آخر تحديث :الأربعاء - 06 نوفمبر 2024 - 11:28 ص

اخبار وتقارير

عدن تايم تنشر أوراق الندوة العلمية للمركز الاعلامي للقوات المسلحة الجنوبية
ثورة 14 أكتوبر ..مولود شرعي لثورات وانتفاضات الجنوب وليـس لانقـــــلاب سبتمبـــر

الجمعة - 27 أكتوبر 2023 - 09:31 م بتوقيت عدن

ثورة 14 أكتوبر ..مولود شرعي لثورات وانتفاضات الجنوب وليـس لانقـــــلاب سبتمبـــر

العاصمة عــدن – أكتوبر 2023م

 كـتـبها /  نـصر مبارك باغـريب
 الأمين العام المساعد لنقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين
 
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾

سورة المجادلة آية 14
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
ورقة مقدمة إلى الندوة الندوة العلمية التي نظمها المركز الاعلامي للقوات المسلحة الجنوبية بالهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي المنعقدة الخميس بمناسبة العيد 60 لثورة 14 أكتوبر المجيدة تحت عنوان” ثورة ١٤ أكتوبر.. مقومات الانطلاق وضمانات الانتصار – الدروس والعبر” بعنوان :
مولود شرعي لثورات وانتفاضات الجنوب وليـس لانقـــــلاب سبتمبـــر.

المحتويات
 
الفصل الأول: ثورة 14 أكتوبر وأكذوبة الأبوة ................................. (صفحة 4)
الفصل الثاني: إرهاصات وإرث الثورة في الجنوب ........................... (صفحة 9)
الفصل الثالث: اندلاع ثورة 14 أكتوبر وإرهاصاتها .......................... (صفحة 14)
الفصل الرابع: الدور المصري في انقلاب سبتمبر الطارئ ................... (صفحة 19)
الاستخلاصات والتوصيات ...................................................... (صفحة 32)
 
 
 
