آخر تحديث :الجمعة - 26 أبريل 2024 - 09:18 ص

اخبار وتقارير


اليمن: مكتب المفوضية السامية لحقوق الانسان في خدمة ميليشيا الانقلاب

الخميس - 18 فبراير 2016 - 11:37 م بتوقيت عدن

اليمن: مكتب المفوضية السامية لحقوق الانسان في خدمة ميليشيا الانقلاب

كتب الباحث السياسي عبدالله اسماعيل :

بالرغم من وجود القرارالأممي رقم (2140) والقرار رقم (2216) والصادر تحت البند السابع ، واللذان يفرضان عقوبات دولية ضد قوى الانقلاب المسلح التي قوضت مؤسسات الدولة اليمنية والعملية السياسية ونتائج الحوار الوطني اليمني الجامع، فقد وفّر الصمت المطبق والمتعمد لمكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان باليمن الفرصة للمنظمات الدولية ذات الأجندات الاستخبارية والساعية إلى إطلاق بياناتها دون الاستناد لأي شرعية، وبذلك شاركت المفوضية من خلال مكتبها في دعم قوى الانقلاب الدموي المسلح، واستكمال سلسلة الدمار وامتداد آلة القتل من أقصى الشمال اليمني نحو بقية المناطق الحضرية الآمنة.
ووفقا لما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة فالمقرر ان تكون منظمة الأمم المتحدة وكافة الأجهزة والوكالات التابعة لها الأكثر التزاما بالميثاق والمعنية في المقام الأول بتنفيذ قراراتها، إلا أن مكتب المفوضية آثر تناسي هذه القرارات المرجعية والقائدة لأنشطته للتفرج على ما يجري من انتهاكات يومية، بدلاً من وظيفته الأصلية في إلزام أطراف الصراع في تطبيق قرارات الأمم المتحدة.
التوصيف القانوني

إن الجماعات المسلحة والصراعات المرتبطة بها تشكل أبرز المخاطر والتهديدات لحقوق الانسان والأمن والسلم على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، ويعد تعامل او مجرد اتصال البعثات الدبلوماسية فضلا عن وكالات الأمم المتحدة بهذه الجماعات واحداً من المحظورات القانونية بالإضافة إلى كونه بالغ الحساسية لدى جميع الدول كما يعتبر ذلك مؤشراً خطيراً على توجه البعثة أو الوكالة ومن يقف ورائها، كما يثير مثل هذا التصرف مخاوف وشكوك مبررة عن حقيقة دور ومهام الوكالة.
ويعرف القانون الدولي جماعة الحوثيين في هذا الإطار بأنها " جماعة مسلحة، تسعى إلى تحقيق أهدافها السياسية والثقافية والاجتماعية باستخدام العنف والقوة" وهو ما يتعارض تماما مع المبادئ العامة لحقوق الإنسان، ويقوض مبدأ تعزيز وحماية حقوق الانسان وهو واحد من مقاصد الأمم المتحدة وفقا لنص المادة (1) من الميثاق وفي هذا السياق أصدر مجلس الأمن القرارين الامميين تحت البند السابع من الميثاق، وهو ما يفرض على كافة الأطراف المعنية فضلا عن وكالات الأمم المتحدة الالتزام بهما علاوة على العمل على تنفيذ هذه القرارات.
كما أن قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم 13 لسنة (1994)م يحظر الجماعات المسلحة ويعاقب على الالتحاق بها او تقديم أي شكل من اشكال الدعم والمساعدة لهذه الجماعات، ووفقا لهذا القانون فإن جماعة الحوثيين لا تختلف عن جماعة القاعدة ويسري القانون على كافة الجماعات المسلحة.
وباستثناء المهمة الإنسانية للجنة الدولية للصليب الأحمر وهي منظمة ذات طبيعة وتفويض مختلف، لا تقبل الدول أن تقوم أي بعثة دبلوماسية فضلا عن وكالة أو مكتب من مكاتب الأمم المتحدة بعقد لقاءات علنية والتنسيق وتبادل التعاون مع الجماعات المسلحة التي نشئت لأسباب مختلفة وتعتبر أن ذلك تدخلا سافراً وانتهاكاً للسيادة الوطنية، ومخالفة لقوانينها وتشريعاتها الوطنية.
بالرغم من ذلك تعمّد جورج ابو الزلف ممثل المفوض السامي خرق المحظورات والأعراف المشار اليها أعلاه كما تجنب ذكر التوصيف القانوني لأطراف الصراع سواء الموالي للشرعية -بما فيه التحالف العربي المعني بتطبيق القرارين-أو الموالي للانقلاب والمقوض للأمن، لينسف بذلك مبادئ الأمم المتحدة لدعم تطبيق بنود القرار الأممي.
شواهد الانحياز

