعلام ومنظمات حقوق الانسان من جهة اخرى، هي علاقة تكاملية وأن كلا منهما سلطة مستقلة، ويعتمد كل منهما على ضمانات دستورية، حيث أن الإعلام يعتمد على حرية التعبير التي كفلها الدستور، والقضاء يمارس مهامه في إطار من الضمانات الدستورية، ومنها استقلال القضاء في إحكامه وقراراته. ومن هذا المنطلق، فنحن بحاجة إلى ضبط العلاقة بين الإعلام والقضاء، وذلك في حدود عدم الوقوع في دائرة التشكيك في موضوعية القضاء أو هيبة القضاة، ودون الاشتغال بتوجيه الرأي العام لخدمة أغراض غير مشروعة أو مسيسة!!
هذا تصوري واجتهادي، والله أعلم بالصواب.

صالح عبدالله المرفدي
قاض محكمة نقض
دكتوراه القانون الجنائي
جامعة عين شمس