آخر تحديث :الإثنين - 29 أبريل 2024 - 10:50 م

كتابات واقلام


إسرائيل بين الربح والخسارة

الأحد - 14 أبريل 2024 - الساعة 05:47 م

منصور الصبيحي
بقلم: منصور الصبيحي - ارشيف الكاتب


كما يبدو بأن إسرائيل ماضيةً ماضيةً في تهجير سكان غزة ولا تراجع يلمس إلى الآن عن مواصلة مشروعها التوسعي رغم كل التحذيرات التي تتلقاها ومن محاولة تصفية القضية الفلسطينية وبإقدامها على اقتحام رفح بغرض دفع المهجرين منها مرة ثانية إلى سيناء، إذ هي لا تأبه بالنتائج وبإثارة حفيظة العالم من حدوث مجازر مروعة، ما نراها إلا تنتقل من مربع وإلى مربع بسرعة فائقة تسابق الاحداث ومستغلة ما يعانيه العرب من هشاشة ومن ترهّل في المواقف السياسية، وقبل بروز متغيرات عالمية قد تصعّب عملها وتعيق من خططها في بناء إسرائيل الكبرى.

فاللسيطرة على ما بقي من الأراضي الفلسطينية وطمس هويتها الإسلامية والعربية في نظرها قد حان تنفيذها توقيتاً مع ما تعانيه الإنسانية من ترهل سياسي جرّاء صدمات حضارة النفط وما أفرزته الديكتاتوريات الرأسمالية وثورات التكنولوجيا من سلبيات يصعب السيطرة عليها في زمن وجيز، إذ هي وجدت نفسها فجأةً تعيش مرحلة شبه إفراع لكينونتها الإيدارية متأهبة للانتقال مع العالم إلى عصر جديد لا يعلم شكله وكهنته والمتحكّم فيه بعد، وفي وسط هذا الفراغ والإفراغ للقيم والمبادئ وغياب المسؤولية تجد إسرائيل فرصتها لكسب نقاط إضافية على حساب العرب وللعبور إلى التصفيات المؤهلة للدور النهائي إستباقاً لأي تحولات كبرى قد تأتي ويسود فيها روح القانون بقوة.

فالكثير منّا لازال مسلّماً إلى هذه اللحظة بأن لحماس الفعل المباشر في تفجير حدث سبعة اكتوبر متجاهلاً دور إسرائيل في حياكة المؤمرات والدسائس وبأن لها المشاركة الغير معلنة في إنجاح أحداث مشابهة من قبل ، فمن أجل تنفيذ مخططها والوصول لهدفها بضرب غزة وجعلها مدينة أشباح غير قابلة للحياة كان يجب عليها أولاً إيجاد الذريعة ولن تكون إلا بعمل عسكري تسهّل للفلسطينين القيام به ضدها ويرقى لمستوى ردة الفعل المزمع القيام بها من قبلها، وبالتالي تعمل على متابعة الحدث حتى تغرق المنطقة في دوامة صراع ظنها سيصب ريعه في خانة مشروعها الإستراتيجي المعلن.

وقد نجحت بالفعل في المرحلة الأولى من الخطة، فبذريعة القضاء على حماس تم لها هدم وتدمير غزة وترحيل اكثر من مليون ونصف المليون من سكانها وحشرهم في زاوية صغيرة على خط التماس مع مصر وما تبقى أمامها سوى خطوة واحدة وهي دفعهم وإخراجهم نحو سيناء.

ولكي تستكمل ما بدأته إذ تحتاج اولا كشرط رئيسي إستقطاب حلفائها اللذين ذاقوا بسياستها وأساليبها ذرعا ومن ما تقدم عليه من قتل وتشريد وهدم فاق حدود المعقول، وهذا لن يكون لها إلا بإشعال حرباً إقليمية تجرهم إليها تزيغ عن طريقها ابصار العالم عنها وتشغلهم بأحداثها الجسام فلا تجد حينها من ينتبه لها ويواجهها بالمعارضة عما تقوم به افعال مشينة ضد الفسطينين ، وهذا الشرط لا يتوفر إلا في إيران! ومن أجل تحقيقه كان لا بد عليها من القيام بأعمال استفزازية كالذي حصل مع قنصليها في دمشق، لتجبرها على الرد بشكل مباشر انطلاقا من أراضيها لا من ارضي عربية كما جرى على فترات سابقة، وهذا بالفعل ما سلكته وقامت به في الساعات الأولى لفجر يومنا هذا الأحد الموافق 14 أبريل من هجوم بالصواريخ والمسيرات على القواعد والمدن الإسرائيلية.

وللمسألة علاقتين بسيطة ومركبة، البسطة: فكما هو معلوم وبأن الولايات المتحدة إلى الآن تعارض نقل الفلسطينيين من أراضيهم قصراً وأن قبلت بعملية عسكرية تقوم بها إسرائيل في رفح كما تعلن لا بد أن تكون وفقاً لمعايير محددة وملزمة تضمن عدم ارتكاب مجازر تدفع السكان للنزوح لمصر... وبعلاقة مركبة فكما تربطها مع أوربا معاهدة دفاع مشترك هي كذلك مع إسرائيل أيضا تربطها، فإذا ما تعرّض أمن الأخيرة للخطر ستجد نفسها ملزمة بالدفاع عنها وكما انغمست في أوكرانيا في مواجهة روسيا عن طريق الناتو للدفاع عن أمن أوربا، كذلك ستنغمس أوربا معها في الشرق الاوسط للدفاع عن امن حليفتها إسرائيل.

في الأخيرة يبرز دهاء إسرائيل وغباء الراعية لها بمحاولة جرها بأذنها لمربع صراع استيطاني ديني وهي لاتدري وبضرب عصفورين بحجر سلبياته ستجنيه على المدى المنظور والقريب، لتجد الأخرى المعنية بالأمر فرصتها وتتفرغ لتنفيذ ما دأبت إليه على إثر حدث سبعة اكتوبر، دافعة عن طريق الضربات المكثفة والحصار المطبق ثلثي سكان غزة من رفح نحو سيناء، ولن يكون حينها أمام مصر التي تعاني ضائقة اقتصادية ومثقلة بالديون ولديها ما لديها من المشاكل إلا السكوت خوفا من أن تتهم بمأزرتها لإيران ضد إسرائيل والأساطيل الغربية وحاملات الطائرات جاهزة على الأبواب فسيجري عليها ما يجري على إيران.