أظهر مسئول مكتب المفوضية الحرص على التعاون مع القوى الانقلابية (الميليشيات الحوثية) بصفتها السلطة الرسمية باليمن، وهو خرق لكل القوانين والأعراف، حيث قام عقب عودته إلى صنعاء بعد غياب مخل بالعمل معظم أشهر العام (2015)م، باعلان التعاون مع الانقلابيين من ميليشيات الحوثي وصالح، من خلال اللقاءات الممنهجة مع قيادات حوثية، أو تلك الموالية لهم أو ممن كلفتهم الميليشيات الحوثية بالقيام بالاعمال في الدوائر الرسمية، متجاهلا بذلك إعلان رئيس الدولة والحكومة باعتبار العاصمة صنعاء وكافة المرافق الحكومية فيها منطقة محتلة من قبل الميليشيات، إضافة الى القرار الجمهوري باعتبار كل ما صدر ويصدر منذ سبتمبر (2014)م باطلا ولا يشكل أي إلزام قانوني، ومن ذلك لقائه بما يطلق عليه القائم بأعمال رئيس الوزراء بصنعاء طلال عقلان كما اذيع الخبر في وسائل الاعلام، وهذه الخطوة هي السابقة الأولى لموظف دولي (يشرعن) للعملية الانقلابية.
ومع أن عملية الرصد وتوثيق الانتهاكات ليست من اختصاصات المفوضية ويعد ذلك خرقا لاتفاقية المقر ولمبادئ ومعايير المفوضية في بقية البلدان، إلا أن ممثل المفوض قام بالنزول الميداني لمحافظات تسيطر عليها جماعة الحوثي، مثل عمران وصعدة تحديدا لرصد ما يسميه بالانتهاكات برؤية انتقائية ومن زاوية واحدة، في حين كان يجب ممارسة الأنشطة الحقوقية وعمليات الرصد في كل أنحاء اليمن، وبمهنية وحيادية تراعي المبادئ الدولية لحقوق الانسان, كما تعمد ابوالزلف تشكيل وتوظيف فرق رصد في المحافظات اليمنية وكان من المفترض أن توكل هذه المهمة إلى المنظمات غير الحكومية المرخصة قانوناً، ولم يقف الامر عند هذا الحد بل تعداه إلى توظيف أشخاص للقيام بالرصد ممن لا تتوفر فيهم الحدود الدنيا لشغل وظيفة في الأمم المتحدة فضلا عن إقدامه على القيام بعملية بهذه الأهمية والخطورة، ومازاد الطين بلة أن بعض من أولئك الذي وظفهم أبو الزلف من المعروفين بولائهم وانحيازهم للميليشيات الحوثية وحلفائها.
لقد مارست جماعة الحوثي وماتزال ومنذ سيطرتها على مدينة عمران (شمال) في الثامن من يوليو/ تموز (2014)م، أبشع الانتهاكات والجرائم في حق المدنيين والنساء والأطفال والمنظمات الحقوقية والصحفيين، وحتى اليوم يتجاهل مكتب المفوضية باليمن هذه الانتهاكات ولا يعيرها أي اهتمام. وها هو الأداء غير المهني لمكتب المفوضية السامية لحقوق الأنسان مستمر بالرغم من الوضع الكارثي الذي تعيشه محافظة تعز من حصار فعلي، وتدمير لكل المنشآت الطبية والبنية الأساسية، وفي القصف الممنهج من ميليشيات التمرد التابعة للحوثي وصالح، حتى أن المفوضية-حتى اللحظة- لم تقم بأي زيارة تفقدية للمواقع المنكوبة.. فما هو الداعي لوجودها في اليمن إذن إن كانت قد جاءت لخدمة جماعة يعتبرها العالم انقلابية؟!

