آخر تحديث :الأحد - 07 يوليه 2024 - 08:27 م

كتابات

من هو خالد باراس ؟!
مذكرات خالد باراس بين الشأن الخاص والشأن العام

الأربعاء - 03 يوليه 2024 - 08:34 م بتوقيت عدن

مذكرات خالد باراس بين الشأن الخاص والشأن العام

أ.د. مسعود عمشوش

من المعلوم أن اللواء خالد أبوبكر باراس يعد في المقام الأول رجلا عسكريا. وهو من أبرز من أسهموا في قيام ثورة 14 أكتوبر في الجنوب، وشارك، منذ الاستقلال، في بناء مؤسسته العسكرية. وكان، من المواقع المختلفة التي شغلها، شاهد عيان على أخطر المنعطفات التاريخية التي عاشها الجنوب منذ استقلاله عام 1967. وعلى الرغم من أنه لم يستطع- في طفولته- الالتحاق بالتعليم النظامي التقليدي، فقد تمكن من إتقان القراءة والكتابة وهو لا يزال طفلا في وادي حجر غرب حضرموت. فمنذ سن الخامسة تنبهت والدته إلى امتلاك ابنها لذاكرة قوية. ويكتب: “كانت تقول إنه لابد من تعليمي لأنني أمتلك ذاكرة جيدة، فقد لاحظت أني أحفظ الآذان الذي سمعته مرة أو مرتين من التلاميذ في مسجد روبة أثناء وجودنا فيها قبل أشهر قليلة.

وكانت تقول لعمي إن ابنها يحفظ أي قصة يسمعها والأشعار الشعبية وإنه سيتعلم بسرعة”. ص18 وهذا ما دفعها إلى البحث عن وسيلة لتعليمه القراءة والكتابة في قرية لا يوجد بها من يعلم، ولا كتب ولا صحف ولا أدوات للتعليم. ويضيف: “لم أتوقف عن القراءة وحفظ القرآن بعد وفاة أمي وأختي، [وهو في العاشرة من عمره] فقد لجأت إلى طريقة مسلية وشيقة للكتابة والقراءة ربما لم يسبقني إليها أحد. فلندرة وجود الورق للكتابة كنت أكتب على الرمل الناعم بأصبعي. وما أكثر كثبان الرمل هنا وأنظفها، أكتب كل ما أريده ثم أقرأ ما كتبته وأمسحه وأكتب غيره وأقرأه ثم أمسحه أيضا، وتكون المساحة من الرمل واسعة؛ ربما عدة أمتار. كنت أمضي وقتا طويلا هنا أكتب وأمسح. لقد تعلقت كثيرا بالكتابة والقراءة إلى حد يصعب وصفه الآن، كنت أقرأ كل ما وقع في يدي من الورق المكتوب بالعربية كتلك الأوراق التي يستخدمها أصحاب الدكاكين في لف مبيعاتهم، وهي ليست دائما بالعربية؛ فمعظمها باللغة الإنجليزية”. ص53 وبفضل تلك الجهود الذاتية أصبح خالد-الطفل العصامي- هو من يقرأ للنساء في قريته ودودة الرسائل التي تصلهن من أزواجهن في المهجر ويكتب لهن جواباتهن!

