لا يمكن لأيٍ كان، خاصة إذا كان قيادياً، أن يحقق النجاح المطلوب، دون أن يبذل جهداً، من أجل الآخرين ,
تعمل بهدوء وحكمة، بعيدة عن الضوضاء ومحاولات لفت الانظار، صاحبة رسالة وايمان كبير بمجتمعها، تحترم عقل القارئ في كتاباتها، وملتزمة بإخلاص تجاه القضايا الوطنية. تعمل بجد في الارتقاء بذاتها لانها تحترم المسؤولية التي تتقلدها. الاستاذة نادرة عبدالقدوس، رئيسة اللجنة الإعلامية في الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، صاحبة تاريخ في مهنة المتاعب، تدرجت في السلم الوظيفي والمهني حتى وصلت لمنصبها القيادي الذي تستحقه بجدارة، فهي ليست وليدة الصدفة، ولا هي جزء من جماعة او شللية او وساطة، انها نموذج راقٍ للمراة الجنوبية التي تنتمي للوطن وقضاياه وحسب. كان لنا معها هذا الحوار:
س) أحياناً تأتي للمرء فرص قد تشكل انتقالة نوعية لتحقيق طموحه المهني وبناء علاقات مرموقة مع اصحاب النفوذ. انت استاذة نادرة جاءت لك فرصة كهذه وهي المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، لكنك انسحبتي منها، في الوقت الذي كان الجميع يستميت للحصول عليها، لماذا؟
ج) شكراً لك على هذا السؤال؛ فهو يعيدني إلى الوراء، إلى أكثر من ثلاثة عقود، حيث كانت لي وجهة نظر من الوحدة (المستعجَلة) وعبرت عنها في اجتماع عام للجنة الحزب في محافظة عدن، إذ كنت عضواً فيها، كما كنت سكرتيرة المنظمة القاعدية للحزب، لنساء المنصورة والشيخ عثمان. وعندما وجدت أن الحزب بدأ يفقد توازنه، ابتداءً من فصل المنظمات الحزبية، فكانت هناك منظمات قاعدية للإناث وأخرى للذكور؛ فكنا كنساء حزبيات بعيدات عما يجري في البلاد، بل لم نكن نعلم بما يدور داخل جسد الحزب، لذلك، وصلت إلى قناعة، بعدم جدوى بقائي في قيادة منظمة قاعدية حزبية، لا أقدم شيئاً لها، أي كالأطرش في الزفة، كما يقول المثل؛ فقدمت استقالتي التي لم تُقبل ولكنني لم أعر أي إهتمام لذلك وتوقفت تماماً عن نشاطي الحزبي. حتى عندما تم ترشيحي، من قبل الحزب، في انتخابات المجالس المحلية، في المديريات، عام ١٩٩٢م، قدمتُ نفسي، كمستقلة ولكن بدعم من الحزب. وعندما تم الترشح للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، كنت حينها، في أوج معارضتي للمشروع الوحدوي الفاشل، فقد مررنا بحرب ١٩٩٤م وما عانيناه أثنائها وأنا شخصياً، تعرضت للإقصاء وحرماني من الكتابة، بعد تحويلي إلى قسم الأرشيف الصحفي وتوقيف راتبي لمدة اربعة أشهر والتعامل معي بكل إساءة وصلف وعدم احترام، من قبل قيادة مؤسسة وصحيفة ١٤ أكتوبر. لم أكن موافقة على مشروع الوحدة اليمنية، غير المدروسة، كما إن ما يتم في عدن ومختلف محافظات الجنوب من ظلم وضيم لأبناء شعب الجنوب، من قبل السلطة وأمنها المركزي المدججين بالسلاح وزج الكثير من الشباب في المعتقلات وتعرضهم للتعذيب، بسبب خروجهم في تظاهرات سلمية يعبرون فيها عن رفضهم لسياسة القمع ونهب ثروات وممتلكات الجنوب وإغلاق مصانع الدولة وتوقيف العمال القسري عن العمل، بدون معاشات، كل ذلك كان سبباً في رفضي للمشاركة في الحوار مع عدونا. عما نتحاور؟ لا حوار مع من غدر بنا بعد تنازلنا عن دولتنا القائمة على النظام والقوانين، إنه الجنون، لذلك كتبت مقالتي، حينها (حتى لا أفقد عقلي.. لن أشارك في الحوار). لا يمكن أن أبني مصلحتي على أنقاض المصلحة العامة ومصلحة وطني وأبناء شعبي وهم أهلي وناسي.
س) بتنا نرى اشخاصاً كثر، ناجحين، لكنهم غير فاعلين في خدمة مجتمعهم، كيف يمكن أن يكون الإنسان ناجحاً وفي نفس الوقت فاعلاً وصاحب رسالة؟
ج) لا يمكن لأيٍ كان، خاصة إذا كان قيادياً، أن يحقق النجاح المطلوب، دون أن يبذل جهداً، من أجل الآخرين وتنفيذ المهام المنتصبة أمامه وينطلق في تأدية عمله من إيمانه بعمله وليس لتحقيق مصلحة ذاتية. ونحن نرى أمامنا نماذج كثيرة في المجتمع، هناك عناصر فاعلة ومؤثرة في المجتمع وناجحة جداً، إلا أنها في الظل ولا تسلط عليها الأضواء. وهذه العناصر تحب أن تعمل بصمت، دون ضوضاء، نراها في منظمات المجتمع المدني، في مرافق حكومية وخاصة، حتى في البيت، وسط الأسرة، هذه العناصر التي تحدث تغييراً ولها تأثيرها وسط الناس، هي الناجحة فعلاً، أما البعض الآخر الذي يبحث عن الأضواء، ليس إلا، فهذا هو الفاشل بعينه، وإن كان هناك تأثير في عمله، فهو سريع الذوبان ويصبح أثراً بعد عين وكأن شيئاً لم يكن، بقاء الأثر الجيد والإيجابي، هو النجاح بحد ذاته، لذلك، هناك، أيضاً، أناس يستحقون الثناء في عملهم وتسلط عليهم الأضواء وهؤلاء الذين يتركون أثراً إيجابياً في عملهم وخاصة تلك الأعمال التي يستفيد منها المجتمع.
