"تشكل الضربات الجوية الأمريكية الأخيرة ضد مليشيا الحوثي، والتي نُفذت عقب تصاعد الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، تطورًا لافتًا في المشهد الإقليمي والدولي، يحمل دلالات تتجاوز حدود الفعل العسكري المباشر؛ فالمشهد يضع جماعة الحوثي في مواجهة مباشرة مع واحدة من أقوى القوى في العالم، ويعيد طرح سؤال المشروعية والأمن والاستقرار في اليمن، ما يفرض على مختلف الأطراف - وفي مقدمتها القيادة الجنوبية - ضرورة التفاعل الاستراتيجي مع المستجدات وتوظيفها لصالح الأهداف السياسية لشعب الجنوب.
الخطاب الأمريكي، الذي تمثل في منشور مباشر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب على منصة "إكس" يوم أمس الجمعة، والذي أرفقه بمقطع فيديو يوثق ضربة جوية استهدفت تجمع لعناصر من مليشيا الحوثيي وعلق عليه "لن يغرقوا سفننا مجددًا"، يعكس تغيرًا في لهجة واشنطن وتعاملها مع مليشيا الحوثي. وهذا التحول يفتح المجال أمام القوى الجنوبية ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي لتقديم نفسها كقوة فاعلة تقف في صف استقرار المنطقة، وكطرف جدير بالدعم في مواجهة جماعة موصوفة رسميًا بالإرهابية.
وعلى ضوء هذا التحول، يُفترض بالقيادة الجنوبية أن تتحرك ضمن مسارين متوازيين: الأول سياسي ودبلوماسي يهدف إلى تعظيم المكاسب، والثاني عسكري وأمني يعزز من حضورها على الأرض ويكرسها كقوة شرعية مسؤولة؛ ففي المسار السياسي، تبرز أهمية فتح قنوات تواصل مباشر مع الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والتحالف العربي والمنظمات الدولية المؤثرة، بهدف إبراز الدور الجنوبي في مواجهة الحوثيين والجماعات الإرهابية الأخرى، والتأكيد على أن الجنوب ليس مجرد طرف في صراع داخلي، بل شريك إقليمي ودولي في حماية أمن البحر الأحمر وممرات التجارة الدولية، وهي ورقة سياسية ثمينة لا بد من استغلالها في تعزيز الاعتراف الدولي بالقضية الجنوبية.
وفي السياق نفسه، يمكن للقيادة الجنوبية الدفع نحو تفعيل أدوات الضغط الدولي لتكريس واقع مؤسسي في العاصمة عدن، عبر نقل المقرات الرئيسة للبنوك والمنظمات الدولية والسفارات، وتقديم نموذج مختلف للحكم الرشيد والأمن المستقر، ما يسهم في ترسيخ صورة الجنوب كبيئة حاضنة للسلام والتنمية، خلافًا لما يجري في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي.
أما على المستوى العسكري؛ فإن التراجع الحوثي أمام الضربات الخارجية، يمنح الجنوب مساحة للمناورة وتكثيف العمليات الأمنية والاستخباراتية في الجبهات المفتوحة مثل الضالع، ويافع، وكرش، ومكيراس، وشبوة، وغيرها، مع التركيز على استهداف تحركات الجماعة ومصادر تهديدها، بالتنسيق مع التحالف العربي، وضمن نطاق دفاعي مشروع. كما أن القرار العسكري الجنوبي الموحد سيعزز من فرص تحقيق تقدم نوعي على الأرض لتحرير باقي المناطق الجنوبية التي لازالت تحت سطوة مليشيا الحوثي وباقي القوى الأخرى، خصوصًا إذا ما تم دمج البُعد الاستخباراتي والتقني في رسم وتخطيط العمليات.
وعلى الصعيد الإعلامي، فإن المرحلة تتطلب تكثيف الجهود الجنوبية داخليًا وخارجيًا، لإبراز جرائم الحوثيين في الجنوب، وفضح دعمهم الممنهج للفوضى والإرهاب، مع تقديم المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة معتدلة ومسؤولة تحظى بثقة السكان وتلتزم بالقانون الدولي، بما يخدم السردية السياسية الجنوبية ويعزز من فرص تمثيلها في أي مفاوضات قادمة كطرف مستقل، لا كمجرد مكون في إطار الشرعية اليمنية التقليدية.
إن اللحظة الحالية - بكل ما تحمله من تغيرات في المواقف الدولية، وتزايد الضغوط على مليشيا الحوثي - تمثل فرصة نادرة أمام الجنوب لإعادة التموضع في الخارطة السياسية اليمنية والدولية، وعلى القيادة الجنوبية أن تدرك أن مثل هذه اللحظات لا تتكرر كثيرًا، وأن استثمارها بشكل ذكي ومنظم قد يضع القضية الجنوبية في موقع متقدم على طاولة التسويات المقبلة."
*متحدث جبهة ومحور الضالع.