وبعد أن التحق خالد بجيش البادية الحضرمي في المكلا في 10/10/1956، وهو لا يزال في الرابعة عشرة من عمره [بما أنه من مواليد 1942]، أتيحت له الفرصة لتطوير مستواه في القراءة والكتابة وذلك بفضل الدورات القصيرة والمثابرة على قراءة الصحف والمجلات والكتب التي انتظم في قراءتها في المكتبة السلطانية.  وهذا ما أهله للاطلاع على كل أدبيات حركة القوميين العرب منذ تأسيس شعبتها في حضرموت في مطلع الستينيات من القرن الماضي، وقد مكنه ذلك المستوى التعليمي من تدوين يومياته في كراسات عندما بدأ يدرس في الأكاديمية العسكرية في مدينة ليننغراد (سانت بطرس برغ حاليا) من عام 1971. ويعترف أن تلك الكراسات كانت المادة الخام لكتابه (وداعا أيها الماضي). وبيّن ذلك قائلا: “عندما شعرت هنا في هذه المدينة بشيء من الأمن والاطمئنان والاستقرار النفسي فكرت في أن أفتح سجلا أدون فيه رؤوس أقلام لكل ما أتذكره في حياتي من الطفولة وعبر المراحل الماضية حتى اللحظة التي أستطيع. على أن أبتعد عن التفاصيل. فخصصت دفترا كبيرا لذلك وكلما تذكرت موقفا معينا سجلته وكان لهذا الأمر فائدة عظيمة. فلولا ذلك لما تمكنت من كتابة معظم ما كتبته في هذه السيرة”.ص433

كتاب باراس مذكرات أو سيرة ذاتية؟

وفي إطار اهتمامي بدراسة كتب السيرة الذاتية والمذكرات رأيت أن أكرس هذه المقالة الموجزة لتقديم بعض من ملامح الكتاب الذي أصدره اللواء خالد أبوبكر باراس بعنوان (وداعا أيها الماضي: ذكريات وخواطر) العام الماضي 2012. وقبل أن أشرع في عرض بعض ملامح الكتاب أرى أنه من المناسب تصنيف الكتاب بشكل دقيق وفق المعايير المتبعة في تصنيف الأشكال المختلفة لكتابة الذات: السيرة الذاتية والمذكرات واليوميات والمراسلات وسرد الرحلات، وإن كان المؤلف يؤكد في المقدمة وداخل المتن أن كتابه هو: سيرته الذاتية.

فعلى الرغم من صعوبة تبيان الحدود الفاصلة بشكل قاطع بين السيرة الذاتية وبين الأشكال الأخرى للتعبير عن الذات، فمن المتفق عليه أن كاتب السيرة الذاتية يركز على تفاصيل حياته الشخصية والعائلية أي الشأن الخاص، في حين يهتم كاتب “المذكرات” بتصوير البيئة والمجتمع أي الشأن العام أكثر من اهتمامه بتصوير حياته الخاصة، اللهم إلا بوصفها إحدى مكونات تلك البيئة العامة. لذلك يهتم كاتب المذكرات الشخصية بالعالم والأحداث المعاصرة والتاريخية والناس الذين التقى بهم، ويكون مدار نصه الأحداث العامة التي شاهدها أو شارك فيها. وغالبا ما تكون المذكرات مرادفة للشهادة على العصر. بينما تكون السيرة الذاتية رديفا للاعترافات ويغلب عليها التبرير والتسويغ والمراوغة والتمويه. ‏وسبق لنا – في مقالة سابقة- أن عرفنا السيرة الذاتية بأنها “سرد نثري يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص، وذلك حينما يركز على حياته الفردية وعلى تاريخه الشخصي، أي الشأن الخاص”.

وفي ضوء ما ذكرنا: هل كتاب خالد باراس (وداعا أيها الماضي: ذكريات وخواطر) سيرة ذاتية او مذكرات؟ لقد قسم خالد باراس كتابه إلى جزئين: في الجزء الأول (طفولة صقلتها المآسي) استعرض جانباً من نشأته في قرى وادي حجر (ودودة وروبة)، وقام بتوثيق الحياة الاجتماعية هناك. وتحدث عن علاقته بأمه وعمه عبد الله الذي علمه القراءة والكتابة وخاله عبد الله باوسيم في روبه، وعن وفاة أمه وأخته صفيه بمرض السل. لكن، بعد تركه لحجر في سن الرابعة عشر، تقلصت المساحة المكرسة لحياة المؤلف الخاصة كثيرا في الكتاب؛ فعن زواجه لا يتحدث إلا نادرا وبصورة عابرة، وفي أقل من نصف صفحة (ص125). ويعاود باراس الإشارة ثلاث مرات أخرى إلى زوجته. فمرة يشير إلى مرضها بالملاريا وإحضارها الى المكلا للعلاج، ومرة إلى إحضارها إلى عدن للقيام بفحوصات بسبب تأخر الإنجاب. ولن يتجاوز حجم تلك الإشارات ثلاث صفحات من الستمائة والخمس صفحات التي تكوّن الكتاب. وهذه في اعتقادنا نسبة بسيطة. وقد أشار المؤلف إلى ظاهرة ندرة تطرق لحياته الخاصة مرات عدة في الكتاب.