 
الفصل الأول
 
ثورة 14 أكتوبر وأكذوبة الأبوة
 
ثورة 14 أكتوبر 1963م، هي امتداد طبيعي لنضج ثوري مجتمعي شامل كلل مسيرة نضالات شعب الجنوب العربي من باب المندب شرقًا إلى المهرة غربًا، وثوراته وانتفاضاته المتتالية التي لم تستكين ولم تتوقف منذ أن وطأة سفن قوات الاحتلال البريطاني سواحل مدينة عدن في الـ19يناير1839م، وخروجها من سواحل المدينة ذاتها في 30 نوفمبر1967م.
ويكشف التاريخ بوضوح حقيقة ثورة أكتوبر التي استندت لإرث نضالي جماهيري واسع، وماضي كفاحي طويل ومرير أستمر لأكثر من 129 عامًا من الرفض للوجود الاستعماري البريطاني، أتسم بالرفض الشعبي التي عبرت عنه الانتفاضات والاحتجاجات والتضحيات الجسيمة والمتتالية في مواجهة الاحتلال البريطاني.
فهذه الثورة الأكتوبرية الظافرة هي دون شك وليدة شرعية لمسيرة تلكم الثورات والانتفاضات والعنفوان الاجتماعي المتمرد لأبناء الجنوب ضد الاحتلال على امتداد الخارطة الجنوبية، وليس لها صلة حقيقية فارقة بانقلاب سبتمبر 1962م الصنعائية اليمنية، فما حدث في 26 سبتمبر1962م بالمملكة المتوكلية اليمنية، هو انقلاب عسكري مكتمل الاركان، وليس ثورة كما تدعي نخب السلطة في الجمهورية العربية اليمنية كذبًا أو كما يطلقون عليها هذه التسمية زورًا، ان تحرك دبابات الجيش والسيطرة على مواقع القرار والسيطرة بصنعاء دون توفر ظروف الثورة وممهداتها والوعي الشعبي بها ومطالبته بالتغيير، فتحرك الجيش المفاجئ وسيطرته على السلطة بدعم وتوجيه خارجي (مصري) هي حركة انقلابية عسكرية ضد الحكم، ولا يوجد مسمى لها غير ذلك، رغم ان هذا الانقلاب أسهم بتخليص اليمن من حكم كهنوتي متخلف وسلالي مقيت.
ان انقلاب سبتمبر 1962م، ضد حكم الملك محمد البدر أحمد يحي حميد الدين المتوكل ملك المملكة المتوكلية الهاشمية ("المملكة المتوكلية اليمنية لاحقًا" 1918م – 1962م)، هو حدث إيجابي جرى في دولة لها هويتها وكيانها السياسي والثقافي والاجتماعي الخاص بها، وهي دولة جارة للجنوب العربي، ولكنه حدث متصل بتاريخ المملكة المتوكلية وتطورات الاحداث السياسية فيها والصراع الإقليمي والدور المصري الأساسي لها، منذ تأسيس خلية الانقلاب على حكم الأسرة الإمامية عندما اضطلع المدربين العسكريين المصريين داخل الكلية الحربية بصنعاء على تشكيل هذه الخلية سرًا من الضباط اليمنيين المتخرجين من الكلية بقيادة علي عبدالمغني وزملاءه، وماجري عقب ذلك من تدفق سفن القوات المصرية إلى ميناء الحديدة اليمني وإلى عاصمة الجهورية العربية اليمنية صنعاء لحماية السلطة الجديدة لانقلاب سبتمبر من الانهيار (...).، غير ان تضحيات المصريين ومحاولاتهم في اشعال ثورة فكرية مدنية وتغيير اجتماعي حضاري نحو المدنية في الجمهورية التي سعوا لخلقها باليمن، ذهبت إدراج الرياح وفشلت منذ مفاعيلها الأولى على أرض الواقع عن تحقيق الأهداف التي أعلنها قائدها الفعلي الضابط علي عبدالمغني وزملاءه، وهي الأهداف المستنسخة من أهداف ثورة 23 يوليو1952م المصرية، كون العقلية اليمنية الجمعية تتناقض مع سمات الحضارة المدنية وطموحها.
ولا يمكن أبدًا أن ننفي ان قيام الثورة الناصرية في مصر كان لها الأثر الكبير في نجاح ثورة 14 أكتوبر الجنوبية واستمراريتها (1963م – 1967م)، بينما كان نصيب الثورات والانتفاضات السابقة التي اندلعت في مدن ومشيخات وسلطنات وإمارات الجنوب العربي المختلفة منذ بدايات الاحتلال وحتى زواله في الربع الأخير من ستينيات القرن العشرين الماضي، التعثر والتوقف.
قدمت الثورة الناصرية المصرية الدعم المالي والعسكري والسياسي لثورة 14 أكتوبر، وشرعت أبوابها بعد النصف الثاني من الخمسينيات من القرن الماضي للسياسيين والثوار والمناضلين الجنوبيين لعرض قضيتهم التحررية تجاه الاحتلال البريطاني، ودربت المئات من المناضلين الجنوبيين منذ نهاية الخمسينيات وحتى الستينيات من القرن العشرين في القاهرة والمدن المصرية الأخرى على الاعمال السياسية والعسكري...، ولم تتوقف المساندة المصرية عند ذلك، فقد فتحت القوات والمخابرات المصرية في منطقة تعز بالدولة المجاورة للجنوب العربي، معسكرًا خاصًا بإدارة وإشراف مصري كامل لتدريب الثوار الجنوبيين، ومدهم بالسلاح، وجعله همزة وصل بين الثوار الجنوبيين وعاصمة القرار والقومية العربية "القاهرة"، دون ان يكون للسلطة الجديدة في صنعاء دور يذكر خاصة وان المصريين هم من كان يدير الأمور الرئيسية فيها أنذاك، فالمصر دورًا كبيرًا في دعم ثورة 14 أكتوبر الجنوبية، إلا ان الدور الأكبر والأهم لثورة أكتوبر هو استنادها لإرث نضالي وتاريخي موغل في القدم ولحاضنة شعبية جارفة، هي من فجرت هذه الثورة الجنوبية الأخيرة، كما فجرت ورعت قبلها الثورات والانتفاضات التي سبقتها وقدمت التضحيات والأثمان الباهظة من آجلها واستعار عنفوانها.
ان ادعاء بعض الكُتاب ان ثورة أو انقلاب 26 سبتمبر1962م هو أب ثورة 14 أكتوبر في الجنوب وإن سبتمبر هي الثورة الأصل وأكتوبر الفرع، يهدف إلى تكريس أكذوبة تخالف حقائق التاريخ، تم ترديدها على مدى ستة عقود من الزمن، ومغالطة تتسق مع النهج السياسي المتوهم بيوتوبيا تطويع المفاهيم لخدمة الأيديولوجية الطوباوية القافزة على حقائق الواقع والهوية والتاريخ والجغرافية، وأدت إلى فرض اعتقاد أباح لهوية وكيان آخر من استباحة هوية وكيان مغاير له جراء اعتساف سياسي وتاريخي مأزوم وانتهازي طامع.   
كيف لثورة 14 أكتوبر التي تعد سليلة أصيلة لتاريخ نضالات شعب الجنوب ولها بُعد زمني غائر في القدم ان تكون ابنة لانقلاب سبتمبر الذي بدأ قبل حوالي عام واحد فقط من الإعلان الرسمي لها (26 سبتمبر 1962م)، ان إعلان يوم 14 أكتوبر في 1963م كتاريخ إشهار سياسي رسمي للثورة الجنوبية الجديدة لا يعني أبدًا ان ثورة الجنوب بدأت في هذا التوقيت الزمني، فتوثيق ثورة 14 أكتوبر بهذا اليوم هو تاريخ سياسي إشهاري لإعلان الثورة الجنوبية من جبال ردفان الشماء، وليس تاريخ بدايتها الفعلية ونشاطها التحرري على الأرض، الذي يرجع لسنوات فارطة سبقت هذا الإعلان الذي صدح بتاريخه عبر الأثير صوت الإعلامي الشهير أحمد السعيد من راديو "صوت العرب" في يوم 14 أكتوبر1963م، فكيف لانقلاب مستجد ومعتمد في بقاءه على غيره (الرعاية المصرية) ان يكون أب لثورة ونضال كان موجودًا بصيرورته وأقدم منه بكثير!.
ان شروط الأبوة لانقلاب وسلطة سبتمبر اليمنية لــ ثورة 14 أكتوبر بالجنوب العربي مفقودة تمامًا وتسقط مغالطات أدعياء هذه الأكذوبة التي طال أمدها، فالأبوة تعني المسئولية عن التكوين والإنشاء، وهي المسئولة عن الاحتضان، وهي المسئولة عن التنشئة والتأثير الفكري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري...إلخ، وهي المسئولة عن الحماية والدفاع عن الأبن، والأهم ان الأبوة هي حالة من الفعل الحمائي للابن، وحالة من القيم والرعاية والقوة المساندة له، وهي حالة عامة زخمها وقدراتها أكبر من الأبن بتاريخها ووجودها وامتداداتها...، وكل هذه الشروط وغيرها عن الأبوة، لم تكن موجودة البتة، ولم تتوفر لدى حكومة الضباط الصغار الذين نفذوا انقلاب سبتمبر1962م، الذين قفزوا إلى سلطة يذب الضعف في كل مفاصلها، وتعاني من هزال التأثير والفعل، وتعتمد ببقائها وتنفسها على قوة خارجية (مصر) أوجدتها وجاءت إلى عاصمتها (صنعاء) لحمايتها من الموت الزؤوام، بعد دخولها إلى غرفة الانعاش وهي معتلة بمرض العجز والضعف المزمن منذ يومها الأول 26 سبتمبر1962م، وفشلها باستمالة قوى النفوذ بمجتمعها المتخلف الذي لم يقبل التغيير (...)، وظل مناوئًا للحكام الجدد وخاض صراعًا طويلاً، أفضى إلى إفراغ الشعارات التي رفعها الانقلاب من مضمونها وبقاء نهج الحكم وثقافة المجتمع المتخلف، ولم يستطع انقلاب سبتمبر سوى تغيير مسمى المملكة المتوكلية اليمنية إلى مسمى الجمهورية العربية اليمنية بينما بقي جوهر الدولة العام كما هو دون أن يمسه التغيير، وبالعقليات والقيم والسلوكيات الفاسدة المتخلفة نفسها، التي لا تعتبر مؤسسات الدولة أداة لخدمة المواطنين وتحقيق الأمن والعدالة لهم وتطوير وتحسين مستوى معيشة الشعب، بل تعتبر هيئات الحكومة وخزنتها مالاً مشاعًا لنخب الحكم للاستحواذ عليه ونهبه، في حين استندت ثورة 14 أكتوبر، لسجل نضالي جماهيري طويل، ورؤية تحررية حضارية وثقافية وقيمية راقية.
