في مدينة عدن، التي تواجه أوضاعاً اقتصادية قاسية منذ سنوات، بات ارتفاع إيجارات المنازل أزمة تؤرق المواطنين، الذين أصبحوا عاجزين عن تحمل هذا العبء المتزايد ومن بين هؤلاء، المواطن قاسم محمد، الذي يصف ما يعانيه يومياً مع ارتفاع إيجار منزله إلى مستويات فاقت قدرته على التحمل.
يقول قاسم: "ما يدفعني هو ما أحصل عليه من راتب شهري بالكاد يكفي لتأمين الاحتياجات الأساسية، لكن مع ارتفاع إيجار المنزل وإصرار المؤجرين على الدفع بالعملة الصعبة، أصبحت الحياة أكثر قسوة من أي وقت مضى."
يضيف قاسم أن ارتفاع الإيجارات لم يؤثر فقط على استقرار الأسر، بل أدى إلى تدهور معيشتهم اليومية، موضحاً أن بعض مالكي العقارات يشترطون الدفع بالريال السعودي أو الدولار، مما ضاعف من الأزمة في ظل انهيار العملة المحلية. ويشير إلى أن العديد من المواطنين لا يستطيعون تأمين السكن لعائلاتهم، ما جعل منازلهم أشبه بالمكان المؤقت الذي قد يضطرون لمغادرته في أي لحظة، خاصة وأن ملاك المنازل لا يترددون في رفع الإيجار بشكل دوري بحجة تدهور العملة المحلية.
التعامل بالعملة الصعبة والقرار غير المنفذ
في مواجهة أزمة الإيجارات، كان محافظ عدن، أحمد حامد لملس، قد أصدر قراراً بمنع التعامل بالعملة الصعبة في عقود الإيجارات، في محاولة للحد من تأثير الأزمة على المواطنين، إلا أن القرار لم يُطبق لفترة طويلة، وعاد كثير من الملاك لفرض شروطهم بالتعامل بالدولار أو الريال السعودي, ويعلق قاسم على هذا الوضع قائلاً: "القرار كان بادرة أمل لنا، لكن سرعان ما تبخرت تلك الآمال عندما تجاهل الملاك القرار وعادوا لفرض شروطهم بالعملة الصعبة، دون أي رقابة تمنعهم."
يضيف قاسم أن ضعف الرقابة سمح لكثير من المؤجرين بالتمادي في رفع الإيجارات بشكل عشوائي، مما جعل الإيجار عبئاً لا يحتمل.
ويوضح أن متوسط الإيجار لشقة مكونة من غرفتين وحمام قد يصل إلى ما يعادل 500 ريال سعودي شهرياً، وهو مبلغ يعادل تقريباً راتبه الشهري، ما يجعله يقضي الشهر كاملاً في محاولات متواصلة لتوفير قيمة الإيجار.
التداعيات الاجتماعية لأزمة الإيجارات
ولا يتوقف تأثير هذه الأزمة عند الجانب المالي، بل يتعداه ليطال الحياة الاجتماعية والنفسية للمواطنين. يتحدث قاسم عن تأثير هذا العبء المادي على استقراره الشخصي والنفسي، قائلاً: "أصبحنا نحيا على أعصابنا، فكل شهر نفكر كيف نوفر الإيجار ونخشى أن نضطر للبحث عن مكان آخر بسبب عدم قدرتنا على الدفع. هذه الحياة المتوترة تؤثر على الأسرة بشكل عام، فاستقرار السكن هو أساس الحياة المستقرة."
ويروي قاسم أنه منذ تزايد الطلب على الإيجار في عدن بسبب النزوح الداخلي، أصبح العديد من الملاك يستغلون الحاجة الملحة للسكن، ما أدى إلى تناقص الخيارات المتاحة ورفع الأسعار بشكل غير مبرر ويشير إلى أنه اضطر أكثر من مرة للبحث عن منزل بديل، لكنه واجه أسعاراً خيالية وشروطاً تعجيزية، مما زاد من إحباطه وأشعره بالعجز عن إيجاد مكان ملائم.
التأثيرات الاقتصادية وارتفاع تكاليف الحياة اليومية
ويشكو المواطنون في عدن من تداعيات أزمة الإيجارات على تكاليف الحياة اليومية. إذ إن غلاء الإيجارات لا يتوقف عند حدود المنازل السكنية، بل يمتد ليشمل المحلات التجارية، مما يؤدي إلى زيادة أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية التي يعتمد عليها المواطنون يومياً. وفي هذا السياق، يقول قاسم: "معظم المحال التجارية أيضاً أصبحت تفرض إيجاراتها بالدولار، وهذا تسبب في ارتفاع أسعار السلع نحن نعاني من ارتفاع الأسعار في كل شيء، حتى أن الحصول على الحاجات الأساسية أصبح مهمة شاقة".
ويضيف قاسم أن غياب الرقابة الحكومية على السوق جعل أصحاب المحلات يتنقلون بين المتاجر باستمرار بحثاً عن الأسعار الأرخص، وأحياناً يجدون أنفسهم مجبرين على شراء السلع بأسعار مرتفعة لا تتناسب مع دخلهم المتدني ويشير إلى أن ضعف القدرة الشرائية للريال اليمني جعل المواطن في وضع غير مستقر، حيث يُضطر للكفاح يومياً لتأمين أبسط احتياجاته، فضلاً عن توفير إيجار المنزل.
أزمة متفاقمة ومناشدات للمسؤولين
في خضم هذه المعاناة، يناشد قاسم السلطات المحلية والحكومة بضرورة التدخل الفعّال لإنقاذ المواطنين من هذه الأزمة يقول قاسم: "نحن بحاجة إلى قرارات صارمة تمنع الملاك من فرض أسعار الإيجار بالعملة الصعبة، وتحمي المواطنين من هذا الجشع الذي زاد من معاناتنا لا نستطيع تحمل المزيد من الأعباء، وعلينا أن نعيش في بيئة مستقرة وآمنة، وهذا لن يتحقق إلا بتطبيق قوانين تحمي حقوق المستأجرين وتلزم الملاك بالالتزام بالعملة المحلية."
ويرى قاسم أن استمرار غياب الحلول للأزمة يزيد من خطر تفاقم الوضع، ويضع المزيد من الأسر في مواجهة التشرد، قائلاً: "هناك الكثير من العائلات التي قد تجد نفسها قريباً في الشارع إذا استمر هذا الوضع، فمن غير الممكن أن يستمر الناس في دفع إيجارات بهذه الأسعار في ظل تدني الرواتب وضعف الدخل".