آخر تحديث :الجمعة - 26 أبريل 2024 - 09:18 ص

كتابات واقلام


قرأة تحليلية و ملاحظات حول مبادرة 《البخيتي》

الجمعة - 24 مارس 2017 - الساعة 07:19 م

نزار أنور
بقلم: نزار أنور - ارشيف الكاتب


المقدمة إستهل أخي العزيز الأستاذ / علي البخيتي حديثه في مقدمته للمبادرة التي تناولها بتوصيف المشهد السياسي في اليمن بالمعقد و أنا أتفق معه تماما في مضمون توصيفه لذلك المشهد و لكنني أختلف معه تفاصيل ذلك التوصيف خاصة فيما يتعلق بالمشهد في الشمال الذي أختصره تحت عنوان ((مشروع الإمامة في الشمال)) الذي خلف العديد من القضايا و المشكلات القائمة هناك إلى يومنا هذا للعديد من الشعوب و تركها تتراكم ليس لعقود كما ذكر العزيز البخيتي بل لقرون قد مضت . كما أن الجنوب لديه أيضا مشكلاته المتراكمة كما ثم توصيفها في مقدمة ما طرح و هي أيضا عميقة و متجذرة و ممتدة لعقود قد مضت أيضا، و جميع تلك الاختلالات و المشكلات شمالا و جنوبا مدفوعة بحالة الفوضى و في كثير من الأحيان بحمل السلاح و يراد للتسوية السياسية المفترضة أن تعالج كل تلك المشكلات و الاختلالات المتراكمة و أنا أتفق مع البخيتي بأن ذلك يعد ضربا من الجنون . _ ذكر العزيز علي البخيتي بأن المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة عبر مبعوثها الخاص لليمن إسماعيل ولد الشيخ يمضي بشكل إيجابي على المستوى النظري و إن كان بطيئ، لكنه حلم صعب التحقيق، لأن الواقع على الأرض يمضي بإتجاه آخر تماما ، و ذلك توصيفا خاطئا و فيه مغالطة سياسية من وجهة نظري الشخصية على الأقل ، فكيف لتلك الجهود المبذولة من قبل الأمم المتحدة عبر مبعوثها الدولي أن توصف بالإيجابية و هي تسير بعيدة كل البعد عن الواقع على الأرض كما زعم العزيز البخيتي في مقالته ؟ إذا التوصيف الصحيح لها و الذي يتوافق مع ما تقدم به الأستاذ / علي البخيتي بأنها غير مجدية أو واقعية طالما أنها تسير بعيدا عن الواقع، كما أن تشبيهه لما يحدث اليوم بتكرار نفس المشهد الذي حدث في الحوار الوطني في العام 2013 م هو أيضا مقاربة خاطئة في اعتقادي و فيه المغالطات أو دعني أقول أنه أخطأ في التوصيف الصحيح لما حدث في ذلك العام و مقارنته فيما يحدث اليوم فالجميع يعلم بأن ليس جميع الأطراف المتحاورة في مؤتمر الحوار الوطني حينها كانت تملك السلاح و تتمدد على الأرض لفرض واقع آخر بعيدا عن ما أتفق عليه المتحاوريين حينها صحيح أنني لم أكن مشاركا مثلك في ذلك الحوار لكنني كنت مراقبا جيدا له و لذلك الواقع الآخر التي كانت بعض القوى المشاركة تحاول أن تفرضه كما أن الامر لا يتطلب لمعرفة تلك الحقيقة أن تكون مشاركا أم لا فالجميع كان يشاهد كل ما يحدث و يدور عبر وسائل الإعلام المختلفة آنذاك كما يحدث اليوم فالجميع أيضا يشاهد و يتابع كل ما يحدث و يدور عبر نفس تلك الوسائل المختلفة و المتنوعة سواء المحلية منها أو الدولية. _ ثم عاد العزيز البخيتي ليربط بين ما حدث في الحوار و ما إنتهت إليه الأمور بعد ذلك الحوار من اشتعال الحرب و دخول صنعاء و الإنقلاب على السلطة وصولا إلى الواقع الانفصالي على الحدود الشطرية لعام 90 م كما ذكر متجاوزا الأسباب التي أنتجت ذلك الواقع الذي تحدث عنه و