فهو مثلا يكتب: “عودة إلى نهاية 1961 وبداية عام 1962، فقد التحقت بدورة قصيرة للترقية إلى صف ضابط. وكان أهم تغيير في حياتي هو تقلص كل ما هو شأن شخصي لدي لصالح الشأن العام، ولم يعد هناك شان خاص من وقتي إلا قليلا، ولا حتى في سلوكي وعلاقاتي بالناس”. وفي صفحة 148 يضيف: “هكذا كنت أنتقل من طور في الحياة إلى آخر: تتوسع مداركي وأكتشف الجديد وأندمج في واقع جديد مختلف. ومع تطور الأنشطة الوطنية وتوسع دائرة علاقاتي بالناس كانت اهتماماتي بشؤوني الأسرية وعلاقاتي الخاصة خارج دائرة النشاط الوطني تتقلص تدريجيا مع توغلي أكثر في الأنشطة الثورية حتى كادت تختفي مع نهاية عام 1966 وبداية 1967”. ص 120

لهذا فقد تقلصت مساحة الشأن الخاص في كتاب باراس كثيرا لصالح المساحة المكرسة للشأن العام. ومن ثم علينا أن نقرأ (وداعا أيها الماضي) باعتباره مذكرات وليس سيرة ذاتية. وبما أن الفرق الأساسي بين السيرة الذاتية وبين مذكرات الشخصيات العامة يكمن في أن الشخصيات العامة تكون في الغالب مقتنعة بأن تجربتها في الحياة تحتوي على قيمة تاريخية واجتماعية كبيرة ينبغي أن تستفيد منها الأجيال اللاحقة، يبرر اللواء خالد باراس نشر كتابه قائلا: “الهدف الذي من أجله نشرت (سيرتي الذاتية) في هذا الكتاب هو رغبتي أن يطلع الآخرون، لاسيما الشباب، على هذه السيرة وما حوته من دروس وعبر، وأنه لا يجوز أن يظل هذا الجهد الذي بذلته في كتابتها حبيس الدفاتر العتيدة المتهالكة التي كتبت عليها لثقتي أن ما وضعته في هذا الكتاب من أمثلة تؤكد أنه لا شيء اسمه المستحيل إذا توفرت القناعة لدى الإنسان أن ما يسعى إليه هو المشروع الحق. إن كل هذا يجب أن يكون في تناول يد من يرغب الاستفادة منه. وأعتقد أن سيرة حياتي الذاتية مليئة بالعبر والأدلة التي تؤكد فعلا أنه من جد وجد ومنزرع حصد وسيجد الشباب الطموح في هذه السيرة ما يشد أزره ويحفزه على المثابرة والصبر عند الشدائد”. ص6

بعض مكونات الشأن العام في (وداعا ايها الماضي)

