- بدأ تكاثف التحركات السياسية الأميركية الداعمة لـ”الديمقراطية” والهادفة لإحياء دور الأحزاب اليمنية يثير ريبة المجلس الانتقالي الجنوبي، كون تلك التحركات انصبّت على مناطق نفوذ المجلس وبدا أنّها تستهدف التمكين لكيانات سياسية مضادّة في برامجها وأيديولوجيتها لمشروعه المتمثّل في تأسيس دولة الجنوب المستقلّة.
وتمّ خلال الفترة القريبة الماضية تسجيل نشاط غير اعتيادي لدبلوماسيين ومؤسسات أميركية تعنى بالديمقراطية، كان أبرزها حضور السفير الأميركي لدى اليمن ستيفن فاجن مؤخّرا لفعالية انتظمت في عدن وتمّ خلالها الإعلان عن تكتّل حزبي واسع داعم للسلطة الشرعية اليمنية قاطعها الانتقالي، بينما قالت مصادر سياسية إنّ سفارة الولايات المتحدة هي من وقفت أصلا وراء تأسيس التكتل الجديد.
وفي نطاق التحركات الموازية للاهتمام الأميركي المفاجئ بالديمقراطية التي لا تعد مطلبا ملحا في اليمن الذي يواجه سكانه صعوبات حياتية جمّة وصلت حدّ تهديد المجاعة والأوبئة لعدد كبير منهم، بادر المعهد الديمقراطي الأميركي بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى تنظيم فعالية سياسية في مدينة المكلاّ مركز محافظة حضرموت “هادفة لدعم المكونات الشبابية بالمحافظة”، لكنّ المنظمين فوجئوا باقتحامها من قبل مجموعة من شباب المدينة المعروف عنها كونها معقلا رئيسيا للمجلس الانتقالي الجنوبي، ومنعهم من مواصلة الفعالية.
ولم يتبنّ الانتقالي ما قام به هؤلاء الشبان، لكن مصادر محلّية قالت إنّ ما أقدموا عليه يعكس مزاجا عاما لدى أنصار المجلس ومساندي مشروعه تجاه عملية تجميع الأحزاب المرتبطة على ما يبدو بجهود تأسيس معسكر حزبي موسّع وتهيئه للمشاركة في مسار إرساء حلّ سلمي للصراع اليمني قد لا يكون إنشاء دولة الجنوب المنشودة ضمن خطواته.
وأظهرت كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة اهتماما مفاجئا بدور الأحزاب في اليمن، وذلك على الرغم من التراجع الشديد في دور تلك الأجسام السياسية سواء في مناطق سيطرة الحوثيين أو في مناطق الشرعية حيث تقدمت إلى واجهة الفعل قوى ما فوق حزبية.
ودعا السفير فاجن في وقت سابق الأحزاب والمجموعات السياسية في اليمن إلى نبذ خلافاتها وإيجاد إطار لتطوير التنسيق والتعاون فيما بينها.
جاء ذلك بعد أن كان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ قد أعلن عن شروع مكتبه في إجراء مشاورات مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني لبلورة رؤية لعملية سلام شاملة في البلاد.
وتعكس تلك الالتفاتة الأميركية – الأممية لدور الأحزاب اليمنية مدى الصعوبة التي يواجهها المجتمع الدولي في التعاطي مع المشهد اليمني شديد التشتت والعصي عن التأطير.
لكنّ الأمل في اتّخاذ الأحزاب اليمنية طرفا محاوِرا يصطدم بالقدرات الفعلية لتلك الأحزاب ومدى شعبيتها وحضورها الحقيقي بين فئات المجتمع.
وقال فاجن إن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والمعهد الديمقراطي الوطني يدعمان تحالف الأحزاب والمجموعات السياسية في اليمن لتطوير إطار للتعاون والتقدم. وورد في منشور بثّته السفارة الأميركية لدى اليمن بمناسبة اليوم العالمي للديمقراطية قوله “الآن أكثر من أيّ وقت مضى على اليمنيين أن يضعوا خلافاتهم السياسية جانبا ويتوحدوا لمواجهة التحديات اليومية التي يواجهونها”.
وجاء لاحقا إعلان تشكيل تكتل سياسي موسّع من عدد كبير من الأحزاب والقوى السياسية، ليس من بينها المجلس الانتقالي الجنوبي، بمثابة استجابة لدعوة السفير.
ويعارض المجلس تشكيل أيّ كيان مواز يكون شريكا بديلا عنه للشرعية اليمنية خلال المرحلة المقبلة التي قد تكون مرحلة تمرير اتفاق سياسي مع الحوثيين بشأن حل سلمي للصراع.
وأعلن ثلاثة وعشرون حزبا ومكوّنا سياسيا متعدّدة التوجهات والمشارب الفكرية والأيديولوجية من بينها حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب التجمع اليمني للإصلاح فرع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن عن تأسيس “التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية”.
وجاء في بيان التأسيس التأكيد على التزام التكتل الجديد بالدستور والقوانين السارية والتمسّك بالمرجعيات المتفق عليها محليا ودوليا.
ووضع تكتّل الأحزاب “استعادة الدولة اليمنية وتوحيد القوى الوطنية في مواجهة التمرد والانقلاب” (الحوثي) ضمن أبرز أهدافه.
وتعرّض إلى ما سمّاه القضية الجنوبية التي قال في بيانه إنّ حلّها يعدّ “مفتاحا أساسيا لأيّ حل سياسي شامل وعادل،” داعيا إلى “ضرورة وضع إطار خاص بالقضية الجنوبية ضمن الحل السياسي النهائي لليمن”.
لكنّ البيان شدّد في المقابل على التزام التكتل “بالحفاظ على النظام الجمهوري في إطار دولة اتحادية مع التأكيد على سيادة واستقلال الجمهورية اليمنية وسلامة أراضيها”.
ومن شأن هذه النقطة الأخيرة أن تشكّل عامل افتراق نهائي بين التكتّل الجديد والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي أعلن رفضه المشاركة فيه بينما بادرت جهات مقرّبة منه إلى شنّ حملة نقد عنيفة للتكتّل منذ رواج خبر إنشائه.