من كان وراء تلك الحرب و أسبابها و لست أدري لماذا أغفل الكاتب هذه الأمور و هل تعمد اغفالها لكنني سأحسن الظن به بأنه ربما أكتفى بما أشار إليه مسبقا في حديثه و لضيق الوقت تجاوزها رغم أهمية أن يشير إليها إشارة واضحة و صريحة من وجهة نظري و لكن النتيجة في الأخير هي إخفاء لحقيقة مراكز القوى الموجودة في الشمال و طبيعتها المتغطرسة و محاولتها الدائمة و المستمرة لإنتاج نفسها مرة أخرى و بأشكال مختلفة و صور متعددة لفرض حكمها بواقع المحتل للجنوب و المستعبد و المستبد للشعوب في الشمال كما أعترف بذلك أحدهم في خطابه المشهور في العام 2011 م تقريبا ، بالعودة إلى محاولة البخيتي الربط بين ما حدث في الحوار و ما بعده و ما بين ما تبذل اليوم من جهود للرباعية الحالمة و الراسمة للمدينة الفاضلة و بعيدا عن الواقع المختلف على الأرض و الذي يمضي على حد زعمه بإتجاه الإنفجار الكبير ، و الذي لا أرى على الصعيد الشخصي أن هناك إنفجار يمكن أن يحدث أسوأ مما قد حدث من سابق حين فجرت مراكز القوى تلك الأحلام و دمرت جميع المدن الفاضلة التي حلم اليمنيون جميعا ببنائها . بحربهم التي خاضوها على جميع شعوب اليمن شمالا و جنوبا تحت راية (( نحكمكم أو نقتلكم )) . و مع ذلك فإنني أتفق مع ما ذهب إليه العزيز البخيتي بأنه لا يمكن لولد الشيخ و لا لمسار التسوية السياسية حل المشكلات المتداخلة و المتراكمة وفق تسوية سياسية شاملة و كاملة. بل يجب تفكيك عناصر المشكلة و العمل على حل كل عقدة لوحدها شمالا و جنوبا ، ففي الشمال هناك مراكز قوى و نفوذ موجودة و هناك أيضا شعوب مقهوره و مستعبدة ، و في الجنوب أيضا هناك مراكز قوى و نفوذ صاعدة و هناك أيضا شعوب و أقليات مظلومة و مضطهدة و أتفق معه بأنه يجب أن تحل كل عقدة على حدى شمالا و جنوبا و لكن ليس بين مراكز القوى فيما بينها البين كما أشار البخيتي في مقترحاته للحلول لأن ذلك سيعيد إنتاج المظالم مرة أخرى و سيرحل معالجة المشكلات من جذورها و سيفضي بعد مدة من الزمن إلى ظهورها إلى السطح مرة أخرى و سيعيدنا جميعا إلى نقطة الصفر . و من ثم بعد إنجاز تلك المرحلة يمكننا الحديث عن تسوية شاملة و كاملة أو حوار ندي بين دولتين كما ذكر لكن الحقيقة التي يحب أن يدركها الجميع مجتمع دولي و إقليمي و قوى متصارعة و مراكز نفوذ و قوى جديدة صاعدة و كذلك صاحب هذه الرؤية أن اليمن ليس شعبا واحدا بل شعوبا عديدة شمالا و جنوبا و أنه سواء أبقي اليمن دولة واحدة فأنه لا مناص من أن تكون هذه الدولة اتحادية فدرالية، أو أصبح دولتين عبر فك الاتباط بحدود العام 90 م فإنه يجب أن تكون هذه الدولتين اتحادية . تحدث البخيتي أن تغيرا حقيقيا قد وقع شمالا و جنوبا في موازيين القوى و ذلك طرحا واقعيا و ععقلانيا لا يمكنني القول عنه إلا أنني أحترم ما طرحه و تناوله كثيرا . كما ذكر أن هناك مزاج شعبوي جنوبا و رأي نخبوي شمالا و قد شهدا هما تغييرا حقيقيا و تلك حقيقة أخرى تناولها البخيتي في مبادرته و هو طرح جريئ و واقعي لم يسبق لأحد من نخب الشمال قد تجرأ يوما و صرح به و ذلك أمر يحسب للرجل و موقفا سياسيا متقدما يسجل له و يضاف لرصيده السياسي . _ أختتم البخيتي مقدمته للمبادرة التي كتبها