بعكس ما قام به المناضل عبد القادر أحمد باكثير، عضو القيادة المحلية للجبهة القومية حضرموت، الذي اعترف أن كل ما ضمنه كتابه (مذكرات عن مراحل النضال والتحرير في حضرموت 1960- 1969)، يقع بالكامل في إطار الشأن العام، يحرص اللواء خالد باراس التأكيد مرارا وتكرارا على أن ما كتبه ليس تاريخا للجبهة القومية في حضرموت أو للمؤسسة العسكرية في جنوب اليمن. فهو يكتب في مقدمة مذكراته: “يهمني في بداية هذه المقدمة التنويه إلى ما قد أشرت إليه في أكثر من مكان في هذا الكتاب، وهو أن كل ما ورد فيه هي الأحداث والأنشطة والمواقف ذات العلاقة المباشرة بسيرة حياتي فقط. مؤكدا أكثر من مرة أني لا أدعي كتابة تاريخ ثورة 14 اكتوبر. لهذا فأني لم أتطرق لأية أحداث ليست لها علاقة مباشرة بسيرة حياتي”ص5

وفي إطار تناوله للأحداث التي تلت تعيينه في قيادة سلاح المدفعية والصواريخ في نهاية عام 1978 يعود ويؤكد: “ودون شك، فأني لا أزعم أني أسجل هنا سير تطور هذه المؤسسة وتاريخها، وإنما هي إطلالة بسيطة عبر نافذة ضيقة جدا حاولت من خلالها أن ألقي الضوء على تلك المساحة البسيطة المحدودة في كل ما لي علاقة مباشرة به، ولم أتعرض لأية أحداث أو أنشطة لم أشارك فيها.. وبالتأكيد فإن الذي سجلته هنا ليس بأي حال تاريخ القوات المسلحة، وإنما هي وقائع وأحداث وأنشطة ذات علاقة مباشرة بحياتي الشخصية وعلاقات الزمالة في العمل وكل ما أسهمت فيها من أنشطة”. صً477

ومع ذلك، من الواضح أن كتاب (وداعا أيها الماضي) يتضمن كثيرا من الأحداث التي جرت في مناطق مختلفة من البلاد بين 1950 و1967، ومعظمها يقع في إطار الشأن العام. فعلى الرغم مما قد يوحي به العنوان الذي وضعه باراس للجزء الأول من الكتاب: (طفولة صقلتها المآسي)، فهذا الجزء يسرد في الحقيقة كثيرا من الأحداث العامة، وإن كان بنسبة أقل من تلك التي نجدها في الجزء الثاني الذي أسماه (الاستقلال، إرهاب الدولة، الانكسارات المحزنة). ومن الواضح كذلك أن الكتاب يتضمن معلومات دقيقة ومستفيضة عن عدد من أحداث الكفاح ضد الاستعمار في الجنوب وقعت بعيدا عن عيني المؤلف. فهو مثلا تحدث باستفاضة عن المظاهرة التي خرجت في سيؤن في 11 سبتمبر 1966 لتعبر عن تأييدها للجبهة القومية ورفضها لزيارة المندوب السامي البريطاني، وما تلتها من مسيرات دامية في المكلا، وهي الأحداث التي- في رأيه، أبعدت حزب رابطة ابناء الجنوب من الساحة السياسية هناك على الرغم من الدور الكبير الذي قام به من أجل الترويج لقضية الجنوب في الخارج. وقد بدأ سردها على النحو الآتي: “في مساء 10/9/1966 أشيع في سيؤن عاصمة السلطنة الكثيرية أن المندوب السامي البريطاني سيصل إلى سيؤن غدا 11/9/1966 صباحا. وهكذا خرجت صباح يوم 11/9 مسيرة طلابية تعبر عن تأييدها للجبهة القومية. وعند مرور المتظاهرين أمام فرع حزب الربطة في سيؤن اقتربوا منه وهم يحملون أعلام الجبهة يرددون هتافات معادية لذاك الحزب، وكان في مقر الحزب بعض أعضائه ومن بينهم القيادي عبد الله الجابري محرر صحيفة (الفاروق) في عدن والقادم قبل أيام من هناك. فلم يتمالك الجابري أعصابه وأطلق النار على الطلبة فأصيب بعضهم بجروح أخطرها تلك التي أصيب بها الطالب برك هبيص [في الواقع كان أخطرها التي أصيب بها زميلي في الدراسة الشهيد محمد عبد القادر جواس الذي اخترقته الرصاصة بالقرب من القلب وتوفي بعد أسابيع من الحادثة]”. ص233