بيانات في اتجاه واحد

استمرت تقارير المفوضية وبياناتها المختلفة باليمن وآخرها بيانها الصادر في الخامس من يناير (2016)م، تُظهر بأن حالة الانتهاك لحقوق الإنسان مرتبطة بالتحالف العربي ومناصروا الشرعية في اليمن، وبرغم المطالبات الواسعة لهم بأن الانصاف يقتضي أن تبرز الحالة اليمنية على حقيقتها، ومنذ الانتهاكات الممنهجة التي بدأت من صعدة وعمران في (2014)م، وصولا إلى اجتياح العاصمة صنعاء واستمرار عمليات الزحف المسلح على المدن والقرى والمناطق المختلفة، إلا أن التجاوب من قبل مكتب المنظمة في اليمن منعدم تماما.
المشكلة ليست لأن المفوضية لا تعلم بهذه الانتهاكات، ولكن لأنها لا تريد رصدها أو استنكارها أو مجرد الحديث عنها، ففي عمران مثلاً، وعقب اجتياحها من قبل الجماعة وتفجير المنازل والبيوت ونهب واغلاق العشرات من المؤسسات التنموية والجمعيات الخيرية والأندية الشبابية، قام مجموعة من الناشطين بزيارة المفوضية، حيث قابلوا ابوالزلف ومساعده ليث العامود ، مستنكرين الصمت عما يجري في عمران من انتهاكات جسيمة في حق المدنيين، لكن المفوضية تحججت بعدم امتلاكها أي معلومات ،وعدم وجود منسق بهذه المحافظة. وتم الاتفاق على أن يقوم الناشطون والمنظمات بتزويد المفوضية بالانتهاكات، وهي بدورها ستقوم بالتحقق منها وتتخذ الاجراءات حيالها. وتم توفير ملفات متكاملة عن الانتهاكات معززة بالأدلة والشهود الذين ذهبوا بأنفسهم إلى المفوضية، كان من ضمنهم طفلة مصابة بحريق نتيجة إحراق الحوثيين لمنزل أسرتها وقتل والدها ولم تنجوا من المجزرة سوى هذه الطفلة فقط. ورغم ذلك، لم يقم أبو الزلف بأي تحرك ولم يصدر حتى بيان يدين الجرائم التي ثبتت لديه.
كما أن جزءاً كبيراً من المعلومات الواردة في هذه البيانات والتقارير تعتمد على الشائعات التي يحرص الانقلابيون على نشرها، ولا يبذل أبوالزلف بل وكثير من المنظمات الدولية العاملة في اليمن جهداً في التحقق منها وهو مادفع كثير من المراقبين للتشكيك في هذه التقارير ومن ذلك ما أكده وزير الشرق الأوسط البريطاني، توبياس إيلود، أمام مجلس العموم بأن جزءا كبيرا من المعلومات الواردة في التقرير الأممي كان مصدره الشائعات، موضحا أن صور الدمار المرفقة والتي جاءت من الأقمار الصناعية ربما ارتكبت من قبل الحوثيين أنفسهم، والذين يقاتلون ضد الحكومة المدنية فالحوثوين يستخدمون المدفعية الثقيلة في قصف مناطق المدنيين، والتي يوجد بها سكان غير موالين لهم، وذلك لإضفاء الانطباع بأن هناك هجمات جوية من قبل قوات التحالف لاستهداف المدنيين.
دعم ومباركة الانقلاب

لم يكتف موظفو الأمم المتحدة في اليمن بتجاهل السلطة الشرعية، والتعاون مع الانقلاب وغض الطرف عن جرائمهم في حق المدنيين، ولكنهم أيضاً عملوا على تقديم الدعم المباشر لجماعة الحوثي من خلال تنفيذ أنشطة وفعاليات مختلفة تنفذ في صنعاء بدعم وإشراف المفوضية، كان آخرها فعالية اليوم العالمي لحقوق الإنسان التي أقيمت في ديسمبر(2015)م بفندق سبأ، بمعية مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان جورج أبو الزلف، ومشاركة عدد من القيادات الانقلابية الحوثية.، والتي ركزت بحسب المشاركين على الادانة الشعبية لقصف طائرات التحالف العربي على مواقع يمنية، وإصدار البيانات المنددة بذلك، والموقعة من المنظمات المشاركة في هذه الفعالية ليتم الاشارة إلى أن هذه الغارات الجوية تستهدف المدنيين فقط، ودون الإشارة إلى الجرائم والانتهاكات التي تمارسها.