بجملة من الأسئلة الهامة و التي هي بالفعل أصابت العالم بالحيرة و الذهول أمام المعضلة السياسية في اليمن و أتفق معه تماما في ذلك الأمر و في طرحه لتلك التساؤلات. و قد أجاب الأستاذ / علي البخيتي على تلك التساؤلات من خلال تناوله لجملة من الحقائق أوجزها في إحدى و عشرين نقطة أو حقيقة كما سماها هو و زعم أنه بعد فهم تلك الحقائق و استيعابها سيتضح شكل التسوية السياسية الممكنة ، و في الحقيقة فإنني قد أتفق معه في بعض ما ذهب إليه و أختلف معه في أمور أخرى فعلى سبيل المثال : 1- في طرحه للنقطة الأولى أو الحقيقة الأولى كما أطلق عليها فإنني أتفق معه بأن الخلاف في اليمن له بعد شخصي كما أشار إليه بين شخصيات نافذة و مسيطرة على أحزاب و مكونات سياسية قوية لكنه أيضا له أبعاد أخرى لا تقل أهمية و هي أيضا سبب في ذلك الصراع و الخلاف كالبعد الطائفي و المناطقي و الاجتماعي و الثقافي و الجهوي و صراع الأقليات و أعني بالأخيرة أمران هما : 1- أحد تلك الأقليات تصارع من أجل السيطرة على مركز القرار في الحكم و استعادته لخوفها من الإنذثار أو استئصال شئفتها متى ما أصبح الحكم بيد الآخر و ذلك هاجس يسيطر على جميع قادتها فيدفعهم نحو الحروب و ارتكاب تلك الجرائم حق الشعوب الأخرى في اليمن و السيطرة على جميع مقدراتها و أقصد بحديثي هنا عن الأقلية ((الزيدية)) أو ((الهاشميون)) كما يحبون أن يسموا أنفسهم . 2- و هناك أقليات أخرى شمالا و جنوبا تصارع من أجل حقها في المشاركة العادلة في الحكم و التوزيع العادل في السلطة و الثروة و العيش الكريم. و أشار البخيتي بأنه لا يمكن الاعتماد فقط على امزجة تلك الشخوص في إيجاد معادلة للحل السياسي في اليمن و ذلك أمر صحيح و هو محق فيما ذهب إليه و لكنه يجب أيضا على المجتمع الدولي و مبعوثه الأممي أيضا النظر بعين الاعتبار إلى الأبعاد الأخرى التي ذكرتها في ملاحظتي و لم يشير إليها البخيتي في مبادرته و ذلك لإيجاد صيغة مشتركة صحيحة و سليمة تضمن حلولا ناجعة لكافة القضايا و المشكلات . 2- الحقيقة الثانية :وصف فيها البخيتي الرئيس و من معه بالقوة الطفيلية و أن لا تأثير لها على الواقع و ذلك أمر في تقديري يتنافى مع ما هو موجود في الواقع فالمراقب القريب للمشهد السياسي اليمني يدرك جيدا بأن الرئيس هادي دخل سدة الحكم ضعيفا لكنه اليوم بات قويا و على عكس ما دخل تماما و لديه من التحالفات السياسية ما تمكنه من أن يكون فاعلا و بقوة على الساحة السياسية و العسكرية أيضا. كما أن الأستاذ / علي البخيتي في بداية حديثه حول هذه الحقيقة الثانية و صف هادي بأنه الرئيس الشرعي المعترف به دوليا في تناقض غريب مع توصيف شخص الرجل و من معه بالقوة الطفيلية ، و بعيدا عن أي تعصب جهوي أو مناطقي كوني أنا من الجنوب و كاتب هذه الرؤية من الشمال إلا أن ما ذكره عن حالة عدم الرضا و السخط الشعبي جنوبا و شمالا على الأداء الحكومي و الاستحواذ على المناصب و السلطة هو موجود فعلا سواء أكان ذلك متعلق بحكومة الشرعية في عدن أو بسلطة الانقلابيين الموجودة في صنعاء لكن البخيتي خص في حديثه ما هو متعلق فقط بالرئيس و حكومته و حلفائه ، لكن الأمر من وجهة نظري ليس متعلقا فقط بشخص الرئيس هادي و