أما الكيفية التي قرر بها المناضل خالد باراس أن يتحول من مجرد جندي في جيش البادية الحضرمي إلى ثوري مناضل فيسردها في الصفحات 116-117 من مذكراته (وداعا أيها الماضي)، حينما يروي كيف أنه، في نهاية مشاركته سنة 1961 مع الرائد البريطاني اليس والقوات القعيطية النظامية والطيران البريطاني استطاعوا أن يدحروا تمرد قبيلة الخامعة في غيل الحالكة، قرر أن يصنع ثورة. فقد كتب: “بعد الحصار والقصف الشديد حتى للأغنام التابعة لقبيلة الخامعة وعمليات التمشيط استسلمت القبيلة، وتعهد مقادمتها بعدم اعتراض السيارات، وتم اعتقال عدد منهم لمحاكمتهم. وفي طريق العودة خطر في ذهنه عدد من التساؤلات، وكتب: “سألت نفسي: ماذا لو أني قـُتِلت هنا برصاصة غاضب من رجال هذه القبيلة الذين أنا أصلا متعاطف معهم وأشعر بظلمهم؟ ماذا لو قرر هؤلاء اقتحام السرية مباشرة ودارت معركة حقيقة في مواجهة لا سبيل للنجاة منها وقتلت واحدا منهم وقتلني آخر؟ أزمة حقيقية كان لها آثر إيجابي عظيم وفقا لحسابات في ذلك الوقت. لقد توصلت الى استنتاج في تلك اللحظات العصيبة: إني أن نجوت من هذه المصيبة سأعمل بكل قوة ونشاط من أجل تحرير الوطن من الاحتلال على أساس أن الاحتلال هو جذر المشكلة ومسببها، وكذلك إزاحة السلطة التي قبلت أن تعرض مواطنيها البسطاء لغارات الطائرات البريطانية وهي أي هذه السلطة وموظفيها السبب الحقيقي لما حدث. لقد تألمت عندما رأيت في مضيق المدحر آثار الدماء وما يدل على أن هنا حدثت مجزرة ما كان يجب أن تحدث. لقد قتل المواطنون إخوانهم هنا. عشت بعد ذلك كل الأيام التي تلت تلك الأحداث أتألم جدا، لكني ضاعفت جهودي من أجل كسب المزيد من الأعضاء والمزيد من العمل من أجل تقويض سلطة الاحتلال والسلطة المعتمدة عليه”.

كبرياء باراس وذكاؤه:

يبدو أن من أهم العوامل التي ساعدت اللواء خالد باراس على المرور بسلام في جميع المنعطفات التاريخية التي مر بها الجنوب حتى يومنا هذا – ووفق ما يقوله هو في سيرته الذاتية- (وبالإضافة -طبعا- إلى دعوة الوالدين): عدم السعي إلى الحصول على كرسي في رأس هرم الدولة، وكبرياؤه ونزوعه إلى الاستقلالية، واتخاذ القرار الذي يمليه عليه ضميره. وقد أكد ذلك في سياق حديثه عن إبعاده عن قيادة أمن حضرموت في عام 1968 قائلا: “تأكدت أن الرفاق في حضرموت قد توصلوا إلى قناعة بضرورة إبعادي عن المحافظة لاعتقادهم إنني لن أنصاع لكل القرارات الحزبية لأنني حسب تقديرهم أرى نفسي فوق أولئك الذين يصدرونها. وبصراحة فأن شيئا من هذا ربما كنت أعتقده في بعض الحالات، وقد عرفت هذا وغيره فيما بعد، فمثلي عليه أما أن يكون ضمن شلة أو تكتل، وأما أن يتحمل بمفرده ما ستقف في وجهه من عراقيل ويواجه الحياة السياسية وحيدا ويصبر على ما يصيبه، فالسياسيون ـ أصحاب الطموحات والتطلعات – ليسوا بحاجة إلا لمن ينصاع وينقاد بسلاسة ولا يشكل عليهم أي نوع من التهديد. ومثل هؤلاء هم الذين يصنعهم القائد الطموح. وصاحب السيرة ليس واحدا من هؤلاء حيث لم يصنعه طامع في الهيمنة، وإنما صنعته الثورة ونضاله المشهود له به، ولهذا فهو يعد نفسه في كثير من الحالات مقابل معظم هؤلاء الذين يحق له إلا يكون تابعا لهم”. ص406-407