لماذا علينا ان نطلق مسمى أو مصطلح "انقلاب 26 سبتمبر 1962م"، وليس ثورة كما يعتقد البعض، أو يقال ويُكتب عند البعض الأخر، أو يتداول لدى كُتاب الجمهورية العربية اليمنية ومن شايعهم، الذين يكرسون هذه هذا المسمى الخاطئ، والتزوير والمغالطات بالمفاهيم ومدلولها منذ عقود عديدة.
وحسب فقهاء السياسة والقانون فان الانقلاب يختلف عن الثورة كون ان الأطراف المشاركة بالانقلابات عادة ما تتم من قبل مجموعات صغيرة داخل الجيش أو الحكومة، على الجانب الآخر فان الثورات عادة ما تشمل المشاركة الجماعية للمواطنين، فالثورة هي تغيير أساسي وجذري في البنية السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية للمجتمع، وعادة ما تحدث نتيجة للاحتجاجات الجماهيرية أو الثورات أو التمردات ضد حكومة أو نظام قائم، أدت ممارسته وسلوك حكمه السيئ والفاسد الى رفض شعبي واسع له وخروجهم عليه.
ومن ناحية أخرى، فإن الانقلاب هو محاولة مفاجئة وعنيفة في كثير من الأحيان من قبل مجموعة صغيرة من الناس للسيطرة على حكومة أو سلطة الحكم، وغالبًا ما يكون ذلك من خلال وسائل عسكرية وغير قانونية أو غير دستورية، وبينما يمكن أن تؤدي الثورة إلى تغيير النظام السياسي، لا يمكن ضمان أن الانقلاب سيكون برنامجه سياسيًا أو اجتماعيًا أو ثقافيًا أو اقتصاديًا معبر عن الحاجة والمطالب الوطنية.
والثورة هي حركة شعبية عفوية أو مخطط لها، تحاول تغيير النظام الحاكم أو النظام السياسي بشكل سلمي أو عنيف، وتتضمن تحرير الشعب من السيطرة لمكونات اجتماعية أو ثقافية أو قيميه متخلفة عليه، وتسعى لإنهاء أي شكل من أشكال الظلم والاستبداد، في حين أن الانقلاب هو استيلاء غير دستوري على السلطة الحاكمة عن طريق القوة المسلحة أو التحالف مع القوى العسكرية، وعادة ما يكون الانقلاب ينفذه مجموعة صغيرة من الأفراد أو الجيش.
بشكل عام، تقوم الثورات في إبعاد النظام الحكومي الحالي وتأسيس نظام جديد يتبنى مضامين الثورة وهدفها، ويتم ذلك بعد عملية ديمقراطية وشفافة تحترم إرادة الشعب، وهي تمثل انتفاضة الشعب ضد الحكومة أو السلطة الحاكمة وتلبية لمطالب الشعب.
ومفهوم الثورة أوسع وأشمل من مفهوم الانقلاب، وأثرها أقوى ومحتواها أعمق ومدلولها أكبر، ونجاح الثورة يؤدي غالبًا الى القضاء على منهج الحكم السابق وثقافته التسلطية أو المتخلفة، والعمل على صياغة دستور جديد يلائم الفكر والثقافة والأوضاع الجديدة ويحاكي طموحات الشعب وتطلعاته ويلبي مطالبه، وأجراء تغييرات نحو التوجه الديمقراطي والمدني، وإلى احلال فكرة قانونية أو اجتماعية أو ثقافية وقيميه جديدة أي الى أحلال نظام جديد محل النظام القديم المتخلف، في حين ان انقلاب 26 سبتمبر 1962م، جرى بقيام مجموعة صغيرة من الجيش اليمني، أيضًا فان الهدف من الثورة هو إحداث تغييرات جذرية في النظام السياسي والاجتماعي، بينما الهدف من الانقلاب غالبا ما يكون السيطرة على الحكم، وهذا ما بينته الأحداث في الجمهورية العربية اليمنية منذ بداية الانقلاب وحتى الان، وما جرى من صراعات متواصلة على السلطة، ولأجلها فقط.
أغلب الانقلابات يقوم بها العسكر أو الجيش أو خليط منهما معًا، وعادة بعد كل انقلاب يتم إعلان ما أصبح يعرف بالبيان رقم واحد عبر وسائل الإعلام الرسمية يعلن فيه الانقلابيون فيه الاستيلاء على السلطة وقد يشرحون فيه أسباب الانقلاب أيضًا، وهذا ما حدث تمامًا في انقلاب 26 سبتمبر، حيث تم الاستيلاء على إذاعة صنعاء بالدبابات والجنود المدججين بالسلاح وتم تلاوة البيان رقم واحد، المتضمن اعلان الاستيلاء على السلطة واسقاط حكم الامام محمد البدر، وشرح البيان أسباب الانقلاب التي سماها ثورة، وإطلاق أسم ثورة على الانقلاب هو أمر شائع ويعم جميع الانقلابات وبياناتها في كل العالم، وإطلاق مسمى ثورة على انقلاب سبتمبر، هو مغالطة لشرعنة الانقلاب، ولكنها لم تكن مغالطة بدعة فكل الانقلابات التي سبقتها في العالم كله أطلقت على نفسها ثورة !.
ويوضح فقهاء السياسة والقانون ان الثورات عادة ما تؤدي إلى تغييرات طويلة وأحيانا دائمة، بينما الانقلابات قد تؤدي إلى تغييرات سريعة، ولكنها قد تكون مؤقتة إذا تم الإطاحة بالحكومة الجديدة، وهذا الأمر جلي جدًا لقيادات 26 سبتمبر، فتغييراتها سريعة ومؤقتة ومتغيره، ولم تستقر سلطتها كون أساس منهجها انقلابي بجوهره، فقد تم الإطاحة بجميع رؤساء ما بعد انقلاب سبتمبر لأسباب استمرارية فكر الانقلاب لديهم، في ظل بقاء البيئة المتخلفة لبنيان ثقافة الحكم، وليس لعوامل أخرى كما حدث في بلدان أخرى، (أطيح بقائد انقلاب 26 سبتمبر جراء تدبير مؤامرة قتله بإرساله إلى مواجهات عسكرية خاسرة سلفًا بمحافظة مأرب اليمنية، وأطيح أيضًا بالرئيس اليمني الأول عبدالله يحي السلال (27 سبتمبر 1926م – 5 نوفمبر 1967م)، تم أطيح بالرئيس عبدالرحمن يحي الإرياني (5 نوفمبر 1967م – 13 يونيو 1974م)، تم أطيح بالرئيس إبراهيم محمد الحمدي 13 يونيو 1974م – 11 أكتوبر 1977م)، ثم اغتيل الرئيس أحمد حسين الغشمي بحادث غامض (11 أكتوبر 1977م – 24 يونيو 1978م)، ثم ازيح الرئيس المؤقت عبدالكريم عبدالله العرشي عن السلطة عنوة (24 يونيو 1978م ـ 18 يوليو 1978م)، ثم قتل أخر الرؤساء علي عبدالله صالح عفاش (18تولى السلطة من  يوليو 1978م – إلى فبراير 2012م) (قتل علي عبدالله صالح عفاش في ديسمبر 2017م)، على يد الانقلابيين الجدد السلاليين الذين يطلقون على أنفسهم "أنصار الله" الحوثيين المدعومين من نظام الملالي في إيران بزعامة عبدالملك بدر الدين الحوثي، الذين اجتاحوا العاصمة اليمنية صنعاء في العام 2014م، ناهيك عن الاطاحات المتتالية لمعظم رؤساء مجالس الوزراء "الحكومات" بأساليب وطريق مختلفة ولعل تفاصيل القصة العنصرية المناطقية للإطاحة برئيس الوزراء اليمني السابق أحمد محمد النعمان تعد ملمحًا بارزًا لجوهر وطبيعة انقلاب سبتمبر الذي حافظ على جذور التركيبة الطبقية ولمتخلفة للمجتمع اليمني).
ان الانقلابات عادة ما تكون عنيفة، حيث يستخدم الجيش أو القوات الأمنية القوة للسيطرة على الحكومة، بينما يمكن أن تكون الثورات أقل عنفًا وتعتمد أكثر على الاحتجاجات الشعبية والعصيان المدني، وفي انقلاب 26 سبتمبر استخدم الجيش العنف وقامت الدبابات بقصف دار البشائر بمدفعيتها، ونشبت على إثرها معارك دامية لم تهدأ حتى اتفاق تقاسم السلطة بين الجمهوريين والملكيين في عام 1970م.
وبما ان الثورة هي تغيير أساسي وجذري في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع، فهذا أمر لم يحدث عقب انقلاب 26 سبتمبر1962م، وبقيت الأسس البنيوية الثقافية والسياسة والاجتماعية في الجمهورية العربية اليمنية، مستمرة وباقية كما كانت عليه قبل 26 سبتمبر، وماحدث هو تغيير المسميات والاغلفة، وبقي الجوهر المتخلف وقيمه البالية كما هي دون تتغير في المملكة المتوكلية اليمنية، التي تغير أسمها وعلمها بعد سبتمبر1962م إلى الجمهورية العربية اليمنية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الفصل الثاني
 