استغلاله و توظيفه لمختلف المتناقضات من أجل بقائه على سدة الحكم كما صوره البخيتي بقدر ما هو متعلق ببناء التحالفات السياسية التي أفرزتها الحرب في عام 2015 م و إستغلال تلك الأحزاب و القوى السياسية القديمة منها و الجديدة لتلك التحالفات و الخروج بأكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية في الوقت الراهن من أجل فرض وجودها و بقائها بعد أي تسوية سياسية قادمة و قد يكون الرئيس هو أحد تلك القوى المستفيدة و لكنه بالتأكيد ليس وحده من يسيطر على تلك المواقع و المناصب أو يستأثر بها بل ربما لا يملك كل ذلك النفوذ السياسي كما صوره لنا العزيز البخيتي في هذه النقطة أو الحقيقة بل أن هناك مراكز قوى و نفوذ و شخصيات لديها نفوذ أكبر بكثير من ما لدى هادي و أصحابه، كما أنني لا أعرف بالضبط على ماذا إستند البخيتي في تقديره لتلك النسب المئوية المتعلقة بالوظيفة السياسية و الدبلوماسية لكن ما أعلمه جيدا أن هناك توازنات سياسية يحاول الرئيس أن يحافظ على ايقاعها متزنا و متناغما في تقديره بأن تلك هي الطريقة المثلى في إدارة البلاد في هكذا ظروف و هكذا توقيت، لكن تلك القوى السياسية المتحالفة مع هادي تستغل ذلك في اتجاه تحقيق مكاسب شخصية و حزبية و فئوية و ذلك ذئبها دائما و جميع تلك الممارسات لا تحظى بقبول و تثير امتعاض و غضب الناس في الشارع و سخط جماهيري كبير. أما فيما يتعلق بالمزاج السائد بين النخبة الجنوبية الجديدة _و القديمة فإن هناك الكثير من التغييرات قد طرأت عليها و في اعتقادي أن تقديرات البخيتي في توصيف ذلك المزاج السائد قد أعتمد على ما كان موجود قبل حرب 2015 م أما اليوم فهناك العديد من تلك النخب التي أشار إليها الأستاذ / علي البخيتي قد تغير مزاجها فيما يتعلق بشخص الرئيس هادي فقد بات العديد منهم يرون هادي بطلا قوميا جنوبيا و خاصة بعد الحرب الأخيرة كيف لا و هو من عاد في عهده للجنوبيين كرامتهم و عزتهم و تلك هي الحقيقة التي أعرفها و يعرفها كثيرون غيري . الحقيقة الثالثة : و قد ذكر فيها البخيتي أن الوحدة اليمنية إنتهت في 7/7/ 94 م و أنه ثم إقصاء الشريك الجنوبي القوي و الفاعل حينها و الاستعاضة عنه بالقوة الطفيلية التي يقودها هادي كما وصفها في مقاله ، ثم قال البخيتي أن الواقع الذي فرضته القوى الجنوبية القديمة _ الجديدة كان صادما للنخبة السياسية الشمالية التي كانت تضحك على نفسها باستبدالها للجنوب بالقوة الطفيلية تلك التي قادها هادي و من معه لعشرين عام متناسيا أن ذلك الواقع الجديد الصادم للنخبة الشمالية و الذي فرضته القوى الجديدة _ القديمة كما سماها كان هادي سببا رئيسيا أو دعنا نقول عاملا مهما في وجوده و فرضه على الأرض فلو لم يكن هادي رئيسا لليمن في هذا الوقت و هو جنوبي لما كان لذلك الواقع أن يكون موجود فهو الذي استدعى التحالف العربي الذي بدوره ساهم في دعم و مساندة تلك القوى الجديدة _ القديمة التي تحدث عنها البخيتي لأن تتشكل و تصبح قوة موجودة على الأرض عملت على تحرير معظم قرى و مدن الجنوب بل اليوم نرى تلك القوى تتقدم في عمق الشمال كل ذلك حدث لأن من تدعوه بالطفيلي هادي هو من تسبب في إحداث ذلك التغيير في موازيين القوى التي