كشف التعديل الوزاري الذي أضاف منصبا سياديا أساسيا هو وزارة الدفاع إلى الأسرة الحاكمة وتعيين رئيس جديد للديوان الأميري بخلفية أمنية وتنصيب رئيس جديد لجهاز أمن الدولة الذي تم الإعلان عنه الثلاثاء أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قد أحاط نفسه بحلقة ضيقة من القيادات الأمنية، في وقت تستعد فيه البلاد لمرحلة قلقة إقليميا يواجه فيها الدور القطري اختبارات صعبة.
وسعى أمير قطر من وراء التعديل إلى إعادة تركيز المناصب السيادية الحساسة في عدد محدود ومنتقى من الأسرة الحاكمة لتسهيل التعاطي مع الأزمات المنتظرة.
وشمل التعديل نقل رئيس جهاز أمن الدولة عبدالله بن محمد بن مبارك الخليفي من منصبه ليصبح رئيسا للديوان الأميري، وتعيين خلفان بن علي بن خلفان البطي الكعبي رئيسا لجهاز أمن الدولة، الذي يشمل الأمن والمخابرات، وبذلك أصبح الملف الأمني على مكتب الأمير الذي أتى برجل من جهاز الأمن لإدارته مباشرة.
وستوكل إلى رئيس جهاز أمن الدولة السابق والحالي مهمة حماية قطر من أي تصعيد مفاجئ تتعرض له، قد يكون في شكل هجمة انتقامية سياسية -على طريقة تصفية الحساب- من إسرائيل لن يتردد دونالد ترامب في دعمها على خلفية تحميل قطر مسؤولية دعم حماس والتساهل معها بدل الضغط عليها لإطلاق سراح الرهائن.
وتعيين قيادة أمنية عارفة بتفاصيل الملفات الإقليمية يوفر للدوحة حلا لمتابعة الزوايا الأمنية في تلك الملفات بدلا من اضطرار الأمير إلى تكليف رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني بملف مفاوضات الهدنة بما يتجاوز حتى البروتوكولات المتبعة؛ إذ جلس على الطرف الآخر مدير الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ورئيس المخابرات المصرية.
ومن المنتظر أن يكون دور رئيس الديوان الأميري، وكذلك رئيس جهاز أمن الدولة، مهمّا في المرحلة القادمة التي ستعيشها المنطقة وسط مخاوف من اتساع دائرة الحرب في ظل الصراع بين إسرائيل وإيران ومخاطر ارتداده على قطر التي تخشى ردا انتقاميا من إسرائيل من المرجح أن يدعمه ترامب.
وتستدعي هذه المخاوف تقوية الجبهة الداخلية وحصر مركز القرار في دوائر ضيقة وفي شخصيات قريبة من الشيخ تميم ليسهل التنسيق تحسبا لأي اضطراب أو مشكلة أو حادث غير متوقع.
وتوحي التغييرات في المناصب الأمنية العليا بأن قطر ستمر إلى تنفيذ إجراءات سريعة لحماية أمنها من الداخل عبر تفكيك وجود حركة حماس على أراضيها بعد انتهاء مبرر وجودها وانتفاء حاجة القطريين إليها، خاصة بعد تحميلها مسؤولية إفشال مفاوضات الهدنة وإنهاء الوساطة القطرية.
ويرى مراقبون أن تفكيك حماس لن يقف عند إغلاق مكتبها السياسي ومطالبة قياداتها بمغادرة قطر والبحث عن دولة أخرى لاستقبالها، مشيرين إلى أن وجود الحركة في الدوحة أنتج شبكات من الإخوان من مختلف الدول تحت عناوين مختلفة ومبررات متعددة، تعليمية ودينية وإعلامية ورياضية واقتصادية، ومن المنتظر أن يتم تفكيك هذه الشبكات ولو على مراحل لتصفية حقبة التحالف القطري – الإخواني الذي تم تحت أنظار الأميركيين، لكنه صار غير مرغوب فيه.
وكشفت التسريبات الأخيرة أن قطر، منذ هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، قررت حسم ملف حماس ورفع اليد عنها بعد أن أفضت مغامرة الحركة إلى ضرب دور الدوحة ووساطتها، وسببت مشاكل بين القطريين والإسرائيليين الذين يتهمون قطر بدعم حماس وتمويلها.
وأصدر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمرا بتعديل تشكيل مجلس الوزراء، تضمن على وجه الخصوص تغييرات في حقيبة الدفاع ورئاسة الديوان الأميري وجهاز أمن الدولة.
ونص الأمر على تعيين الشيخ سعود بن عبدالرحمن بن حسن بن علي آل ثاني، نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للدولة لشؤون الدفاع خلفا لخالد بن محمد العطية.
وبهذه الخطوة تصبح رئاسة الحكومة ووزارات الخارجية والدفاع والداخلية بيد أقرب المقربين من الشيخ تميم، من ضمنهم أخوه الشيخ خليفة بن حمد الذي تم تعيينه في مارس 2023 وزيرا للداخلية.
وتعيين رئيس جهاز المخابرات السابق في منصب رئيس الديوان الأميري يجعله أقرب إلى الشيخ تميم، ما يوحي بأنه سيكون مكلفا بالتنسيق السياسي والعسكري والأمني بين أعضاء الفريق الجديد.
وحظي رئيس الديوان الأميري الجديد في أغسطس الماضي بتكريم استثنائي من جهاز المخابرات الأميركية قبل أشهر قليلة في أوج الجدال بشأن مفاوضات الهدنة بين حماس وإسرائيل.
ونقل موقع أكسيوس الأميركي عن مصادر قولها إن عبدالله بن محمد الخليفي تم منحه وسام جورج تينيت “تقديرا لدوره في الحفاظ على الأمن الوطني والإقليمي، والدعم الاستثنائي الذي قدمه لوكالة الاستخبارات المركزية في الحفاظ على مصالح وأمن الولايات المتحدة وقطر.” وفي سياق التعديل الحكومي تم تعيين محمد سيف السويدي رئيسا تنفيذيا لجهاز قطر للاستثمار.
وشغل السويدي منصب رئيس الاستثمارات في الأميركتين ضمن صندوق الثروة السيادي الذي تبلغ قيمته 510 مليارات دولار، وأسس في السابق مكاتب الصندوق وفريق الاستثمارات في نيويورك.
ويحل السويدي محل منصور بن إبراهيم آل محمود الذي عيّنه الشيخ تميم وزيرا للصحة العامة، كما عين الشيخ فيصل بن ثاني بن فيصل آل ثاني وزيرا جديدا للتجارة والصناعة في البلاد.
والشيخ فيصل هو رئيس استثمارات آسيا والمحيط الهادي وأفريقيا في جهاز قطر للاستثمار ورئيس مجلس إدارة مجموعة الاتصالات القطرية (أريدو). ومن غير الواضح ما إذا كان سيبقى في هذين المنصبين.
كما عين أمير قطر لولوة بنت راشد الخاطر وزيرة جديدة للتربية والتعليم والتعليم العالي، وكانت قد شغلت سابقا منصب وزيرة الدولة للتعاون الدولي وقادت جهود قطر الإنسانية العالمية، وخصوصا في غزة ولبنان. وقادت لولوة أيضا الدور القطري في التوسط لإعادة عشرات الأطفال الأوكرانيين إلى بلادهم من روسيا أو الأراضي التي تحتلها روسيا.