إرهاصات وإرث الثورة في الجنوب
 
ان الاحتفاء بمرور 60 عامًا على اندلاع ثورة 14 أكتوبر في الجنوب (1963م – 2023م)، يتطلب الوقوف بموضوعية لتصحيح الكثير من المعلومات والمفاهيم المغلوطة التي علقت بهذه الثورة الجنوبية الكبرى التي تعرضت للتشويه والسطو لحقائق نشأتها وممهداتها الأولى وانطلاقتها، التي هي مولودة شرعية ونتاج طبيعي للثورات والانتفاضات والمسيرات والمظاهرات والتمردات المسلحة التي قام بها أبناء الجنوب من عدن ولحج وأبين والضالع وردفان وبيحان وشبوة وحضرموت إلى المهرة وسقطرى ضد الاحتلال البريطاني، وثورة أكتوبر هي امتداد ثوري ونضالي لتاريخ سياسي ونقابي وحزبي واجتماعي وثقافي طويل، للنقابات والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني التي ظهرت ونشأت في عدن وحضرموت وعدد من مناطق الجنوب العربي منذ وقت مبكر تشكل ملامحه في عقد الثلاثينيات والاربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، كما لم يكن قادة ثورة 14 أكتوبر طارئين على الثورة وزمانها، بل قدموا من خلفيات ثورية وسياسية سابقة، فقحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف، وغيرهم الكثير كانوا قياديين سابقين في حزب رابطة أبناء الجنوب العربي، ومنه انطلقوا إلى قيادة تنظيم الجبهة القومية، ومن ثم قيادة ثورة أكتوبر، وهو ما يدلل بوضوح أقدمية إرث وتسلسل المراحل النضالية للثورة التي بلغت أوجها بإعلان إشهار ثورة 14 أكتوبر في العام 1963م، في حين حدث انقلاب سبتمبر بكل طارئ دون مقدمات نضالية لشخوصه وأهدافه.
بسبب انتظار ثوار أكتوبر لاستكمال الترتيبات والمقومات السياسية والعسكرية لإشهار الثورة الاكتوبرية الجنوبية الجديدة لضمان تفاعل واستمرارية عنفوانها الجماهيري الواسع، فان تأخر إعلان موعد ثورة أكتوبر بعدة أشهر عن انقلاب سبتمبر لا يعطي سبتمبر الحق الموضوعي بأسبقيته الزمنية أو تميزه الكفاحي، وما يؤكد ذلك أدلة كثيره، يمكن تناول أحدها لكشف زيف ادعاءات أبوة سبتمبر لثورة أكتوبر، فليس هناك أب يترك أبنه لوحدة يواجه خصومه دون أن يقوم بالتعاضد معه في معركته، فلم يحدث البتة ان جاءت قوات أو أي تشكيلات مسلحة أو جيوش من الجمهورية العربية اليمنية إلى أراضي دولة الجنوب العربي لتشارك النضال أو القتال مع الجنوبيين وثورتهم (14 أكتوبر) ضد الاحتلال البريطاني، فلم تطلق صنعاء طلقة رصاص واحدة في صدر أي جندي بريطاني محتل لدولة الجنوب العربي، فبأي حديث أو كلمات إفك يسطر بعض الكُتاب المدلسين بأقلامهم عن خرافة واحدية الثورة الاكتوبرية الجنوبية مع انقلاب سبتمبر الصنعائية اليمنية!, إنصافًا للتاريخ فإن العكس هو ما حدث في الواقع التاريخي الحقيقي وليس الافتراضي، فالروح الوثابة للحرية وإغاثة المظلوم التي يتصف بها أبناء الجنوب العربي هي التي حركتهم دائمًا وما زالت للمساعدة والقتال لنصرة أشقائهم وأصدقائهم، تدفعهم الحمية والنخوة، وروح العروبة والدين والقومية والأممية، في اليمن وفي عُمان، وفي لبنان وفلسطين، وحتى في أثيوبيا وغيرها.
واحدية ثورة 14 أكتوبر الحقيقية هي واحدية الارتباط الوثيق بالنضال المستمر لكل أبناء الجنوب على أرضهم، بالمظاهرات والاحتجاجات والانتفاضات والثورات المتعاقبة في كل الأرض الجنوبية، وأيضًا واحدية المشاركة الشعبية الاجتماعية والنخبوية والحزبية والنقابية والتنظيمية لكل أبناء الجنوب، فثورة أكتوبر الجنوبية قادتها الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل، وجبهة التحرير، وشارك بالنضال الثوري طيف واسع من الأحزاب والتنظيمات والقطاعات، مثل: رابطة أبناء الجنوب، وحزب البعث، ونقابات العمال، والاندية والمنتديات الثقافية والاجتماعية والحقوقية والرياضية والأدبية والفنية، والمكونات المدنية والقبلية والسلاطين والمشائخ، والقوات المسلحة والشرطة، وقطاعات الشباب والطلاب والنساء...إلخ، وتلك حقائق التاريخ تؤكدها وتؤكد ترابطها وتأثرها ببعضها البعض برباط ووشائج كفاحية عضوية، وبهوية جنوبية واحدة ومتداخله، فثورات الجنوب وانتفاضاته المختلفة على مدى تاريخه تتماهى أحدها مع الأخرى، لا انفصام بينها، بترابط اجتماعي وهوية جنوبية موحدة ومقاومة يشد بعضها بعضًا وبفترات زمنية متصلة ومتتابعة وبمناطق جنوبية متعددة، فقد اندلعت ثورة بن عبدات المسلحة في مدينة الغرفة بحضرموت التي شنت ضدها أول حملة بريطانية في عام ١٩٣٨م بإدارة المستشار البريطاني الشهير انجرامس، وما تلاها من حملات عسكرية بريطانية ومعارك دموية شرسة صاحبها قصف بالطيران الحربي، وفشلت تلك الحملات العسكرية ضد ثورة حضرموت في سنواتها الأولى، ولكن بعد انتصار بريطانيا ودول الحلفاء بالحرب العالمية الثانية (1939م – 1945م)، نقلت بريطانيا قوات كبيرة من أوروبا إلى حضرموت للقضاء على ثورة بن عبدات فحاصرته في مدينة الغرفة بجيش عرمرم وعتاد ضخم من الدبابات والمدفعية الحديثة والضخمة التي انتجت بالحرب العالمية، فدكوا حصن المناخ والطنافرة وبعد معارك دامية شرسة سقطت عاصمة ثورة حضرموت مدينة الغرفة بحضرموت بيد قوات الاحتلال البريطاني في ٧ مارس ١٩٤٥م، حتى تم إنهاء ثورة بن عبدات، كما نشبت تاليًا احتجاجات دموية في قصر السلطان في المكلا، وثورة شهيد الطلاب خالد بن هامل بمدينة المكلا، كما اندلعت في شبوة ثورة بالحارث في منطقة بيحان وانتفاضة ربيز والعوالق.
وشهدت مدينة عدن تطورًا في شكل الاحتجاجات التي لم تتوقف ضد الاحتلال البريطاني منذ سنواته المبكرة، وبرزت في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين كيانات نقابية وسياسية عديدة، كما شهدت عدن 1948م ظهور كيان سياسي مؤسسي منظم "رابطة أبناء الجنوب العربي" التي أعلنت إشهارها رسميًا في النصف الثاني من الخمسينيات من القرن الفارط، واضطلعت الرابطة بقيادة العمل الثوري والسياسي مبكرًا ضد الاحتلال البريطاني، وقامت الرابطة بزعامة أبرز مؤسسيها محمد علي الجفري بتنظيم وقيادة أول مسيرة احتجاجية مؤرخة بمدينة عدن ضد إعلان دولة الكيان الإسرائيلي في فلسطين عام 1947م، كما دشنت الرابطة في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين عملها المسلح بإلقاء قنبلة يدوية على تجمع للضباط والجنود البريطانيين في إحدى المقاهي بمدينة التواهي بعدن (مقهى لاحتساء الجنود الإنجليز المشروبات الروحية ويقع على الشارع الرئيسي لمدينة التواهي وموقعها أسفل العمارة المحاذية لخط البنك ومكتب خطوط الطيران الجيبوتية)، وفي مارس 1956م تصاعد نضال نقابات العمال وتأثيرها، وشهدت عدن أكثر من 30 إضراباً عمالياً، وفي يونيو من العام نفسه قام الثوار في بيحان بشبوة بالهجوم على المركز الحكومي، وفي خريف عام 1956م أثارت الأحداث - التي شهدتها مصر، إثر العدوان الثلاثي على مصر من قبل إسرائيل وفرنسا وبريطانيا - غضب الشعب الجنوبي العربي، فازدادت وتيرة العمل الوطني، ضد التواجد البريطاني في مستعمرة عدن والمحميات الشرقية (السلطنة الكثيرية والقعيطية والمهرية) والغربية، فقام الاحتلال بزيادة التوغل والتغلغل العسكري في عدد من المدن والمناطق الريفية.
وشهدت المحميات الغربية للجنوب العربي في فبراير 1957م أكثر من خمسين حادثة معظمها إطلاق نار على مراكز الاحتلال البريطانية في كلٍ من ردفان وحالمين والضالع، وفي 24 فبراير 1957م نصب (16) رجلاً من قبيلة الأزارق بالضالع كميناً لدورية عسكرية بريطانية تتكوّن من 22 فردا من أفراد قوات الكاميرون مايلاندر أسفر عن مقتل اثنين من الدورية وإصابة ستة بجروح، وفي أغسطس أو سبتمبر من العام نفسه بدأت انتفاضة قبيلة الشعار في إمارة الضالع، فتضامن معهم أبناء القبائل الأخرى، وعند مرور القوات العسكرية البريطانية الخارجة من مدينة عدن عبر لحج لقمع تلك الانتفاضة وزعت منشورات في مناطق لحج، تدعو أفراد جيش الليوي والحرس الحكومي إلى الثورة والهروب من الخدمة العسكرية مع بريطانيا، وتمّ رمي تلك القوات أثناء مرورها بلحج بالحجارة، كما انتفضت قبائل بيحان ودثينة وقامت القوات البريطانية باعتقال العديد منهم وصادرت الممتلكات.