تحدث عنها البخيتي سابقا لذلك لا يرى الجنوبيون اليوم هادي كما يراه البخيتي و غيره من النخب الشمالية بأنه طفيلي بل يرونه قوة أصلية و مهمة في المعادلة السياسية . الحقيقة الرابعة : يتحدث البخيتي في هذه النقطة بأن هناك واقع انفصالي اليوم ، أفرز يمن شمالي و يمن جنوبي على الأرض، و ذلك توصيف غير دقيق، فعلى الأرض ما زالت هناك قوى عسكرية شمالية موجودة في بعض مناطق الجنوب برغم تحرير معظم أراضيه و هناك أيضا قوى عسكرية جنوبية هي موجودة اليوم في عمق الأراضي الشمالية و ذلك يتنافى مع ما كان موجود قبل العام 90 م أما فيما يتعلق بالمواطن الشمالي و تواجده على الأراضي الجنوبية فبإمكان البخيتي و غيره أن ينزل لعدن على سبيل المثال ليرى و يشاهد بأم عينيه أبناء الشمال و هم يمارسون أعمالهم و أنشطتهم التجارية دون أي مضايقات تذكر و إن بدت إحداها هنا أو هناك فذلك بالتأكيد لا يمثل أو يعبر عن قناعة كثيرون من أبناء الجنوب، أما فيما يتعلق بمن ثم ترحيلهم فإن ذلك الإجراء لم يقتصر فقط على أبناء الشمال بل هو إجراء أمني أتبعته المؤسسة الأمنية في عدن أثناء حربها على الإرهاب لكل من لم يحمل هوية ثبوثية أو شخصية و ذلك إجراء تتبعه أكبر الديمقراطيات في العالم في الأوضاع الأمنية الغير مستقرة و في الحروب و نحن كنا نعيش في عدن أوضاع أمنية صعبة ناهيك عن ظروف الحرب القائمة و الأمثلة و الشواهد على ذلك كثيرة و عديدة و للأستاذ / علي البخيتي في التاريخ المعاصر و الحديث و سيجدها بالتأكيد. الحقيقة الخامسة : و فيها يؤكد البخيتي على حديثي حول أن اليمن ليس شعبا واحدا بل شعوبا عديدة، كما أشار البخيتي للبعد الطائفي و الاجتماعي و المناطقي و تلك حقيقة تؤكد ما أشرت إليه مسبقا في حديثي أن اليمن في حال بقائه في شكل الدولة الواحدة فإنه يجب أن تكون هذه الدولة اتحادية و حتى في حال أن أصبح دولتين فإنه يجب أن تكونا تلك الدولتين أيضا اتحاديتيين و إلا فإن المظالم ستبقى قائمة و لن تشهد اليمن او الدولتين المنفصلتين استقرار سياسيا و أمنيا و اقتصاديا و ذلك ما لا تريده الشعوب في اليمن و لا يريده العالم و الإقليم المحيط بنا أيضا. الحقيقة السادسة : و في هذه النقطة تظهر علامة استفهام كبيرة حول ما تناوله البخيتي فهو برغم تحميله الرئيس السابق علي عبدالله صالح جميع ما آلت إليه الأوضاع الراهنة اليوم إلا أنه يطالب أن يكون الرجل موجود و حاضرا في أي تسوية سياسية قادمة كشريك في السلطة عبر حزب المؤتمر لا كحاكم أو مشارك في الحكم بشخصه من جديد و ذلك يتنافى مع مبادئ العدالة الانتقالية و تتعارض أيضا مع القرارات الدولية و العقوبات المفروضة على الرجل كما أن الجميع يعلم بأن قرار الحزب هو بيد الرجل فحزب المؤتمر لم يكن يوما حزبا مؤسسيا بل هو حزب الرئيس أي أن صالح سيظل في السلطة و يحكم و لن يكون خارجها كما يحاول البخيتي أن يصوره لنا . الحقيقة السابعة : أتفق مع البخيتي حول الخطاب الطائفي التحريضي التعبوي و لكن ذلك الأمر لم يكون وليد اللحظة أو حتى ناتج حروب صعدة فقد مورس ذلك الخطاب و تم تصديره منذ العام 94 م مع الفرق أنه كان يستخدم في تلك الفترة من قبل طرف واحد فقط أما اليوم فإن جميع الأطراف باتت