لم يكن الشاب قاسم لزرق يتوقع أن يجد مدينة عدن، التي لم يزرها منذ سنوات، غارقة في ظاهرة محلات بيع القات التي انتشرت بشكل ملحوظ, خلال مروره بسيارته في شارع التسعين بمديرية المنصورة، صُدم قاسم بالمشهد: عشرات المحلات المنتشرة على طول الشارع، بتصاميم جذابة وديكورات ملفتة، تبدو وكأنها تدعو بشكل مباشر لتعاطي القات وتروج لشجرة طالما كانت مصدر جدل في المجتمع العدني.
انتشار محلات القات كالنار في الهشيم
في أقل من عام، تم افتتاح أكثر من 60 محلًا لبيع القات في أحياء مختلفة من مديريات عدن. هذا الانتشار السريع وغير المسبوق يعكس ظاهرة سيئة تحتاج إلى تدخل حازم من السلطات.
فقد أصبح منظر محلات القات وسط الأحياء السكنية والتجمعات التجارية أمرًا شائعًا، مما يسيء لمظهر المدينة ويهدد بقيم المجتمع وأخلاقياته.
قاسم لزرق، الذي كان يتحدث بمرارة عن هذا التغير، قال: "عدن لم تكن يومًا بهذا الشكل أين ذهبت روح المدينة وثقافتها؟ كيف نسمح بتحويلها إلى مركز لترويج القات؟".
مطالبات بإخراج أسواق القات من المدينة
في الوقت الذي يطالب فيه الكثيرون بنقل أسواق القات إلى أطراف المدينة بعيدًا عن الأحياء السكنية، نجد أن تراخيص بيع القات تُمنح بسهولة لأصحاب المحلات، مما يزيد من تفاقم المشكلة. تساءل الصحفي الجنوبي ياسر اليافعي: "من الذي يمنح هذه التسهيلات؟ وهل يدرك المسؤولون خطورة ما يفعلونه؟"
وأضاف اليافعي: "انتشار محلات القات ليس أمرًا بسيطًا كما يراه البعض. إنه ظاهرة تُعمق ثقافة القات بين الشباب وتُسهم في تعزيز الإدمان عليه. السؤال المطروح: إلى أين تقودون شباب الجنوب؟ وأي مستقبل ينتظرهم مع هذه السياسات؟".
إلى أين تقودون شباب الجنوب؟
شباب عدن، الذين يُفترض أن يكونوا العمود الفقري لبناء مستقبل المدينة، يجدون أنفسهم محاصرين بثقافة القات التي تستهلك وقتهم وأموالهم.
يقول الخضر صالح، أحد متعاطي القات منذ أكثر من عقد: "أصرف نصف راتبي على القات أحيانًا أقلل من نفقات البيت لتوفير القات هذه عادة مدمرة، لكن من الصعب التخلي عنها مع كل هذا الترويج والتسهيلات".
ويتراوح سعر الرزمة الواحدة من القات بين ثلاثة آلاف ريال ومليون ريال، حسب الجودة والوزن ومع ذلك، فإن أغلب المتعاطين ينفقون ما يزيد على عشرة آلاف ريال يوميًا للحصول على القات، مما يضع ضغطًا كبيرًا على دخل الأسرمن المفارقات أن البعض يفضل شراء القات على حساب احتياجات أساسية لعائلته.
من يتحمل المسؤولية؟
عودة قاسم لزرق إلى عدن لم تكن تجربة سعيدة، فقد وجد المدينة مختلفة بشكل كبير عن الصورة التي حفظها عنها تساءل قاسم: "كيف نصل إلى هذا الحد؟ لماذا لا تتحرك الجهات المعنية للحد من هذه الظاهرة التي تنخر في نسيج المجتمع؟"
يشير كثيرون إلى أن انتشار محلات القات يعكس غياب الرقابة وضعف التخطيط. فبدلاً من مواجهة المشكلة، يبدو أن هناك تواطؤًا أو إهمالًا من قبل السلطات المحلية.
يقول أحد السكان المحليين: "نعلم أن بعض المسؤولين يتغاضون عن هذا الأمر لأسباب مجهولة، ربما لتحقيق مصالح شخصية، ولكن الثمن الذي يدفعه المجتمع كبير جدًا."
التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية
ظاهرة انتشار محلات القات لا تقتصر آثارها على المظهر العام للمدينة، بل تمتد لتشمل تأثيرات اجتماعية
واقتصادية خطيرة من بين هذه التأثيرات: استنزاف دخل الأسر: يشير الخضر صالح إلى أن القات يستهلك جزءًا كبيرًا من دخله الشهري، مما يؤثر على قدرته على توفير احتياجات أسرته الأساسية.
تراجع الإنتاجية: يشير خبراء إلى أن تعاطي القات يؤثر بشكل كبير على إنتاجية الشباب في العمل والدراسة، مما يؤدي إلى تدهور الأداء في مختلف القطاعات.
تعزيز الإدمان: التوسع السريع لمحلات القات يسهم في زيادة عدد المتعاطين، خاصة بين الشباب، مما يجعل من الصعب على المجتمع مكافحة هذه الظاهرة.
الحاجة إلى وقفة جادة
مع كل هذه المشكلات، يبدو أن الحل يبدأ من اتخاذ خطوات جادة لوقف انتشار محلات القات يقول ياسر اليافعي: "ما يحدث في عدن كارثة حقيقية. يجب على المسؤولين أن يضعوا حداً لهذه الفوضى وأن يراجعوا السياسات المتعلقة ببيع القات."
من جانبه، دعا قاسم لزرق إلى تنظيم حملات توعية تستهدف الشباب لتوضيح مخاطر تعاطي القات، بالإضافة إلى فرض قوانين صارمة تحد من منح تراخيص بيع القات في الأحياء السكنية.
رسائل من المجتمع
عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تتزايد الدعوات من قبل سكان عدن لوقف انتشار محلات القات يقول أحد المغردين: "إذا استمرت هذه الظاهرة، فإن مستقبل المدينة سيكون على المحك نحن بحاجة إلى إرادة قوية من الجميع لمكافحة هذا الدمار."
وأضاف آخر: "الأمر ليس مجرد بيع القات، بل هو تهديد لقيمنا وأخلاقنا يجب أن نتحرك الآن قبل فوات الأوان."
الخلاصة
إن انتشار محلات القات في عدن بات ظاهرة لا يمكن تجاهلها، مع ما تحمله من تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة ومع ذلك، فإن الحل لا يزال ممكنًا إذا ما تكاتفت جهود المجتمع والسلطات المحلية لمواجهة هذه الظاهرة كما قال قاسم لزرق: "عدن تستحق الأفضل، وشبابها بحاجة إلى مستقبل مشرق بعيدًا عن ثقافة القات."