أخرجت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة في اليمن إلى العلن الخلافات داخل السلطة الشرعية والدائرة هذه المرّة بين مجلس القيادة الرئاسي وحكومة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك.
وتحدّثت وسائل إعلام محلية، الثلاثاء، نقلا عن مصادر وصفتها بالمطلعة عن قيام المجلس الذي يقوده الرئيس رشاد العليمي بإلغاء قرارات اتّخذها بن مبارك تتعلّق بإدارة القطاع النفطي، بينما عاد الحديث داخل الأوساط السياسية والإعلامية اليمنية عن سيناريو إقالة الحكومة كمهرب آني من اشتداد الضغوط المسلطة على الشرعية جرّاء طول الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية والتي بدأت تُترجم إلى غضب شعبي وتهديدات بالإضرابات وإشعال الاحتجاجات في الشارع.
وقرّر رئيس الحكومة مؤخّرا تكليف عبدالله الدمبي مديرا عاما تنفيذيا للشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية، وسعيد ثابت للقيام بمهام المدير التنفيذي لشركة مصافي عدن، لكنّ التعيينين الجديدين ألغيا من قبل مجلس القيادة الرئاسي الذي أمر بإعادة الأمور بالشركتين إلى ما كانت عليه وألزم الحكومة، بحسب ذات المصادر، بعدم اتخاذ أيّ قرارات أخرى تتعلق بإدارة الثروة النفطية والمعدنية.
وعلّق السياسي هاني البيض على ما وصفه بالخلافات الدائرة بين رئيس مجلس القيادة ورئيس الحكومة واصفا إياها بالأمر المؤسف كونها تأتي في فترة صعبة وحساسة. وكتب البيض في حسابه على منصة إكس أنّ الأمر يتعلّق “بحالة من تضارب الأدوار غير المبرر في ظل غياب روح التوافق بالمجلس القيادي نفسه، وحالة انعدام للثقة وضعف العلاقة الوظيفية السليمة بين الحكومة والمجلس الرئاسي من ناحية أخرى."
وأضاف مستنتجا أنّ "الواضح أنه خلاف بين مستويين هامين في السلطة الشرعية اليمنية كأعلى سلطة سياسية، وأعلى سلطة تنفيذية وعلى مستوى اتخاذ القرار." واعتبر البيض أنّ “الواقع يشير بوضوح إلى خلل كبير على مستوى الشراكة في العملية السياسية القائمة والتي كانت تعول عليها الأطراف المعنية المتآلفة مرحليا ويدعمها المجتمع الدولي والإقليمي دون جدوى."
ورأى أنّ “الخلافات أثرت بشكل مباشر على مستوى التعاون والتنسيق والعلاقة الوظيفية وشكلت عجزا كبيرا في الأداء الحكومي وتلبية احتياجات الناس، وهي من دون شك تعيق اليوم كثيرا من المهام المرحلية المليئة بالتحديات على أصعدة مختلفة وبعضها أكثر أهمية ويتطلب سيادة روح الدولة ومؤسساتها وضرورة العمل كفريق واحد متجانس قوي ومتكامل إذا كانوا (المسؤولون) يفكرون بشكل سليم بعيدا عن الحسابات الضيقة والمماحكات السياسية."
وأوضح أنّ “ما يهمّ في هذه الظروف أن الصورة السيئة التي أضحت عليها الحكومة جعلت الناس في الداخل ساخطين على الجميع في ظل كل الإخفاقات وتراكم متاعب المواطنين ومعاناتهم المستمرة.” وحذّر من أنّه “من دون معرفة الحقيقة ومعرفة المتسبب والمعرقل، تبدو هذه الأزمة مرشحة للتفاعل."
وتشهد العديد من المدن ومراكز المحافظات التابعة للشرعية حالة احتقان شعبي منذر بالانفجار الذي لاحت بوادره بالفعل في بعض المدن ومراكز المحافظات التي شهدت احتجاجات شعبية على تردي الأوضاع المعيشية والخدمية، بينما صعّدت النقابات والأحزاب من ضغوطها على الحكومة ملوحة بتفجير الاحتجاجات وشنّ الإضرابات.
وبدت الشرعية والحكومة التابعة لها قليلتي الحيلة أمام الانهيار الاقتصادي والمالي المتسارع والذي تحوّل تهاوي قيمة عملة الريال المحلية أحد أبرز مؤشراتها. ولم تنجح مزادات العملة التي لجأ إليها البنك المركزي التابع للشرعية كحل عاجل لمعالجة الأزمة في وقف ذلك التراجع بينما بدا البحث عن تمويل خارجي هو الحلّ الوحيد المتاح حاليا.
واستشعارا لخطورة الأزمة بدأت قوى سياسية تأخذ مسافة عن الشرعية محمّلة إياها المسؤولية عمّا يجري في مناطقها. ودعت الأحزاب والقوى السياسية بمحافظة تعز بجنوب غرب اليمن الحكومة والمجلس الرئاسي لتحمل مسؤولياتهما ومعالجة الانهيار الاقتصادي ومواجهة تداعيات انخفاض قيمة العملة المحلية وانعكاساتها الكارثية على حياة المواطنين.