ومع ذلك، عند قراءة سيرة اللواء خالد باراس يبدو لنا أن ميوله كانت أقرب إلى تيار اليمين في الجبهة القومية وينتقد بشكل واضح ممارسات اليساريين بما في ذلك خطوة 22 يونيو 1969 التي يعدها من الأحداث العبثية التي عاشها الجنوب. وعلى الرغم من أنه لم يسلم تماما من اضطهاد بعض قيادات اليمين له حيث تم القبض عليه هو ورفيقه علي سالم البيض وآخرين في عام مطلع عام 1968، يؤكد قربه من أصحاب اليمين ويكتب: “صحيح أن اليمين لم يمل للعنف ضد خصومه مطلقا؛ فدخول السجن أو الاعتقال في المعسكرات أو أقسام الشرطة لا يخيف أحدا، وحتى القبض على المطلوبين وأخذهم من بيوتهم منتصف الليل لا يخيف أحدا أيضا، بعكس ما آلت إليه الأمور عندما دارت دائرة الأيام وأطاح اليسار بـ (أخيه) اليمين في 22 يونيو 1969 والسنوات اللاحقة” ص387 ومن المعلوم أن باراس، بعد أن اختلف مع رموز اليسار في حضرموت في يوليو 1968 غادر الى عدن وقبل العمل تحت قيادة اليمين التي عينته قائدا للأمن في المحافظة الرابعة.ص390

ومع  ذلك، بعد قيام 22 يونيو 1969، لم يحاول باراس أن يدخل في صراع أو مواجهة مع رفاقه اليساريين. لكن حينما طـُلِب منه في عام 1971 – حينما كان قائدا لسلاح المدفعية – الذهاب إلى حجر ليقود انتفاضة ضد ملاك الأراضي قال: لا. لهذا، في الأخير، صُنِّف خالد باراس –من قبل اليسار الفوضوي- ضمن عناصر اليمين التي ينبغي التخلص منها أي لحسها. وقد سجل في سيرته الذاتية محاولة (لحسه) على النحو الآتي (ص422-424): “في بداية يوليو 1971 أفادني السائق سعيد صالح الصليعة الكازمي الذي كان مكلفا سائقا معي بصفتي قائد سلاح المدفعية، أفادني أن بعض الضباط من قبيلة باكازم طلبوا منه عدم الاستمرار في عمله مع قائد المدفعية الرائد خالد باراس لأن باراس سيتعرض للخطر كما قال لهم ضابط من مركز التدريب، وحتى لا يتعرض السائق للخطر وتكون هناك مشكلة مع قبيلة باكازم. واكدت للأخ سعيد الصليعة أني سأحل هذه المسألة وأنه يجب فعلا ترك العمل معي ويكفي أنه حذرني من هذا الخطر، وقدمت شكري وتقديري له. لكن سعيد الصليعة أقسم يمينا ان لا يتخلى عني وحدد لي اسماء المكلفين بتصفيتي الجسدية والذين لا لزوم لذكر أسمائهم هنا حيث قد رحلوا عن هذه الدنيا. ولم يمر وقت طويل بعد ذلك. وكنت خلال هذه الفترة قد اتخذت كل احتياطات الأمان وما يلزم للدفاع عن النفس. وكنت أدرك أن المكلفين بهذه الجريمة لن يحاولوا قتلي في كمين عادي، فقد بلغني أن قائد المجموعة قد أقسم أنه (سيقود هذا الحضرمي مثل الغنمة وهو في ملابس نومه) –ويقصد  صاحب السير- وقد بلغني أن الذين تم خطفهم في مناطق اخرى خلال الأشهر الماضية أخذوا ليلا من بيوتهم ولهذا استعديت جيدا ووضعت كل الاحتياطات.. وفي ليلة مشؤومة وحوالي الساعة العاشرة مساء وكنت أجلس في تلك الغرفة الصغيرة المظلمة صاحيا أستطيع أن أسمع حتى دبيب النمل في المنطقة كلها ويدي على زناد الآلي الكلاشينكوف ومجموعة قنابل يدوية عن يميني وشمالي. سمعت خطوات زوجتي وهي نازلة إلى المطبخ في الطابق الأرضي وفجأة سمعت منها صرخة واحدة ثم صوت باب المطبخ وهو يرتد مع خروج المجموعة وخطواتهم في الجهة الخلفية من الفلة ثم صوت محرك السيارة. حالا اتصلت بحارس باب الحي وهو عسكري واخبرته أني قائد سلاح المدفعية وطلبت منه معرفة منهم في السيارة القادمة إليه دون أن يسألهم هذا السؤال وكنت أعرفهم قبل أن لي الحارس. وفعلا أفادني بأسماء اثنين منهم ولم يتعرف على الثالث الذي يقود السيارة. لن أذكر أسماءهم فقد رحلوا عن هذه الدنيا..”

