آخر تحديث :الإثنين - 29 أبريل 2024 - 08:06 ص

كتابات واقلام


"كل الجيران زي الاخوان"

الخميس - 17 فبراير 2022 - الساعة 01:59 م

أحمد عبدالله المريسي
بقلم: أحمد عبدالله المريسي - ارشيف الكاتب


هذا الأيام دائما يتكرر ويتردد علي حلم وطيف لطيف وهو كيف كانت حياتنا وعلاقتنا ومعيشتنا زمان ونحن أطفال نعيش في حوافينا في الشيخ عثمان وكل الأحلام التي تمر بذاكرتي هي عن الماضي ولا أدري لماذا لا تمر بي أحلام عن حاضرنا وواقعنا الذي نعيشه اليوم لا أدري هل لأن واقعنا اليوم محبط ومخيب للآمال أو عقلي الباطني لم يخزن ولم يستوعب سوى ما حواه ماضينا ولم يقبل ويستوعب حاضرنا لا أدري وفي كل ليلة اصحوا من منامي لا إراديا في منتصف الليل وأنا اتمتم بغنوة قديمة كنت أسمعها من إذاعة عدن كانت تغنيها مجموعة من الأصوات النسائية الرائعة والجميلة والتي أتذكر البعض منهن مثل نبيهة عزيم وبهجة نعمان وأسمهان عبد العزيز وأم الخير عجمي وفتحية الصغيرة وغيرهم وكانت تذاع في كل صباح ونحن ذاهبون إلى المدارس وهي أغنية كل الجيران زي الاخوان عاشوا الخلان بسلام وأمان.

فعلا كانت علاقتنا كجيران علاقة قوية يسودها الحب كأننا أخوان حقيقة وليس مجرد جيران وكانت كلها حب واحترام وثقة وتعاون والدليل أن بيوتنا في الشيخ عثمان كان يميزها وجود باب داخلي بيننا وبين بيوت الجيران وكان يسمى هذا الباب المدروجة وفعلا أغنية كل الجيران زي الأخوان جاءت تجسد وتأكد تلك العلاقة القوية بين الجيران والتي ربما اليوم اختفت أو تراجعت بسبب الظروف الإقتصادية والمعيشية والسياسية التي تبث السموم والاحقاد وتنشر الكراهية والفتن وتفرق وتمزق النسيج الإجتماعي وبعض الثقافات والعادات الدخيلة علينا في مدينة عدن.

كانت أمهاتنا وأخواتنا الكبار يتعاملون وهم في مهرة وعمل البيت ويتبادلون الطلبات والاحتياجات عبر هذة المدروجة وحتى نحن الصغار كنا نلتقي ونلعب بنات وعيال من خلالها بكل ود وحب واحترام وثقة.

ولم نكن نعلم ولاندري ولا نهتم ولا نسأل عن عرق وجنس وأصل هذ الجار كلما كنا نعرفه انه جار عزيز واخ نحبه ونحترمه ولايعنينا ذلك لا من قريب ولا من بعيد وفعلا كان كل الجيران زي الأخوان والدليل الترابط الأسري والإجتماعي الذي جمعنا وهو الصهارة والنسب والامشاج والوشائج التي اختلطت بين الأسر من الجيران وحافتنا كانت كوكتيل تنوع وتجانس جميل بين كل الأعراق والأجناس العدني من أصول صومالية والهندي العدني والعدني من أصول تركية ومن شرق أسيا وجنوب أفريقيا ومن كل الأصول العربية في جنوب اليمن وشماله الابيني العدني ومن شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى ولحج والضالع ويافع ومن تعز وصنعاء وأب والحديدة وهذه الأغنية رسمت في ذاكرتي لوحة فسيفسائية رائعة تحكي تاريخ مدينة عدن ومدنيتها والتنوع والتعايش الذي كان يميزها كمدينة كونية احتوت كل الإختلاف وحوت كل التنوع دون اي تمييز وعنصرية فكل الجيران زي الأخوان اليهودي والنصراني والهندي والصومالي والفارسي والبينيان وكلا له أصله ومعتقداته وغيرهم من العرب والعجم الذين جاءوا آباءهم وأجدادهم من دول عربية وغير عربية ومسقط رأسهم مدينة عدن وكلهم يحملون الهوية العدنية التي يحاول البعض نكرانها وطمسها ونحن نقول لهؤلاء أن استطعتم نقل وتحويل جبل شمسان وقلعة صيرة والصهاريج من مكانهم وردم بحر حقات وجولدمور وساحل أبين والغدير يمكنكم بذلك طمس الهوية العدنية وكل الجيران زي الأخوان عاشوا الخلان بسلام وأمان.

#المريسي.