وأعلنت عن تنظيمها وقفة احتجاجية للتنديد بتدهور الأوضاع الاقتصادية وانقطاع مرتبات الموظفين للشهر الثاني على التوالي. وقالت الأحزاب في بيان أصدرته إثر اجتماع خصص لمناقشة الأوضاع الاجتماعية الصعبة إنّها تقف إلى جانب المواطنين في مواجهة تداعيات انخفاض قيمة العملة وما تسببه من ضغوط معيشية خانقة، مطالبة المجلس الرئاسي والحكومة باستنفار الجهود لإيجاد حلول عملية وسريعة لتجنب الانهيار الاقتصادي.
ويأتي ذلك بينما بدأت التحركات النقابية تتّسع ملوّحة بسلاح الإضراب الذي بدأ استخدامه بالفعل مطلع الأسبوع الجاري في المدارس ورياض الأطفال ومكاتب التربية والتعليم بعدن، وذلك احتجاجا على تأخّر صرف رواتب العاملين في القطاع على مدى شهرين متتاليين.
ولم يتمكّن المعلمون في عدن حتى نهاية شهر نوفمبر من الحصول على راتب الشهر وشهر أكتوبر الذي قبله، فيما اكتفت الحكومة بصرف منحة مالية لهم كانت اعتمدتها السلطة المحلية كحافز شهري لكل معلم وتبلغ قيمتها ثلاثين ألف ريال وهو مبلغ زهيد قياسا بموجة الغلاء وانهيار قيمة الريال.
وكانت محافظة شبوة قد شهدت دعوات مماثلة للإضراب في قطاع التعليم، بينما نفّذت نقابة الهيئة التدريسية بجامعة لحج وقفة احتجاجية بكلية التربية والعلوم بمدينة صبر على تدهور الأحوال المعيشية للأساتذة والأكاديميين أعلنت قيادة النقابة خلالها عن قرارها عقد اجتماع موسع مع النقابات الأخرى لتحديد آليات التصعيد واستعراض الخطوات القادمة.
من جهتها أعلنت النقابة العامة لمصلحة الضرائب، الثلاثاء، عن بدء إضراب عام احتجاجا على توقّف مرتبات موظفي المصلحة. وقال مسؤول إعلامي في نقابات عمال الجنوب إنّ الإضرابات بدأت تدريجيا في عدة مرافق حيوية بدءا من قطاع التربية والتعليم مرورا بالجامعات والصحة وصولا إلى مصلحتي الضرائب والجمارك.
وعبّر البيض عن أمله في ألاّ تخلق الأزمة القائمة وما أشعلته من خلافات مأزقا سياسيا جديدا، داعيا لأن “يتحمل الرئيس ونوابه مسؤولية تصحيح الوضع الحالي الذي يعيشه البلد والشعب وذلك بإيجاد حكومة وطنية توافقية قادرة على مواجهة التحديات وتلبية متطلبات المرحلة."
ولفت إلى أنّ "الإشكاليات القائمة متعددة الأوجه والجوانب والأطراف ولكنها قابلة للحل والتسوية والتغيير وهي ذات أولوية سياسية واقتصادية في الوقت الراهن، لكن ما يفاقمها هو الممارسات الخاطئة في كيفية إدارة شؤون الدولة والمجتمع بمفهوم الدولة الحديثة بعيدا عن الانتقائية الخاطئة من المحاصصة والمحسوبيات والاعتبارات العقيمة الأخرى عند اختيار رجال الحكومة والدولة معا."
ولا تمتلك الشرعية اليمنية الكثير من الخيارات لوقف مسار الأزمة بسبب افتقارها للموارد بعد أن خسرت المورد الأهم وشبه الوحيد للعملة الصعبة بتوقف تصدير النفط إثر استهداف الحوثيين لمنْفذي تصديره ميناء الضبة في حضرموت وميناء النشيمة في شبوة.
وفاقم من الأزمة بروز ظاهرة احتفاظ المحافظات بمواردها وامتناعها عن تحويلها إلى البنك المركزي، بذريعة استخدامها محليا في تلبية متطلبات السكّان.
ولجأت حكومة بن مبارك إلى حلول عاجلة لمواجهة بعض الأزمات ذات العلاقة المباشرة بحياة السكّان والمثيرة لغضبهم مثل أزمة الكهرباء. وأظهرت وثيقة نشرتها الثلاثاء وسائل إعلام محلية قيام السلطات بخصم مبلغ مالي كبير من حسابات تابعة لمؤسسات حكومية مختلفة لتغطية عجز وقود كهرباء عدن.
وصدرت الوثيقة بحسب ناشريها عن وزارة المالية وتضمنت توجيها للبنك المركزي اليمني وبنك التسليف التعاوني الزراعي بتنفيذ عمليات الخصم المذكورة في خطوة وصفت بالخطرة على سير المؤسسات المعنية بعمليات الخصم من حساباتها.