تستخدمه كسلاح تعبوي في اتجاه الطرف الآخر. الحقيقة الثامنة : صحيح أن القوى المتصارعة في الداخل هي يمنية بإمتياز كما أوضح البخيتي لكن الأطراف المتصارعة صدرت صراعاتها للإقليم و قد حدث ذلك بعد توقيع صالح على المبادرة الخليجية في نهاية العام 2011 م ، و من وجهة نظري إذا كان اليمنيون قادرون على حل مشاكلهم بأنفسهم ما كنا قد وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من حرب و ذمار و تخريب فاليمنيون قد فقدوا الثقة ببعظهم البعض إذا هنا كان يجب ان يكون هناك طرف آخر يساهم في عودة تلك الثقة بينهم جميعا من جديد و ذلك ما حاولت السعودية و دول مجلس التعاون الخليجي أن تقوم به و المجتمع الدولي بعد ذلك و إلى اليوم تظل تلك الجهود مستمرة. الحقيقه التاسعة : و في هذه النقطة لا أرى أن هناك جديد أراد الكاتب أن يضيفه لما تناوله سابقا سوى تكريس مصطلح الطفيلية الذي أبتدعها و تكريس واقع انفصال الجنوب و ذلك خطاب موجه للجنوبيين أكثر من أنه موجه للشماليين في اعتقادي في محاولة منه لكسب تعاطفهم اتجاه تبني رؤيته . الحقيقة العاشرة : و فيها يعترف البخيتي أن هناك واقع انفصالي في الشمال بدأ في التشكل و الترسخ في مأرب و في مناطق شمالية أخرى متأثرا برؤية الستة الأقاليم التي طرحت في مؤتمر الحوار الوطني، اذا يمكن للمراقب و القارئ السياسي أن يستنبط أن خلف ذلك المشروع الانفصالي الذي بات يترسخ في مأرب و غيرها من المناطق في الشمال بالتأكيد دوافع و مظالم هي شبيهة تماما بتلك الدوافع و المظالم الموجودة في الجنوب بإستثناء أن الجنوب كان دولة ذات سيادة، و الغريب في الأمر أنه مع اعتراف البخيتي بذلك الواقع إلا أنه يطالب باسقاطه و ذلك من خلال إسقاط المشروع الكهنوتي برغم أننا نعلم أن تلك المظالم لتلك المناطق التي بات الواقع الانفصالي يترسخ فيها في الشمال ظلت باقية و موجودة حتى بعد سقوط حكم الإمامة الكهنوتي في 63 م و طيلة حكم صالح أيضا و الذي حكم البلاد خلال 33 عاما مضت . الحقيقة الحادي عشر : في هذه النقطة لا يمكنني ان أزعم أن ما تحدث عنه البخيتي حقيقة مطلقة كما يعنونها هو بل من خلال قرأتي لها لم أجد إلا مجموعة فرضيات يفترض الكاتب وقوعها ، لكنني أتذكر أنني قد سألت يوما أحد ممثلين الحراك الجنوبي في الحوار عن مشروع الستة أقاليم من خلفه و من هي الجهة التي قدمته على طاولة الحوار و دعني أخبركم أن كثير منكم ربما لا يعلم تلك الحقيقة أن من تقدم بذلك المشروع ((الستة أقاليم)) في مؤتمر الحوار هم ممثلي حزبا الإصلاح و المؤتمر، و هنا دعوني أفترض كما أفترض الكاتب في تحليله و روايته التي رواها أن كلا الحزبيين قد تقدما بهذه الرؤية لفريق القضية الجنوبية ظنا منهم بأن ممثلين الحراك الجنوبي سيرفضونه و هنا سيحدث ما يريدونه و خططوا له أن يفشل الحوار و يتوقف و يكون السبب في فشله و عرقلته هم الجنوبيون المشاركون لكن ما حدث كان صادما لهم جميعا فقد انقسم فريق الحراك الجنوبي المشارك إلى فريقين فريق أعلن موقفه و انسحب و فريق وافق على المشروع و أكمل الحوار و إذا عدنا إلى الوراء قليلا فإننا سنتذكر أن كلا الحزبين حاولا فيما بعد تدارك ما قد وقعا فيه و أن يتنصلا عن رؤيتهما