وفي عام 1958م قاوم سلطان لحج علي عبد الكريم سياسة الاحتلال، فأرسلت بريطانيا في أبريل 1958م، 4000 جندي تدعمهم الأسلحة الثقيلة واحتلت السلطنة، تحت مبرر اكتشاف مخازن للأسلحة والذخائر. وفي 22 أبريل 1958م قامت قبائل الشاعري والدكام والحميدي والأحمدي والأزرقي والمحاربة وجحافه وبني سعيد وحالمين وردفان باحتلال مركز السرير في جبل جحاف بقصد السيطرة عليه، أما في يافع السفلى فقد نشب صراع بين السلطان محمد عيدروس والبريطانيين، فعملت بريطانيا على عزل السلطان محمد عيدروس الذي قاوم الإجراءات البريطانية، فاستمرت العمليات القتالية بين السلطان عيدروس وقوات الاحتلال البريطاني من فبراير 1958م إلى أبريل 1961م واستخدمت القيادة العسكرية البريطانية كل وسائل التدمير ضد قوات السلطان بما فيها الطيران الذي دمر تدميراً كاملاً معقل السلطان محمد عيدروس في قلعة (القارة) الحصينة في يافع.
وفي 19 يوليو 1958م اندلعت انتفاضة قبائل سيبان والمناهيل في حضرموت، كما قامت قبائل الربيزي في العوالق بشبوة في مارس 1959م بإجبار القوات البريطانية على الانسحاب من المراكز العسكرية التي أقاموها في العوالق، فقامت القوات البريطانية بقصف مناطق تلك القبائل بواسطة الطيران ما أدى إلى استشهاد عدد من الثوار وأحرقت المزارع، وأبيدت المواشي وتشردت الأسر ولجأ الثوار إلى الجبال لمواصلة المقاومة.
وشهدت الفترة من 1956م – 1958م انتفاضة (ثورة) في المحميات الغربية والشرقية اطرادًا في الكم والكيف نتيجة للمد الثوري العربي الذي خلفته الثورة العربية في مصرَ منذ قيامها في عام 1952م، وتنامي الوعي الوطني بأهمية النضال ضد المستعمر، واستفادت المقاومة الشعبية من الدعم المصري؛ وفي 19 أغسطس 1963 تم إعلان تأسيس "الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل". وتم تشكيل قيادة الجبهة من 12 شخصاً.
ويوضح نص الخطاب المطالب باستقلال الجنوب العربي الذي ألقاه السيد/شيخان الحبشي "أمين عام رابطة الجنوب العربي" في أبريل عام ١٩٦٣م أمام لجنة تصفية الاستعمار في هيئة الأمم المتحدة، هوية النضال الجنوبي المستقل: ويؤكد الأستاذ/شيخان الحبشي أمين عام الرابطة بعد صعوده إلى المنصة في بداية كلمته وبعد موافقة رئيس الجلسة آنذاك له بالحديث والذي وصفه بأنه احد المندوبين الوطنيين في الجنوب العربي وهو سكرتير رابطة ابناء الجنوب العربي واْنا بدوري اْدعوه ليقف على منصة اللجنة – وفي مفتتح كلمته عن هوية الجنوب قائلا : "يجب عليّ قبل كل شيء اْن اعلن شكر واْمتنان شعب الجنوب العربي نحو الاْمم المتحدة كمنظمة دولية وكأعضاء في هذه المنظمة فقد استطاعت المنظمة اْن تحقق استقلال كثير من الاْمم الاْفريقية والأسيوية واستطاعت اْيضا اْن تكفل الى حد كبير السلام والأمن للعالم بيد اْن ما يستحق الشكر والاْمتنان بوجه خاص هو اْنها قد اْصدرت قرارها الدولي الخاص بإلغاء الاستعمار ومنح الاستقلال لكل الشعوب والاقطار المستعمرة وبوجه اْخص اْنشاء الجمعية العامة هذه اللجنة كتنفيذ نص ومعنى بنود القرار كيما تستطيع جميع الشعوب والمناطق المحتلة اْن تحصل على اْستقلالها".
وقال شيخان: "لقد حضرت الى الاْمم المتحدة في عام 1959م ظانًا اْني سأطرق اْبوابها أساْلها اْن تمنحنا الاْستقلال، وكان الاعتقاد آنذاك اْن الاْمم المتحدة تستطيع اْن تفعل شيئا ،غير اْنها لم تكن قدْ اصدرت قرار منح الاستقلال، وكذا فقد علمت من الجميع وكنت اْعتقد اْنني لن اْحصل واْتمتع بحق الاستماع في المنظمة مالم اْهدد السلم العالمي، واْريق الدماء وارتكب التخريب والقتل وكثيرًا من اْعمال العنف عندئذ فقط اْستطيع لفت نظر الاْمم المتحدة، والاْن وقد صدر القرار المشار اليه اْنفًا نستطيع معشر اْبناء الجنوب العربي اْن نتمتع بحق الاستماع والكلام والفضل يرجع الى الاْمم المتحدة، ورغم ذلك فاْن كثيرا من ذوي النوايا الطيبة في العالم مازالوا يعتقدون اْن الاْمم المتحدة لا تلتفت إلا الى اْراقة الدماء والقتل والمذابح والتخريب واْعمال العنف لاْن الاْمم المتحدة عودتهم على مثل هذا الاْعتقاد، واْنا اْعتقد اْن الاْمم المتحدة يجب اْن تزيل هذه الفكرة بأعمالها وتصرفاتها في السنيين القادمة، ولاسيما اْزاء الجنوب العربي".
وأكد بقوله: "ان الجنوب العربي جزء من العالم العربي ومن السهل جدا اْن يفعل اْهله مثلما فعل الجزائريون والقبارصة فيريقوا الدماء ويزهقوا الاْرواح فيحصلوا على اْحترام الاْمم المتحدة لرغباتهم واْهدافهم، لقد اْتيت إلى الاْمم المتحدة بتوجيه من اْبناء الجنوب العربي وكلي ثقة واْيمان باْن الاْمم المتحدة ستقوم بتنفيذ قرارها العالمي دون حاجة الى ما لا يلزم من اْراقة الدماء وارتكاب اْعمال العنف، اْنني اْرى اْن اْمام الاْمم المتحدة فرصة طيبة لتثبت اْنها قادرة على تنفيذ قرارها واْنها حريصة على الضعفاء والمستعمرين وحقن دمائهم حرصها على حياة الاْمم القوية، وارجو اْلا يؤدي حضوري الى الاْمم المتحدة ولجوئي إليها الى الاْستهانة بتصميم شعبي الاْكيد على مواصلة كفاحه لنيل حقه اْلا وهو الحرية، فعلى الاْمم المتحدة اْن تلتزم بقراراتها فهي منظمة أْمم متحدة، لا اْمم متنافرة تنصر الحق والعدل، وإذا تحقق العدل في كل مكان انتصر السلام والاْمن ".
وأضاف: "ان قضية الجنوب العربي واضحة وبسيطة وسهلة الفهم إذا تحاشينا التعقيدات الكامنة خلفها، انها قضية شعب مستعمر اْعني شعب الجنوب العربي يعيش في ظل الحكم البريطاني وتحت سيطرته، ليس له تمثيل لدى اْي تنظيم اْو هيئة عالمية ولا يتمتع بعضوية المجتمعات الحرة، هذه هي قضية الجنوب العربي اْنه قطر مستعبد وعلى الاْمم المتحدة اْن تجعله قطرًا حرًا".
وقال: "ان الجنوب العربي وحدة سياسية لا تتجزأ رغم انه داخليا مقسم الى هذا العدد الكبير من الولايات كل واحدة منها مستقلة تماما عن الاْخرى إلا اْنها تخضع جميعها لعدن، وعدن مستعمرة هذا هو الحال في الجنوب العربي وأي حال؟ وطالما اْن حقيقة الاْوضاع هناك لازالت خافية على هذه المنظمة فاْن من واجبي اْن اكشفها واْبينها، لا رغبة في التشهير والفضيحة ولكن لإحقاق الحق وكشف القناع عن الواقع المرير الذي يعيشه ذلك الصقع التعس".
وأفاد شيخان في كلمته: "ان بلدي كما ذكرت يتكون من مستعمرة عدن - وهي مجرد مدينة - وعدد من السلطنات والامارات والمشيخات لا يعلم عددها اْحد لأنها تتكاثر من وقت لأخر، كل هذه المنطقة وهي وحدة في نظر العالم الخارجي تقع على الساحل الجنوبي الغربي من بلاد العرب اْما عدن فتبلغ مساحتها 75 ميلا مربعا فقط، بينما تبلغ مساحة عدن والمحميات حوالي 112 الف ميل مربع، وكانت قد قسمت منذ عهد طويل الى سلطنات واْمارات متعددة كل واحدة تتبع شيخا، ثم جاءت قوات المملكة المتحدة (بريطانيا) في عام 1839م الى عدن واْحتلتها بالقوة الحربية واْختطفتها من سلطنة لحج، ومنذ ذلك العام استطاعت سلطات المملكة المتحدة في عدن اْن تخضع جميع شيوخ المنطقة وتربطهم بالسلطات البريطانية في عدن ولندن، وهكذا تدرج الشيوخ حتى اْصبحوا رؤساء ولاياتهم اْمام مواطنيهم، اْما بالنسبة للمملكة المتحدة فليسوا سوى عبيد لاحول لهم ولا قوه لا يملكون حق التصرف بدافع من رغباتهم واْهدافهم، ويتحتم عليهم طاعة وتنفيذ اْوامر ونصائح سلطات المملكة المتحدة في عدن، وقد اْرتبطوا بما يسمى معاهدات الحماية ومعاهدات الاْستشارة.. انهم بمقتضى معاهدات الاْستشارة محرومون من اقامة علاقات اْو الاتصال اْو التفاوض مع اْي جهة في الداخل والخارج الا بعد موافقة الحكومة البريطانية بعدن ولا يستطيع اْي منهم التفاوض مع شيخ اْخر ولو كان جارًا له دون موافقة الحكومة البريطانية في عدن، وبمقتضى هذه المعاهدات قسمت المنطقة الى وحدات سياسية متعددة، وزاد استعبادها وتقييدها اْزاء العالم الخارجي، وقد كان واضحًا للجميع اْن بريطانيا كانت تطبق سياسة (فرق تسد)، "تلك كانت حالة الجنوب العربي صحيح اْن عدن ربما تكون ذات اْهمية بالنسبة للملاحة التجارية ولكن هذا لا يحتم بقاءها تحت الاْحتلال العسكري البريطاني".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الفصل الثالث
 