في مواقع عدة من كتابه يتحدث اللواء خالد باراس عن رفيقه الشهيد المناضل محمود سالم صقران، الذي تم تصنيفه ضمن اليمين الموالي لقحطان الشعبي بعد حركة 22 يونيو 1969 من قبل (اليسار الفوضوي). وقد أشاد به كثيرا ولاسيما باعتداله ومطالبته بمراعاة العادات والتقاليد السائدة في وادي حضرموت. وفي مطلع عام 1970 تم تعيين خالد باراس قائدا للأمن في المحافظة الخامسة (حضرموت)، وكتب في مذكراته ص404-405: “اليوم التالي فوجئت أن الأخ العزيز المناضل المعروف محمود سالم صقران يطلب مقابلتي في رسالة أرسلها لي من سجن المنورة الذي وضع فيه صباح اليوم بعد أن تم اعتقاله في سيؤن. إنها المأساة بكل صفاتها وأوصافها. بأي وجه أقابل هذا الرفيق المناضل! وبأي حق ومن أجل ماذا أواصل بقائي هنا! هل قبلت أنا المناضل خالد باراس أن أصبح سجانا لرفاق النضال؟ جاء الأخ محمود ورحبت به والعرق يتصبب من جبيني خجلا من الوضع الذي أنا فيه. لكن محمود رجل حكيم ومناضل صلب أدرك معاناتي وقال لي: إن كل شيء يشير إلى أننا مقبلون على أحداث خطيرة جدا فالأخوة في السلطة هنا في حضرموت وغيرها مصممون على تصفية الآخرين حزبيا ووظيفيا ونأمل ألا يكون الأمر أسواء من هذه التصفية. وأبلغته أني قد وصلت إلى قناعة كافية أني لا أستطيع أن أواصل العمل هنا وأني ذاهب بعد أيام إلى عدن ولن أعود مهما كان الأمر. وأثق أن هذا هو ما يسعى إليه الإخوة هنا، ورغم ذلك فليس أمامي إلا هذه الموقف وتمنيت له كل خير وإلا يصيبه مكروه. وقد اتخذت هذه المواقف سواء مع العكبري ومع صقران وغيرهم ليس بحكم عواطفي ومشاعري الشخصية نحوهم فقط لكن لأني أدرك جيدا أنهم من أفضل الوطنيين المخلصين للثورة والوطن وما كان يجب أن يتعرضوا لهذه المعاناة. وهو نفس الشيء الذي كنت قد أدركته من قبل عندما كان المحسوبون على اليسار يزج بهم في المعتقلات أيام سلطة اليمين. أنها ثورة تأكل أبناءها فعلا، وكارثة حقيقية حلت بوطن وشعب. وندعو الله أن يفك عليه ويفرج همومه”.