التي قدماها و قدما رؤية أخرى هي فعلا معبرة عنهما و عن اطماعهما و هي حكم محلي واسع الصلاحيات و هي نفس الرؤية التي يطرحها الأستاذ / علي البخيتي في مبادرته هذه و يصورها أنها الأصلح و الأنسب لحكم البلاد سواء أكانت اليمن دولة واحدة أو دولتين، و هنا أترك الخيار لكم أعزائي القراء أليس افتراضي و روايتي هي أقرب للإقناع من مما طرحه العزيز البخيتي. الحقيقة الثانية عشر : و فيها عاد البخيتي لسيرته الأولى يناقض ما يطرحه و يتناوله فهو يدعي أن الأصلح لليمن كدولة واحدة أو كدولة في الشمال و دولة في الجنوب هو نظام الحكم المحلي الواسع الصلاحيات لكل محافظة مع أنه هو نفسه من ذكر و أشار في حقائقه الماضية أن هناك واقع انفصالي بات يتجسد في مأرب و بعض المحافظات الأخرى في الشمال و هناك واقع انفصالي آخر بات موجود على الأرض في الجنوب و ذلك في تناقض غريب و عجيب مع ما يطرح و يتناول ، كما زعم أن تقسيم الشمال إلى أربعة أقاليم يعني خلق أربع هويات و ذلك أمر لم نسمع به في جميع الفيدراليات و الاتحادات الموجودة في العالم أجمع حتى في أكبرها مثلا : الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من خمسين ولاية فيدرالية و مع ذلك ظلت الهوية الأمريكية هي عنوان للهوية الوطنية لجميع الأمريكيين في مختلف تلك الولايات، أما فيما يخص الصراع الذي يمكن أن ينشأ بين الأقاليم على الثروة و السلطة فأعتقد أن ذلك أمر يمكن تجاوزه و تنظيمه وفق قوانين تنظم العلاقات بين الأقاليم و حصتها من الثروة و السلطة و إعادة تقسيمها و توزيعها التوزيع العادل بين الأقاليم الأخرى الأقل ثروة و الأكثر فقرا و النماذج أيضا على ذلك كثيرة و عديدة و قريبة منا جدا و الإمارات العربية المتحدة خير دليل فالصراع ليس مرهون بمواطن وجود الثروة بل هو مرهون بالعقول التي تحاول السيطرة و الاستئثار بتلك الثروات و المقدرات للشعوب الأخرى. الحقيقة الثالثة عشر : حقيقة أن القوى السياسية في الشمال تسعى لتوتير الأوضاع في الجنوب فتلك حقيقة أتفق معه فيها تماما لكن ما أختلف فيه مع البخيتي أن لهادي دور في ذلك لأن هادي يعلم جيدا أن نجاح القوى الجنوبية في مهامها هو نجاح له و لرهانه عليها فهو منحها شرعية تواجدها في مواقعها عبر قراراته كرئيس للدولة بالإضافة إلى شرعية الأمر الواقع التي فرضتها تلك القوى بتحريرها لأراضيها ، وذلك ما يمكن أن يدركه و يفهمه اي عاقل . الحقيقة الرابعة عشر : يعيد البخيتي تكرار ما قد طرحه سابقا في محاولة منه لإقناع القوى السياسية في الشمال بأن ذلك هو المتاح أمامكم اليوم و ما لا يدرك كله لا يترك جله كما تقول القاعدة الفقهية السياسية. الحقيقة الخامسة عشر : تلك حقيقة أخرى أتفق معه تماما بأن الحوارات التي دارت في جنيف و الكويت و غيرها لم تكن ذات جدوى لأنها لم تمثل فيها قوى حقيقية تجسد الواقع و مشكلاته في الجنوب و الشمال كما شرحناه و وصفناه سابقا أعلاه . الحقيقة السادسة عشر : تمثل هذه النقطة أو الحقيقة قناعات ما وصلت إليه النخب في الشمال و بالرغم من أنها جاءت متأخرة و قد سبقتها إلى ذلك العديد من النخب في الجنوب إلا أنه يعد موقفا متقدما و يحسب لها . الحقيقة الثامنة عشر : ما تطرق إليه