اندلاع ثورة 14 أكتوبر وإرهاصاتها
 
تكونت الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل في 1963م، من خلال اندماج سبعة تنظيمات سرية كانت قد تأسس بعضها منذ الخمسينيات من القرن العشرين أو قبل ذلك، وأعلنت إيمانها بالكفاح المسلح، وهي: حركة القوميين العرب، الجبهة الناصرية في الجنوب المحتل، المنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل، الجبهة الوطنية، التشكيل السري للضباط والجنود والأحرار، وجبهة الإصلاح اليافعية (تشكيل القبائل)، ثم التحقت تنظيمات أخرى بالجبهة القومية، وهي: منظمة الطلائع الثورية بعدن، منظمة شباب المهرة، واتحاد الطلاب الحضارم، والمنظمة الثورية لشباب الجنوب المحتل...إلخ.
وأعلن إشهار الثورة الجنوبية الجديدة، ثورة 14 أكتوبر في 1963م ضد الاستعمار البريطاني من راديو صوت العرب، وذلك انطلاقًا من جبال ردفان، بقيادة راجح غالب لبوزة، الثائر الجنوبي الذي لم يكن تاريخ بروزه النضالي واستشهاده بهذه الثورة حدثًا ثوريًا طارئًا ومستجدًا، بل كان وجوده مع اندلاع ثورة أكتوبر هو حاله استمرارية جديدة لإرث وماضي ثوري جنوبي، وتواصل روح الثورة والمقاومة الجنوبية ضد الاستعمار البريطاني منذ احتلاله لعدن 1839م، فقد كانت شرارة مقاومة راجح لبوزة  ومقاومته المسلحة ضد الاستعمار البريطاني سابقة لتاريخ 14 أكتوبر 1963م بسنوات عديدة، فكيف لثائر ثوري ومناضل مثل راجح لبوزة قاوم الاستعمار البريطاني بالسلاح منذ الخمسينيات من القرن المنصرم ان يكون متأثرًا مستجدًا أو وليدًا لانقلاب جاء فجأة بترتيب خارجي في سبتمبر 1962م بالمملكة المتوكلية !!.
ان الإعلان السياسي للثورة كحدث فارق وأساسي بتاريخ نضال شعب الجنوب ضد الاستعمار، أؤرخ يوم استشهاد لبوزة ليكون منطلق ثوري لبداية جديدة لثورة وجدت دعمًا واحتضانًا شعبيًا، وكذا من الثورة المصرية، وتهيأت لها الظروف والمقومات الداخلية والدولية لاستمرارها ونجاحها مع بشائر اضمحلال سطوة الامبراطورية البريطانية ونهج الاستعمار العالمي، وصدور قرارات الأمم المتحدة بتصفية الاستعمار، وبروز قوى عالمية ودول عظمى جديدة "الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا"، فقد بدأ الشهيد لبوزة يستشعر منذ وقت مبكر أن بلاده محتلة من قبل الاستعمار البريطاني، وأن عليه مقاومة هذا الاستعمار الغاشم، فبدأ بتشكيل خلايا سرية من أبناء ردفان وأعدهم لمقارعة المستعمر، ولكنها كانت جماعات غير منظمة شكلت بداية الانتفاضات، وكان بداية عملها المسلح في عام 1942م، حيث كانت توجد ثكنة عسكرية لجيش شبرد التابع للقوات البريطانية في منطقة ردفان في جبل الحمراء بمنطقة الحبيلين بردفان، كان يقود أول مجموعة تهاجم هذا المركز وبالأسلحة الشخصية، وقد تم القضاء على هذا المركز نهائياً.
 وفي عام 1957م عقد لقاء بين لبوزة ومجموعة من أبناء ردفان وهم يحملون سلاح «زاكي كرام» الماني، في منزل شيخ قبيلة «آل قطيب» في قرية الثمير بالحبيلين، وعندما وصلت الأخبار إلى الضابط السياسي البريطاني ان مجموعة متمردة مسلحة متواجدة بالمكان أمر بقصف المنزل بالطائرات «هوكر هنتر» فما كان من الثوار إلا أن قاوموا تلك الطائرات حتى تم إعطاب طائرتين مهاجمتين وسقوطهما، واستمر لبوزة بأعمال المقاومة ضد الاستعمار البريطاني، حتى العام 1963م، وعندما سمع الضابط السياسي البريطاني الموجود في الحبيلين بوجود الشهيد لبوزة ومجموعته في ردفان وهم أسلحتهم وكذلك امتلاكهم لقنابل يدوية، أرسل رسالة يطلب فيها من الشهيد لبوزة ومجموعته تسليم أنفسهم وأسلحتهم إليه، وتقديم ضمانة قدرها خمسمائة شلن، ووقف مساندته للقوات المصرية في الدولة المجاورة للجنوب العربي وهي الجمهورية العربية اليمنية.
وفي الرسالة التي وجهها الضابط السياسي البريطاني في الحبيلين (المستر ميلن) باسمه وباسم نائب المشيخة في ردفان محمود حسن علي لخرم في 16 / 9 / 1963م إلى راجح بن غالب لبوزة ورفاقه هدد فيها لبوزة بنيل العقاب الشديد من حكومة بريطانيا وحكومته حكومة دولة اتحاد الجنوب العربي.
بعد استلام لبوزة للإنذار البريطاني دعا رفاقه والمواطنين إلى اجتماع في قرية تتوسط قرى ردفان، وأطلعهم على محتوى الإنذار، وطلب منهم رأيهم في الرد على بريطانيا، فكان رد الجميع بعدم الاستسلام. وتمّ تشكيل لجنة من أربعة أشخاص لكتابة الرد على بريطانيا. ولأنّ لبوزة لم يكن يجيد القراءة والكتابة فقد كتب الرد أكثر من أربع مرات من قبل شخص آخر وأكد فيه: (("نحن غير مستعدين لكل ما في رسالتكم، ونعتبر حدودنا من الجبهة وما فوق، وأي تحرك لكم من تجاوز حدودنا فنحن مستعدون لمواجهتكم بكل إمكاناتنا ولا تلوموا إلا أنفسكم" والسلام ختام، الشيخ راجح بن غالب لبوزة، عن مجموعة العائدين إلى ردفان، 28 / 9 / 1963م، وأرفق الرد المكتوب بطلقة رصاص من بندقية عيلمان)).
وعقب هذا الرد الثوري والقوي تحرك جيش الاحتلال البريطاني، وبدأت المعركة بإطلاق النار والقصف المدفعي المكثف على الثوار، وأصيب موقع لبوزة بخمس طلقات مدفعية ثقيلة فأصابته منها شظية في الجانب الأيمن تحت الإبط اخترقت جسده حتى الجانب الأيسر على موقع القلب في حين كان قابضاً على سلاحه يطلق النار على مؤخرة القوة البريطانية المسلحة، حينها دعا الداعي أن لبوزة قد استشهد، وكان عمره "46" سنة رحمه الله.
  بعد هذا صدرت الجبهة الوطنية بيانًا عن انطلاق الثورة في الجنوب العربي من منطقة ردفان، واعتبرت أن الشهيد لبوزة هو أول شهيد في ثورة 14 أكتوبر، وأعلنت إذاعة صوت العرب من القاهرة في يوم 14 أكتوبر  اندلاع الثورة بالجنوب العربي، لتعم بعدها الثورة المنظمة كل أرجاء الجنوب المحتل، ودخلت الثورة باستشهاد لبوزة مرحلة جديدة من النضال ضد المستعمر، فبعد أيام من استشهاد راجح لبوزة تفجرت المعارك من جديد بين القوات البريطانية وجبهة ردفان، وتوسع نطاق الثورة، حيث تم فتح جبهة الضالع والشعيب ودثينة والصبيحة، وعدن، وغيرها من الجهات لتشمل الثورة كل أرجاء الجنوب من عدن إلى المهرة.
وبعد مرور ستة أيام على إذاعة بيان أصدرته وزارة الإرشاد القومي والإعلام في حكومة اتحاد الجنوب أعلن فيه نبأ استشهاد المناضل "لبوزة"، وبمرور تسعة أيام على استشهاد لبوزة أصدرت قيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل في 23 أكتوبر 1963م بياناً أعلنت فيه قيام الثورة من أعلى قمم ردفان الشماء في 14 أكتوبر 1963م وبداية الكفاح المسلح ضد المستعمر بكل أشكاله وصوره، وشاركت معظم الفعاليات الطلابية والنسائية والنقابية الجنوبية في مسيرة النضال من خلال المظاهرات والإضراب والكفاح المسلح.
 وبعد أن تشعبت المواجهات مع القوات البريطانية في المناطق الريفية وامتدت إلى 12 جبهة، أعلنت الجبهة القومية عن فتح جبهة عدن، ونقل النضال إليها، حيث أصبح للعمليات التفجيرية وطلقات الرصاص التي دوت في كل زوايا عدن، تعبر عن بسالة المقاومة لأبناء عدن بمختلف تشكيلاتهم التنظيمية والشعبية، وحققت صدى إعلامي عالمي يصعب على الاستعمار البريطاني إخفاؤه.
وشكل نقل العمل العسكري إلى عدن انعطافاً استراتيجياً لتنظيم الجبهة القومية، وجبهة التحرير والتنظيمات المقاومة الأخرى، والثورة محلياً وعربياً، ودولياً، بل شكل مرحلة جديدة في حياة المناضلين أنفسهم الذين اشتركوا في العمليات العسكرية، فكان العمل العسكري والفدائي داخل المدينة عامل إرباك للقوات البريطانية، حيث عمل على تحقيق الضغط على الجبهات الريفية المقاتلة، وتشتيت قوات الاحتلال، الأمر الذي ساعد على مد وتوسع العمل النضالي إلى مختلف مناطق الجنوب العربي.
وتطورت أساليب النضال المسلح ليشهد صوراً مختلفة كان أكثرها تأثيراً العمليات الفدائية، حيث شهدت أهم وأخطر العمليات الفدائية كالعملية التي اشترك فيها (30) شخصاً لضرب الإذاعة البريطانية في مدينة التواهي بالعاصمة عدن، كما ظهرت عمليات فدائية جديدة، حيث كان منفذ العملية هو الذي يحدد الهدف بنفسه دون الرجوع إلى القيادة المركزية، وأثبتت هذه العمليات نجاحها، حيث عملت على بث الرعب في نفوس الجنود البريطانيين، خصوصاً بعد مقتل رئيس المخابرات البريطانية في عدن “هيري ييري” ورئيس المجلس التشريعي “آرثرتشارلس”، وقتل القائد الانجليزي لجيش البادية الحضرمية في حضرموت.
وهكذا وجد البريطانيون أنفسهم بين كماشة من النار والرصاص بفعل المقاومة الشرسة التي سادت كل أوساط الشعب ورجاله، وأخذت أشكالاً عدة، كما أن الدعم الدولي الذي لاقته المقاومة من الدول العربية وخصوصاً من جمهورية مصر دبلوماسياً ومادياً عزز موقف المقاومة، وأجبر المستعمر على طرح السؤال الأكثر عمقاً وهو إلى متى البقاء في وجه الطوفان؟.
 وفي مدينة عدن نفذ الفدائي العدني المناضل خليفة عبد الله حسن خليفة في 10 ديسمبر 1963م، عملية فدائية بتفجير قنبلة في مطار عدن في إطار الكفاح ضد الاحتلال البريطاني، وأسفرت عن إصابة المندوب السامي البريطاني (تريفاسكس) بجروح ومصرع نائبه القائد جورج هندرسن، كما أصيب أيضاً بإصابات مختلفة 35 من المسؤولين البريطانيين، وذلك أثناء توجههم إلى الطائرة التي كانت ستقلهم من عدن إلى لندن.
في 11 ديسمبر 1963م صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، قضى بحل مشكلة الجنوب المحتل وحقه في تقرير مصيره والتحرر من الحكم الاستعماري البريطاني. وفي عام 1965م اعترفت الأمم المتحدة بشرعية كفاح شعب الجنوب العربي طبقاً لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وفي 7 فبراير 1964م نشبت أول معركة للثوار استخدموا فيها المدفع الرشاش في قصف مقر الضابط البريطاني في ردفان (لحج)، وفي 3 أبريل 1964م شنت ثماني طائرات حربية بريطانية هجوماً في محاولة للضغط لإيقاف الهجمات الفدائية المسلحة التي يشنها فدائيو الجبهة القومية، وفي 28 أبريل 1964م شن مجموعة من فدائيي حرب التحرير هجومًا على القاعدة البريطانية في الحبيلين (ردفان)، وقامت طائرات بريطانية في 14 مايو 1964م بغارات ضد الثوار في قرى وسهول ردفان، أدت إلى تدمير المنازل في المنطقة، كما أسقطت منشورات تحذيرية للثوار الذين أسمتهم بـ«الذئاب الحمر»، وفي 22 مايو 1964م، أصاب ثوار الجبهة القومية في ردفان طائرتين بريطانيتين من نوع "هنتر" النفاثة.
وانطلق الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني وأعوانه في إمارة الضالع بتاريخ 24 يوليو 1964م بقيادة علي احمد ناصر عنتر البيشي، عقب عودة عدد من الشباب الذين خضعوا فيها لدورة تدريبية عسكرية دامت شهرين على يد الضباط المصريين بمعسكر المصريين في تعز.
في عام 1965م اشتدت العمليات الفدائية على قوات الاستعمار وأصدرت قانون الطوارئ في 19 يونيو 1965م، وحظرت بموجبه نشاط الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل، واعتبرتها حركة إرهابية، وقامت بإبعاد 245 مواطناً، وحاولت الآلة الدعائية البريطانية عبثًا إلصاق تهمة الإرهاب والتمرد بالثوار من مختلف التنظيمات المقاومة، لكنها فشلت واستمر شعب الجنوب يساند ثورته ورجالاتها باعتزاز وفخر طوال مراحل النضال التحرري المختلفة.
وإزاء كل هذا التصاعد الثوري المقاوم الشرس والعنيد لأبناء الجنوب، وفي ظل المتغيرات الدولية المتسارعة التي تنبئ بأفول بريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس، اعلنت حكومة لندن في 2 أكتوبر 1965م عن عزمها البقاء في عدن حتى عام 1968م مما أدى لانتفاضة شعبية عنيفة ضد البريطانيين في المدينة أسفرت عن خسائر كبيرة بشرية ومادية، وأصدرت الخارجية البريطانية «الكتاب الأبيض» في 22 فبراير 1966م الذي أعلن رسمياً قرار بريطانيا القاضي بمنح مستعمرة عدن والمحميات الاستقلال مطلع 1968م.
في 28 يوليو 1966م نفذ فدائيون حضارم في سلطنة حضرموت عملية قتل الكولونيل البريطاني جراي، قائد جيش البادية. وكان هذا الضابط هو الذي نفذ عملية اغتيال المناضلة الفلسطينية رجاء أبو عماشة عند محاولتها رفع العلم الفلسطيني مكان العلم البريطاني أثناء فترة الانتداب البريطاني لفلسطين.
وأعلنت الحكومة البريطانية في أغسطس 1966م اعترافها بقرارات منظمة الأمم المتحدة لعامي 1963م و1965م الذي أكدت فيه حق شعب الجنوب المحتل في تقرير مصيره.
وأصدرت الجامعة العربية في 8 مارس 1967م قراراً تشجب فيه التواجد البريطاني في الجنوب العربي، وفي 2 أبريل 1967م حدث إضراب عام شل كافة أجهزة العمل في مدينة عدن، دعت إليه الجبهة القومية وجبهة التحرير في وقت واحد.
وفي 3 أبريل 1967م، نفذ فدائيو حرب التحرير عدة عمليات عسكرية ناجحة ضد مواقع وتجمعات المستعمر البريطاني في مدينة الشيخ عثمان بعدن، كبدوا خلالها القوات الاستعمارية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وسقط خلالها عدد من الشهداء في صفوف الفدائيين، وفي 20 يونيو 1967م، تمكِن الفدائيون من السيطرة على مدينة كريتر بعدن لمدة أسبوعين، في حدث هز كيان السلطات الاستعمارية في عدن، وتناقلته وسائل الاعلام العالمية، كونه جاء عقب نكسة حزيران في مصر، وردًا ثوريًا عربيًا عليها.
وفي 17 سبتمبر 1967م، تمكن ثوار الجبهة القومية ومعهم المقاومة الشعبية من السيطرة على مدينة المكلا وبقية مدن حضرموت، وقام المناضل خالد عبدالعزيز برفع علم الجبهة القومية فوق قصر السلطان القعيطي بالمكلا، وتم حشد القوات على طول ساحل المكلا وإجبار سفينة السلطان على العودة من حيث أتت، وتم إعلان الجبهة القومية سيطرتها على السلطة وتولي الحكم في حضرموت، وأصبحت حضرموت أول سلطنة كاملة على مستوى الجنوب العربي تتحرر بالكامل من الهيمنة الاستعمارية البريطانية، وسلطات السلطنة القعيطية والكثيرية الموالية لها.
قام الحكام الجدد من ثوار حضرموت بعد 17 سبتمبر 1967م، بفتح خزائن المال والسلاح والذخيرة التابعة لدولة السلطنة القعيطية بحضرموت، لثوار الجبهة القومية في عدن وبقية مناطق الجنوب، وهو ما مكن الثوار بعدن والمناطق الجنوبية الأخرى من إعطاء دفعة قوية ومهمة لمواصلة الثورة والحصول على دعم مادي ولوجستي مهم جدًا لثورتهم المسلحة خاصة بعد ان أوقفت القاهرة دعمها بالسلاح والمال للجبهة القومية، وعقب ذلك تأسست إذاعة المكلا في 28 سبتمبر 1967م، كأول إذاعة وطنية تتأسس في الجنوب العربي، التي انطلقت باسم إذاعة "صوت الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل"، وشكلت رافدًا إعلاميًا ومعنويًا كبيرًا للثورة الجنوبية الأكتوبرية وإسماع صوتها، وفي 5 نوفمبر 1967م أعلنت قيادة الجيش الاتحادي في الجنوب العربي وقوفها إلى جانب الثورة ودعمها للجبهة القومية، بعد أن باتت غالبية المناطق تحت سيطرتها.
وأعلن وزير الخارجية البريطاني (جورج براون) في 14 نوفمبر 1967م أن بريطانيا على استعداد تام لمنح الاستقلال الجنوب العربي، وفي 30 نوفمبر 1967م، وليس في 9 يناير 1968م، كما كان مخططاً له سابقاً، وبدأ انسحاب القوات البريطانية من عدن في 26 نوفمبر 1967م، ومغادرة الحاكم البريطاني للجنوب العربي هامفري تريفليان، وفي 30 نوفمبر 1967م، تم جلاء آخر جندي بريطاني عن مدينة عدن، وإعلان الاستقلال الوطني وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية (1967م – 1969م) في الجنوب العربي، جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لاحقًا (1970م – 1990م)، بعد احتلال بريطاني دام 129 عاماً، وتولت الجبهة القومية مسؤولية الحكم في الجنوب، وتولى أمين عام الجبهة قحطان محمد الشعبي رئاسة الجمهورية وشكلت أول حكومة برئاسة قحطان الشعبي.
 
