تعيش مدينة عدن، وضعًا بيئيًا وصحيًا خطيرًا بعد الأمطار الغزيرة التي هطلت مؤخرًا وأغرقت عددًا من مديرياتها، مثل الشيخ عثمان ودار سعد والمنصورة, هذه الأمطار التي بدأت السبت الماضي لم تكن مجرد ظاهرة طبيعية عابرة، بل أصبحت سببًا رئيسيًا لتفاقم مشكلات بيئية وصحية تهدد حياة السكان وتزيد من معاناتهم اليومية.
مع انتهاء الأمطار، غطت المياه المتجمعة معظم الشوارع والأحياء، وتحولت إلى برك راكدة تجذب البعوض وتساعد على تكاثره هذا الوضع ينذر بخطر انتشار الأمراض المعدية مثل الملاريا وحمى الضنك، فضلًا عن تزايد احتمالية تفشي وباء الكوليرا الذي عاد للظهور بقوة في مناطق عدة من اليمن، بما في ذلك عدن.
السكان يدقون ناقوس الخطر
في ظل هذا الوضع، أطلق سكان المدينة تحذيراتهم للجهات المختصة العديد من المواطنين أبدوا قلقهم الشديد من عواقب استمرار تجمع المياه الراكدة في الأحياء السكنية، مؤكدين أنها أصبحت بيئة مثالية لتكاثر الحشرات، خاصة البعوض الناقل للأمراض.
وقال أحد سكان مديرية الشيخ عثمان: "نشاهد انتشارًا كبيرًا للبعوض في كل مكان، خاصة في الساعات المسائية نطالب السلطات بسرعة التدخل ورش المبيدات قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة".
وتأتي هذه المناشدات في وقت حذر فيه المواطنون من أن التأخير في معالجة هذه الأزمة سيؤدي إلى كارثة صحية كبيرة، حيث إن تكاثر الحشرات لا يقتصر فقط على انتشار الأمراض، بل يمتد إلى التأثير السلبي على جودة الحياة اليومية، خاصة للأطفال الذين يخرجون للعب في الشوارع الملوثة.
ارتفاع الإصابات بالكوليرا
في سياق متصل، تتحدث التقارير الصحية عن تصاعد كبير في عدد الإصابات بمرض الكوليرا في اليمن فبحسب إحصائيات رسمية، بلغ عدد حالات الكوليرا المسجلة منذ بداية العام الجاري 2024 نحو 220 ألف حالة، مع زيادة ملحوظة خلال الأسابيع الأخيرة وفي عدن تحديدًا، أكدت مصادر طبية وجود عشرات الإصابات بالكوليرا التي تم تسجيلها في المستشفيات الحكومية والخاصة.
وأوضح مكتب الصحة العامة في عدن أن معظم الحالات تأتي نتيجة لاختلاط مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي ومياه الشرب هذا التداخل يؤدي إلى تلوث المياه وانتقال البكتيريا والطفيليات المسببة للكوليرا، خاصة بين الفئات الأكثر ضعفًا مثل الأطفال وكبار السن.
وفي هذا الصدد، كشف مستشفى الصداقة الحكومي أن مركز العزل الخاص بالكوليرا استقبل نحو 80 حالة مشتبه بها منذ أواخر أكتوبر وحتى منتصف نوفمبر الجاري.
وأشارت المصادر الطبية في المستشفى إلى أن هناك حالات مؤكدة بالإصابة بالكوليرا، إلا أن العدد الفعلي قد يكون أكبر من المعلن، حيث يلجأ العديد من المرضى إلى مستشفيات خاصة لا تبلغ عن الحالات إلى الجهات الصحية الرسمية.
تصريحات الدكتور جلال الزوعري
في تصريح خاص لصحيفة "عدن تايم"، أكد الدكتور جلال الزوعري، مدير عام البيئة وتغير المناخ والصحة بوزارة الصحة، أن الوضع في عدن أصبح مقلقًا للغاية بسبب تلوث البيئة وانتشار الأمراض المرتبطة بالمياه الراكدة.
وقال الزوعري:"المشكلة الرئيسية هي اختلاط مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي ومياه الشرب، مما يؤدي إلى انتشار واسع للطفيليات والبكتيريا التي تسبب الإسهالات الحادة وأمراضًا مثل الكوليرا.. الأطفال بشكل خاص معرضون للخطر لأنهم يلعبون في هذه المياه الملوثة، مما يعرضهم للإصابة بالعديد من الأمراض".
وأضاف الزوعري: "هناك سبب آخر يزيد من تفاقم المشكلة، وهو وجود بويضات البعوض في الأرض، حيث يساعد تجمع مياه الأمطار على فقسها وانتشار الحشرات بشكل كبير جدًا, هذه الحشرات تُعد الناقل الرئيسي لأمراض مثل الملاريا وحمى الضنك".
وأشار إلى أن استمرار تجمع المياه لا يؤثر فقط على الصحة العامة، بل يعيق الحركة اليومية ويشكل خطرًا على المباني المتهالكة التي قد تنهار نتيجة التشبع بالمياه.
المخاطر الصحية المرتبطة بالمياه الراكدة
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، 88% من الأمراض المنقولة بالمياه ترتبط بسوء النظافة والصرف الصحي غير الكافي وتُعد المياه الراكدة بيئة خصبة لتكاثر الحشرات والبكتيريا، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المعدية.
وتوضح تقارير صحية أن المياه الراكدة الناتجة عن الأمطار أو فيضان المجاري تُعد مصدرًا رئيسيًا لنقل خمسة أمراض خطيرة هي حمى الضنك والملاريا والتهابات فيروسية وأمراض بكتيرية وحساسية الجلد كما أن وجود المياه الراكدة يساعد على تكاثر أنواع مختلفة من البكتيريا، مثل البكتيريا اللاهوائية، التي تسبب أضرارًا كبيرة للبيئة والصحة العامة.
إجراءات وقائية لتجنب الكارثة
في مواجهة هذه التحديات، أوصت الجهات الصحية بضرورة اتخاذ تدابير وقائية عاجلة للحد من انتشار الأمراض. وتشمل هذه الإجراءات: التخلص من المياه الراكدة في المناطق السكنية, واستخدام المبيدات الحشرية ورش الأحياء للسيطرة على انتشار البعوض, والتأكد من نظافة المياه المستخدمة للشرب والطهي, وغسل الفواكه والخضروات جيدًا قبل تناولها, وتحسين النظافة الشخصية وغسل اليدين باستمرار.
دعوات لتحرك عاجل
تظل مدينة عدن في حاجة ماسة إلى تدخل فوري من الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية لاحتواء الأضرار الناتجة عن الأمطار الغزيرة. فالمشكلة لم تعد تقتصر على انتشار الأمراض، بل تشمل أيضًا ضعف البنية التحتية التي تجعل المدينة غير قادرة على التعامل مع مثل هذه الأزمات.
المواطنون في عدن يأملون في استجابة سريعة من الجهات المعنية لإنقاذ الوضع قبل أن تتحول المشكلة إلى كارثة صحية شاملة. ومع استمرار تفاقم الأزمة، تبقى الحلول الوقائية والتعاون بين مختلف الجهات هي المفتاح لتجاوز هذه المحنة.