الكاتب هي حقيقة و أمر حاولت أنظمة الحكم المتعاقبة على حكم الشمال أن تخفيه و لا تهتم به لأنها كانت تدرك بأن الإهتمام بالقوة البشرية و تطويرها و توسيع مداركها بالتأكيد سيؤدي في الأخير إلى زوال حكمها و هو ما دفعها إلى اتباع سياسة التجويع و التجهيل . الحقيقة التاسعة عشر : و تلك حقيقة أخرى يتناولها البخيتي في مبادرته و لكن للأسف برغم إدراك العديد من النخب الجنوبية لها إلا أن واقع الظلم الذي كان يمارسه نظام حكم صالح عليهم قد منع الكثيرون منهم بالاعتراف بها و تصديرها و دفع بهم باتجاه كره و بغض كل ما هو شمالي و ذلك لسكوت و صمت النخب الشمالية على تلك المظالم و الممارسات التي كان يقوم بها صالح و أركان حكمه بإتجاه كل ما هو جنوبي في المقابل باستثناء من قدم له حق الولاء و الطاعة العمياء من الجنوبيين. الحقيقة العشرون : يحاول الكاتب هنا أن يكرس مخاوفه على وحدة الشمال و وحدة الجنوب لكن في الواقع لا يمكن أن نقرر نحن أن يبقى الشمال موحدا أو الجنوب موحدا وحدها من يمكن أن تفعل ذلك هي الشعوب في الشمال و الجنوب . الحقيقة الحادي و العشرون : قد ثم تناولها سابقا و ثم شرح أوجه الإتفاق و الإختلاف مع ما يطرحه البخيتي و مع ما نراه من وجهة نظرنا الشخصية و في الأخير يبقى ما تناوله و طرحه العزيز علي البخيتي مجرد أفكار و مسودة مشروع لرؤية و كذلك ما نطرحه نحن هو ملاحظات و تحليل حول تلك الأفكار. ثالثا : أفكار لمشروع مبادرة قد تكون أساس لحل في اليمن على مرحلتين : ___________________________________ و هنا لن أتطرق إلى تحليل و وضع ملاحظاتي لكل نقطة على حدى كما فعلت أعلاه لأنها من وجهة نظري تبقى مجرد أفكار يطرحها الرجل قد يتفق معها كثيرون و يختلف معها آخرون ، و على الصعيد الشخصي أرى أنها جيدة جدا و ديناميكية و قابلة للتطبيق على أرض الواقع لكن في الأول و الأخير الأمر يتطلب استحضار قناعات الأطراف المتصارعة و لست أدري إن كان الأستاذ / علي البخيتي قد وضعها مسبقا على تلك الأطراف أم لا لكن ما أعلمه أن وضعها على الرأي العام دون أن يكون قد سبق و نالت استحسان و رضى تلك الأطراف أو من يمثلها إقليميا و دوليا هو أمر لن يكون ذا جدوى ،كما أنني أود أن أؤكد هنا أن الأستاذ / علي البخيتي قد حصر أوجه الصراع و المشكلة في أشخاص و قوى سياسية معينة بل و سماها بالإسم ففي الشمال مثلا ذكر :((صالح ، الحوثي، محسن ، اليدومي )) و جميعهم يمثلون فئة معينة أو شعب واحد من شعوب الشمال و هي الفئة الزيدية أو الشعب الزيدي بغض النظر عن القوى و الأحزاب السياسية التي يمثلونها و جميعنا نعلم أن تلك القوى و الأحزاب هي من أوصلت البلد اليوم إلى ما وصل إليه لجشعها و طمعها في الاستحواذ بالحكم و الثروة و ذلك ما أوجد المظالم القائمة عند بقية الشعوب لذلك فلابد من تمثيل لتلك الشعوب و الفئات في الشمال في ذلك الحوار الشمالي الشمالي كذلك هو الأمر في الجنوب يجب أن تكون جميع الفئات ممثلة في الحوار الجنوبي الجنوبي، أما فيما يتعلق ببقية النقاط المتعلقة بآلية التسوية السياسية و خطوات إعادة الإعمار فلا ملاحظات لي حولها و أتفق مع ما ذهب إليه العزيز البخيتي باستثناء الملاحظات التي ذكرتها أعلاه.