 
 
 
الفصل الرابع
 
الدور المصري في انقلاب سبتمبر الطارئ
 
لم تسطر صحيفة (صوت اليمن)، التي أصدرها الزبيري والنعمان وهما أبرز وأهم قادة العمل السياسي المعارض لنظام دولة المملكة المتوكلية اليمنية، كلمة واحدة أو جملة منفردة، عن أي ادعاءات بالوحدة والشعب الواحد، وواحدية الثورة...إلخ، بين دولة الجنوب العربي ودولة المملكة المتوكلية، وكانت الصحيفة منذ عددها الأول وحتى عددها الأخير تعكس رؤية إصلاحية في ظل حكم الإمامة وبقائه، كما كانت الحركات التي سبقتها، كحركة 48 المعارضة، التي كانت تهدف إلى بقاء الحكم الإمامي بنهجه المتخلف واستبدال إمام بأخر في دولة المملكة المتوكلية اليمنية.
وشكلت ثقافة وقيم المجتمع اليمني في المملكة المتوكلية اليمنية وما زالت، تركيبة معقدة ومتخلفة تتعارض مع الانفتاح الانساني العالمي المتطلع دومًا للقيم المدنية والحريات الديمقراطية وقبول الاخر، والحضارة الحديثة، مما سمح لحكام اليمن عبر تاريخه، الحفاظ على نمط الحكم الطبقي المتخلف الذي أصبح في مرحلة الستينيات عائقًا أمام طموح القوة العربية القومية الصاعدة، وهو ما أدى بهذه القوى إلى التفكير الجاد بالعمل على تغيير هذا النظام الامامي المتخلف في اليمن.
وتكشف شهادة الفريق عبد المنعم خليل، وهو من كبار العسكريين المصريين المشاركين في حرب اليمن، التي نشرتها جريدة المصري اليوم في أبريل 2015م. إلى حد بعيد إلى أي مدى أدى تدافع الأحداث إلى تدخل مصري كامل في اليمن بعد أن كان الهدف في البداية محدودًا جدًا، عبر عنه حجم القوات المصرية المحدود الذي وصل إلى ميناء الحديدة اليمنية عقب أسبوع من انقلاب تنظيم الضباط الاحرار بصنعاء على حكم الامام بدر حميد الدين في 26 سبتمبر 1962م، ثم ما لبث أن أخذ في الزيادة، حتى امتد انتشار القوات المصرية إلى معظم أراضي الجمهورية العربية اليمنية.
كانت القاهرة خلال شهر أغسطس 1962م، قد بدأت تهيئ للإعلان عن وجود "تنظيم للضباط الأحرار في اليمن" - على غرار تسمية الضباط الأحرار المصريين -،  يقوده العقيد علي عبد المغني الذي تم تهيئته من قبل الضباط المصريين الذين يعملون بالتدريب بالكلية الحربية بصنعاء لقيادة الانقلاب، وهيأت كذلك أن هذا التنظيم يرتب للقيام بانقلاب على حكم الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين الطاغية كما كانوا يسمونه هناك، وكان أنور السادات هو المسؤول عن تنظيم العلاقة مع الضباط اليمنيين، وكان تقدير مصر الرسمي في احداث انقلاب في اليمن ضد حكم الإمام أحمد هو أن السعودية في الشمال، والإنجليز في الجنوب العربي قد يقفون ضد الثوار (الانقلابيين اليمنيين) ويدعمون موقف الإمام أحمد، ولما توفى خلفه ابنه الأمير محمد البدر ولى العهد وفى صباح يوم 26 سبتمبر 1962م، أذاعت إذاعة صنعاء أن العميد عبد الله السلال قاد الانقلاب ضد الأمير محمد البدر - إمام اليمن الجديد - واستولى الجيش اليمنى على السلطة بعد معركة مسلحة بين القوات الموالية لتنظيم الضباط الأحرار والقوات الموالية للإمام بدر أحمد حميد الدين.
واعترفت مصر مباشرة بالنظام الجمهوري في اليمن، وقرر جمال عبدالناصر إرسال السادات ومعه كمال رفعت عضوي مجلس الثورة ومعهما وفد من ضباط العمليات المصريين إلى صنعاء، وإثر ذلك اقترح السادات إرسال سرب من الطائرات المصرية إلى اليمن، لإجبار القبائل على التجمهر (أي تأييد الجمهورية، التي جاءت على أنقاض الملكية). وكانت هذه الفكرة بداية التدخل العسكري الواسع، الجوي والبري والبحري بالرجال والعتاد والسلاح والمال والذهب وكل شيء.
ومع بداية انقلاب سبتمبر1962م، لمع بريق الذهب مع قبائل الشمال وهاجمت صعدة عاصمة الشمال مما أجبر رجال الانقلاب على تحريك قوة من الجيش اليمنى تقدر بنحو كتيبة مشاه للدفاع عن صعدة، ودارت معارك هناك كان نتيجتها بعض القتلى وعلى رأسهم العقيد على عبدالمغنى الذي يُعد المحرك والقائد الحقيقي للانقلاب (للثورة) اليمنية ضد الإمام والحكم الملكي.
وفى 28 أكتوبر 1962م، وصل المشير عبدالحكيم عامر إلى صنعاء قادمًا من القاهرة، واختارت له القيادة المصرية باليمن منزلا مواجها للدار التي كانت تتولى إدارة العمليات منها وهو بجوار مبنى السفارة المصرية بصنعاء، وعقدت القيادة المصرية باليمن مؤتمرها وكان الفريق أنور القاضي قد سبقه إلى اليمن في مهمة ويعود بعدها للقاهرة، ولكن صدرت الأوامر له ان يتولى قيادة القوات العربية (يقصد القوات المصرية، حيث ان مصر كانت اسمها الجمهورية العربية المتحدة) في اليمن والتي أصبح يتدفق عليها يوميا وحدات عسكرية وأسلحة ومعدات من القاهرة. وفى المؤتمر الذي عقده المشير في استراحته كان كل ما يدور هو كيفية معاونة ثورة اليمن وتأمين قواتنا (أي قيادة وإدارة القوات وجهاز المخابرات المصرية لليمن وللمعارك فيها).
وحضر المؤتمر بعد ذلك رئيس اليمن المشير عبدالله السلال وبعد أيام قلائل انتقلت القيادة المصرية إلى مبنى أكبر يستوعب عددا أكبر من أسرة القيادة التي بدأت تنمو وتنمو إلى عشرات الضباط ومئات الجنود والصف ضباط والمدنيين المصريين وضباط الاستخبارات، والعربات الحربية والمدنية والمدرعات والمركبات المصفحة...إلخ.
وتورطت مصر في صراع إقليمي ودولي في اليمن، وبدأت في إنشاء جسر جوى وبحري ضخم عبر آلاف الكيلومترات لنقل الرجال والعتاد والأسلحة والمهمات والتعيينات والذهب إلى أرض اليمن التي ابتلعت خيرة وحدات القوات المسلحة ومعداتها وأسلحتها وطائراتها، بسبب عدم الإدراك المسبق لمصر لخفايا الثقافة المعقدة والمتقلبة والغادرة للقبائل اليمنية.
وشهدت اليمن خيانات وغدر طالت القوات المصرية المرابطة هناك لحماية السلطات الجديدة للجمهورية الوليدة،  وتكبدت القوات المصرية جراء هذه الخيانات خسائر مادية ضخمة وخسائر بالأرواح ناهزت الـ5000 شهيد مصري، وتمردت القبائل الزيدية ضد القوات المصرية في اليمن، التي كانت تعلن ولاءها للجمهورية صباحًا وتتلقى الأموال من المصريين مكافاة لهم على هذا الموقف، لكن سرعان ما تنقلب هذه القبائل الزيدية الشيعية، وتعلن انحيازها مساءً إلى جانب الملكية وتستلم العطايا منها !!، مما دفع بالمصريين إلى فتح المعسكرات لاستقطاب أبناء المناطق السنية الشافعية من تعز وما جاورها لتقليل الاضرار التي كانت تتعرض لها نتيجة خيانات القبائل الزيدية الشيعية، وتتابعت الأحداث واستمر القتال في مختلف المناطق إما لإجبار القبائل على الولاء للجمهورية ولسلطات الانقلاب، أو مقاومة هجمات متفرقة، أو تأمين طرق الإمداد أو الوجود في أمكنة معينة لها أهمية لحماية الثورة، وهذا استدعى زيادة كبيرة في القوات المصرية، وانتشارًا كبيرًا لوحداتنا في كل نواحي اليمن وكانت قبيلة «خولان» الزيدية الشيعية في مناطق (جحانة - العرقوب - صرواح) وما حولها أشد القبائل اليمنية عداء للجمهورية الجديدة وسلطاتها اليمنية والمصرية، ولما وصل الرئيس المصري جمال عبدالناصر إلى اليمن في 23 أبريل 1964م، تحولت صنعاء وخاصة مبنى القيادة المصرية بالطرف الشمالي منها إلى قبلة يتوجه إليها كل قبائل اليمن لمشاهدة عبدالناصر، وطلب العطايا منه، وعندما طار جمال عبد الناصر إلى محافظة تعز في أقصى الجنوب اليمني، أشرف على مجريات الأوضاع السياسية والعسكرية في الجمهورية العربية اليمنية، وكذا أطلع على خطط الدعم والمساندة للثورة في الجنوب العربي، وتنفيذ خطة عملية ((صلاح الدين)) التي كانت تهدف إلى اسقاط حكام الدول الإقليمية (دول الخليج العربي) المتحالفة مع الولايات المتحدة، وعلى اليمن والجنوب العربي، وكان يوجه بدعم ومساندة ثورة الجنوب العربي "14 أكتوبر" عبر معسكر المصريين ومكتب الاستخبارات المصرية في محافظة تعز اليمنية، وحينها قال الرئيس جمال عبدالناصر قولته المشهورة: بان على الاستعمار البريطاني ان يحمل عصاه ويرحل من الجنوب العربي، وقد أبلغت بريطانيا هيئة الأمم المتحدة أن خطب الرئيس جمال عبدالناصر في دولة الجمهورية العربية اليمنية، تسببت في عدم امكان الوصول إلى حل في موضوعات دولة اتحاد الجنوب العربي.
وظل نظام انقلاب سبتمبر يترنح وتحيط به الصراعات ويعتريه الضعف في كل مفاصلة منذ يومه الأول،  إلى ان تمكنت دول الإقليم من الدخول بتسوية لإيقاف الحرب الأهلية اليمنية بين الجمهوريين والملكيين (1962م/1970م)، خاصة بعد نكسة حزيران التي تعرضت لها مصر من الكيان الاسرائيلي، وضعف موقفها السياسي والعسكري والاقتصادي، فتم في العام 1970م ابرام اتفاق تقاسم السلطة بين الجمهوريين والملكيين، وهو ما أكد على ان هوية دولة اليمن لا تستطيع ان ترتكس عن نهج المفاهيم المتخلفة والطبقية المعادية للحضارة والمدنية، وهي هوية متناقضة مع هوية الجنوب العربي التي تنزع دومًا إلى التحرر الاجتماعي والقيم الإنسانية والحضارة والمدنية.
وبذلك يضاف دليلاً أخر يفند مزاعم أصل ثورة سبتمبر الأبوي وأبنتها أكتوبر، وهنا تسقط أكذوبة أخرى من الأكاذيب التي تروج دون سند تاريخي موضوعي، ان انقلاب وسلطة 26 سبتمبر باليمن - الذي تم بفضل تخطيط وترتيب ودعم مصري كامل - هو الذي أسهم بدعم ثورة 14 أكتوبر بالجنوب العربي وليس غيره، فكيف بانقلاب ولد معولاً وهشًا، وظل في مهب الريح وعرضه للانهيار منذ بزوغه وما بعد ذلك بسنوات طويلة، ويتنفس بأنبوب الأوكسجين المصري ان يدعم ثورة عظيمة وكبيرة، لها إرث نضالي تاريخي سياسي وعسكري وممتد اجتماعيًا بحجم ثورة 14 أكتوبر الجنوبية!.
ان مراجعة وتصحيح وإعادة كتابة تاريخنا الجنوبي وثورته وصياغته بمصداقية هي مهمة لا مناص منها ليعرف هذا الجيل والأجيال القادمة الحقيقة التي لا يشوبها التزييف والتحريف، الذي يهدف إلى طمس هويتنا الوطنية الجنوبية والوعي بها، وتكشف وقائع التاريخ بما لا يدع مجالا للشك إلى الامتداد التاريخي المترابط والمتداخل للثورة الجنوبية ضد الاحتلال البريطاني منذ اليوم الأول وحتى اليوم الأخير له، ان وهج الثورة والمقاومة الجنوبية لم يخمد اواره في كل بقاع أرض الجنوب بأشكال مختلفة أخذ بعضها الطابع الاحتجاجي السلمي وبعضها الأخر العمل العنفي المسلح، وكلا الفعلين الثوريين تظافرا ليرسما لوحة الاستقلال الذي تحقق بعد أربع سنوات من اندلاع الثورة الجنوبية المتجددة في الـ14 أكتوبر، وحققت الثورة الجنوبية خلال سنواتها الكفاحية حضورًا لافتًا وفعالًا في المجتمع الجنوبي الذي احتضنها وأضحى جزءً منها، كما طفت على سطح التضامن العالمي، وكانت مطالبات الاستقلال قد بلغت أرقى المستويات الدولية بوقت مبكر من إعلان تجدد أوار اشتعال الثورة والمقاومة الجنوبية، بروحها المتجددة بثورة 14 أكتوبر الظافرة، ويأتي قول المناضل شيخان الحبشي في كلمته عن حضوره للأمم المتحدة في العام 1959م، كتأكيد للمستوى الدولي المبكر الذي بلغته قضية استقلال الجنوب، وهذا القول يضاف إلى كل الوقائع التاريخية الدامغة عن تاريخ الجنوب العربي التحرري والثوري، فقضية الثورة الجنوبية ضد الاحتلال البريطاني لم تكن وليدة انقلاب 26 سبتمبر في العربية اليمنية المنتجة مصريًا، إنما هي ثمرة من ثمار نضال طويل وشاق لشعب حر، ورحلة كفاحية لم تخبو فيها شعلة الثورة التي سطرت حروفها بالدماء والمعاناة، وثورة 14 أكتوبر هي العنوان الرئيسي لكل هذه النضالات والتضحيات لأبناء الجنوب التي نجحت بتحقيق الاستقلال الوطني الناجز لشعب الجنوب الذي يتوق حاليًا لاستعادة حريته وسيادته الوطنية، ودولته الجنوبية المغدورة (1990م)، والإسهام مع المجتمع الدولي ببناء الحضارة المدنية الديمقراطية المأمولة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الاستخلاصات والتوصيات
 