⁶
س) ما هي الصعوبات التي تواجه المرأة العاملة في مجتمعنا وهل المرأة عدو نفسها، كما يقال؟
ج) كانت للمرأة في الجنوب، قبل نفق الوحدة المظلم، أدوار مشرفة في مختلف مناحي الحياة ولم تكن الحياة، آنذاك، خالية من التحديات والصعوبات، لكن كانت هناك دولة قوية، الكل يتساوى أمام القانون، لذلك كانت التحديات بسيطة وليست كما هي عليه اليوم، في ظل غياب الدولة وفي ظل قوانين عفا عليها الزمن ولا تتناسب مع تطورات الأوضاع في البلاد. إن الحروب التي فُرضت على شعب الجنوب، بعد ١٩٩٠م، ألقت بظلالها على أوضاعه المعيشية وكان لها تأثيرها السلبي على حياته وعلاقاته الاجتماعية. وكانت النساء في بلادنا الأكثر معاناة، لأن الكثيرات يتحملن مسؤولية أسرهن ومنهن عاملات، خارج البيت ولا تجد المرأة تذليلاً للتخفيف من الصعوبات التي تواجهها. ضف إلى ذلك، الأفكار المتطرفة الهدامة والثقافات الأخرى التي شهدناها في الجنوب، بعد ذلك العام المشؤوم، تشكل تحديات كبيرة أمام المرأة الجنوبية، حيث تغيرت نظرة الرجل تجاه المرأة وأصبح البعض يعتبرها تابعة او عالة على المجتمع، وهناك للأسف من يقلل من شأن المرأة، خاصة التي تعمل في مجال الفكر والإبداع الأدبي والإعلامي، كما أن هناك من يحرم نساء عاملات متفوقات في عملهن، من الارتقاء إلى مناصب قيادية في المؤسسات الحكومية وإلى مراكز صنع القرار، في الحكومة ومجلس الرئاسة القيادي، إلا أننا نتفاءل بغد مشرق، آت لا محالة وهذا بفضل عزيمة شعب الجنوب وصلابته وإصراره على استعادة دولة النظام والقانون في الجنوب الفيدرالي القادم، بإذن الله.
أما عن أن المرأة عدو نفسها؛ فهذا نجده أيضاً في المجتمع الذكوري، إذ هناك من لا يحب الخير للآخرين ولا يقدم تنازلات من أجل المصلحة العامة ولا يقتنع بما رزقه الله به. وهذه هي طبيعة البشر، إلا من رحم ربي.
س) التجربة أثبتت أن ضعف الشعب وسخطه يمكن استغلاله في اي وقت لإضعاف السلطة، مهما امتلكت هذه السلطة من الدهاء والحنكة والحيلة في خلق عدو خارجي أو في خلق خلافات وهمية لضمان ولاء الشعب (كما حدث في الماضي القريب، بثورة الشباب).
ج) يجب أن يعي الجميع، أن أي شعب في أي بلد، ليس غبياً.. وشعب الجنوب أنموذجاً؛ فمهما صبر وتحمل، لا بد أن يأتي اليوم الذي يزلزل الأرض تحت أقدام أي طاغية ومستهتر به.
س) هل المجلس الانتقالي اليوم قادر على حفظ الأمن وتجنيب المواطن دفع المزيد من المعاناة؟
ج) لو عدنا عشر سنوات إلى الوراء، سنجد العاصمة عدن، تعيش أوضاعاً أمنية سيئة للغاية، كانت هناك حوادث التفجيرات والاغتيالات والاختطافات.. لم يكن المواطن يجرؤ على الخروج إلى الشارع، بعد العاشرة مساء أو حتى قبلها، وكنا نتوخى الحذر، حتى في النهار، لكن ما تشهده اليوم عدن وكثير من محافظات الجنوب، من أمن مستتب وهدوء، كان بفضل الجهود المبذولة من قبل رجال الأمن والقوات الجنوبية المسلحة والشرطة. اليوم يخرج المواطنون إلى المتنزهات والمتنفسات المفتوحة، حتى ساعة متأخرة من الليل، والمحال التجارية المختلفة مفتوحة، كما تنظم الفعاليات والنشاطات الرياضية والثقافية المختلفة، بكل أمان. كل ذلك، بعد قيام المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي وتفعيل هيئات المجلس المختلفة في محافظات ومديريات الجنوب، كافة. لا مجال اليوم للفوضى والبلطجة وزعزعة الأمن والاستقرار في الجنوب، عموماً وفي عدن، خصوصاً.
س) الكل يشكو من الاوضاع الاقتصادية وعايشين بالبركة، ترى ما الذي ينقص الجنوب لينعم أهله بفرص الحياة الكريمة؟
ج) قلنا سلفاً، أننا متفائلون بغد أفضل ومشرق، ينقصنا فقط الصبر والإيمان بأن اللحظة التاريخية التي ننتظرها قادمة لا محالة ولعلها قريبة، كما لا ننسى أن هناك مجتمع دولي واقليمي يجب التنسيق معه، أما الاشتراطات، فهي موجودة لاستعادة دولة الجنوب وبناء الدولة الفيدرالية المنشودة.