-        ان ثورة 14 أكتوبر هي ذروة التطور للفعل الثوري الجنوبي التاريخي ضد الاحتلال البريطاني على امتداد الجغرافية الجنوبية، ولا صلة بانقلاب 26 سبتمبر بإشعالها أو دعمها، ويعود الفضل للشعب الجنوبي وإرثه النضالي الزمني الطويل، ولمساندة الثورة المصرية والرئيس جمال عبدالناصر.
-        ان انقلاب سبتمبر تم واستمر بوضع هش وضعيف منذ لحظته الأولى، وتميز بديمومة الصراع السياسي والعسكري الذي تعتريه، ولم يستطيع مساعدة نفسه في البقاء لولا الرعاية والاحتضان المصري المباشر والكامل، فكيف بمساعدة الأخرين أو ثورة الجنوب العظيمة، واستمرار سلطة سبتمبر إنما هو نتيجة استمرار الدولة المصرية بضخ أكسجين الحياة لجسد مريض وعاجز عن البقاء والفعل، فلولا مصر والناصرية لما كان هناك شيء أسمه الجمهورية العربية اليمنية.
-        وضح التاريخ بما لا يدع مجالا للشك عدم قدوم أي مساندة عسكرية قتالية من أي قوة مجتمعية أو رسمية سياسية أو عسكرية من الجمهورية العربية اليمنية إلى الجنوب العربي قبل او أثناء أو بعد اندلاع ثورة 14 أكتوبر.
-        ان خطة عملية (صلاح الدين) كانت طموح ثوري مصري قفز على الواقع الإقليمي والدولي، نجح في دولتين، وفشل في بقية دول المنطقة (دول الخليج العربي).
-        ان مصاحبة ظهور شعار الوحدة اليمنية في الخمسينيات مع الحراك القومي العربي ونقابات العمال، دفع سياسيو المملكة المتوكلية ثم الجمهورية العربية اليمنية لاستغلاله وتوظيفه لمحاولة السيطرة على دولة مجاوره لهم "الجنوب العربي"، وتحقق لهم ذلك بخديعة ومكر 1990م، غير ان وقائع الهوية والتاريخ والانتماء الجنوبي ايقن بأكذوبة هذا الشعار وانتفض الشعب الجنوبي بثورة جديدة مستلهمة من الروح التحررية لثورة 14 أكتوبر، في 7 يوليو 2007م، لمطالبة باستعادة دولته المغدورة، وإعادة الاعتبار للتاريخ والجغرافية والهوية الجنوبية العربية.
-        ان انتصار ثورة 14 أكتوبر جاء بسبب استنادها لإرث ثوري تاريخي طويل، ولتماهييها مع المجتمع الجنوبي، كونها جزء منه، وليست مصطنعة أو مستحدثة على تاريخه، ونجحت الثورة وصمدت باعتمادها على ذاتها، رغم تعرضها للمؤامرات والدسائس والفتن المستمرة.
-        الدعم والمساندة المصرية للثوار الجنوبيين ومقاومتهم للاحتلال البريطاني بدأ قبل إعلان ثورة 14 أكتوبر، واستمر هذا الدعم بشكل أوضح ومنظم بعد اندلاع ثورة أكتوبر، رغم تعثره في مراحلها الأخيرة من مسيرة الثورة.
-        اكذوبة أبوة انقلاب سبتمبر لثورة أكتوبر هو اعتساف سياسي للتاريخ الحقيقي للثورة الجنوبية.
-        البيئة الاجتماعية والثقافية في المملكة المتوكلية والجمهورية العربية اليمنية لم ولن تكون مهيئة لقيام ثورة جذرية بالقيم والتحرر والمدنية، وهو ما أدى بانقلاب 26 سبتمبر إلى الانتكاسة السريعة وفشل كامل عن تحقيق الأهداف والشعارات التي رفعها (1970م)، ونجم عنه ارتداد وعودة لحكم الكهنوت السلالي السابق (2014م)، بعد أكثر من ستة عقود من الصراع والمراوحة في دائرة قيمية وثقافية مغلقة ومتخلفة.
-        سمات الجنوب وثقافته المدنية أوجد بيئة اجتماعية مقاومة للتخلف والهيمنة، وهو ما ساعد على تجدد اندلاع الثورات التواقة للحرية والمدنية، وبروز ثورة الحراك الجنوبي (2007م)، ومواجهة التغول والغزو الحوثي لعدن والجنوب (2015م)، والسعي الحثيث لاستعادة الدولة الجنوبية المسلوبة.
-        من الأهمية العمل على تشكيل لجنة وطنية جنوبية تضم؛ الشخصيات التي لها أدوار في النضال والثورة أو عاصرتها عن كثب، وشخصيات أكاديمية، للعمل على كتابة تاريخ الثورة الجنوبية بموضوعية.
-        من الأهمية تشكيل لجنة لجمع شهادات الشخصيات المشاركة والمعاصرة للثورة الجنوبية، وكذا لجمع الوثائق والصور والمراسلات والبيانات التي صدرت طوال مسيرة الثورة الاكتوبرية المجيدة من الأرشيف والمكتبات البريطانية، والأرشيف المصري، وأرشيف الدول العربية الرئيسية، وأرشيف المنظمات والمؤسسات الدولية ذات العلاقة، والأرشيف العالمي، ناهيك عن مكنونات الأرشيف الجنوبي من مختلف مصادره.
-        من الأهمية وضع رؤية وسياسة إعلامية واضحة لوسائل الاعلام الجنوبية لتصحيح المفاهيم والمعلومات المغلوطة والمزورة عن ثورة 14 أكتوبر ورموزها ومفاعيلها وإرثها، وتعزيز الوعي المجتمعي بعدالة القضية الجنوبية ومساعي استعادة الدولة المغدورة، ومواجهة الاعلام المضاد وإشاعاته المغرضة، وحملاته الدعائية المضللة، وكشف الأكاذيب والحرب النفسية الموجهة للرأي العام الجنوبي، والتوعية بأهمية الحفاظ على سرية العمل النضالي، وتحركات القيادات السياسية والعسكرية الجنوبية وتوجهات عملها ونشاطها النضالي.
-        من الأهمية الاستفادة من دروس ثورة 14 أكتوبر وعوامل نجاحها وانتصارها، لتعزيز خبرات الثورة الجنوبية الحالية ومسارها الكفاحي لاستعادة الدولة الجنوبية المغدورة في 1990م.
-        من الأهمية الاستفادة من تجارب ثورة 14 أكتوبر في العمل التنظيمي الملتزم، ووحدة القيادة السياسية والعسكرية والوثوق بها والتصدي لمحاولات التشكيك بها وإضعاف التأييد الشعبي لها، وهو من العوامل المهمة التي كانت من أهم أسباب نجاح ثورة أكتوبر.
-        ان استلهام تجربة التصدي للتحديات التي واجهتها ثورة 14 أكتوبر، التي تمثلت أبرزها في التأمر الداخلي والخارجي عليها، وكذا في قطع التمويل المادي والعسكري عنها، لوضع رؤية استراتيجية واقعية وموضوعية تعتمد على تعزيز مقومات الصمود والانتماء والاعتماد على عناصر القوة في الصراع، وكذا مصادر التمويل الذاتية التي تتسم بالديمومة، لمواجهة أي تقلبات سياسية أو اقتصادية أو دولية محتملة قد تعرقل أو تضر تقدم مسار النضال لاستعادة الدولة الجنوبية.
 
 حقوق الطبع والتأليف خاصة بالكاتب