ومن العوامل الأخرى التي ساعدته على عدم خسارة أي طرف من أطراف الصراع على السلطة في الجنوب بشكل دائم: ذكاؤه. فحتى سالمين الذي غضب عليه بسبب رفضه لقيادة انتفاضة الفلاحين في حجر، والذي وافق على ابتعاثه (أو بالأحرى استبعاده) مرتين للدراسة في الاتحاد السوفييتي، ولم يتردد في مطلع عام 1978، حينما بدأ يشعر بتناقص عدد مناصريه ومؤيديه، في تكليف عضو المكتب السياسي علي سالم لعور (ص460) بإقناعه بالعودة ليكون قائدا للمدفعية. لكن خالد باراس كان يقضا وكتب في صفحة 461 من سيرته “كان ردي عليه: أني سعيد بهذا الذي سمعته وأرجو أن تبلغ الرئيس أنه يكفيني أنه عرف الحقيقة، وأنا أسامحه من كل قلبي وأحترمه وقد زال كل شيء مما كان في خاطري من قبل، أما قطع دراستي فإني أعتذر عنها. ولأكون صريحا معكم فأني لن أعود حتى لا أتعرض للمتاعب مرة أخرى، في الماضي بسبب عدم ثقة الرئيس فيّ والآن بسبب علاقتي الطيبة به. اليوم هناك خطر حقيقي يحيط بالرئيس ولا عندي قدرة على تحمل نتائج أخطاء لم أشارك في صنعها، وأني أتمنى له التوفيق من كل قلبي”. وبالطبع عاد باراس إلى عدن بعد الإطاحة بسالمين في يونيو 1978. وقبل عودته في بداية أكتوبر صدر قرار رئاسي بترقيته إلى رتبة مقدم وتعيينه قائدا لسلاح المدفعية. ص464

ومن أهم أحداث الشأن العام التي سردها باراس في كتابه ولم أجد حتى الآن إشارات دقيقة إليها في كتب التاريخ: تلك الأحداث التي أدت إلى تنحية عبد الفتاح اسماعيل من الرئاسة وأمانة الحزب الاشتراكي في منتصف عام 1980. وقد بدأ باراس سرد بعض منها قائلا: “لم تستمر فترة الهدوء والوئام طويلا، وكأنه كتب علينا ألا ننعم بالاستقرار فترات أطول. بدأنا نحن في مختلف الوحدات أن كناك شيئا ما يجري. وكالعادة يبدأ الخلل من أعلى. كما يقال: فساد السمكة يبدأ في رأسها! ولشديد الأسف فأن سمكتنا كما يبدو من النوع السيء. فخلال العام 1980 مرينا بكثير من الهزات الخطيرة التي لن أتطرق إلا لما هو يعنيني منها مباشرة، ليس كل التفاصيل ولكن أهم المواقف التي ساهمت فيها. فعندما برزت إلى السطح الخلافات بين أهم رموز النظام حاولت قدر ما استطعت ألا تنتشر هنا في المعسكرات التابعة لسلاح المدفعية والصواريخ (معسكر سبأ ومعسكر الجلاء). وتنبهت جيدا لسير نشاط القسم السياسي والمنظمات القاعدية عن طريق مراقبة ما يدور داخلها وفي جلساتها العادية. لكن الخلافات داخل الصف الأعلى لقيادتنا السياسية كانت تبرز على السطح مع مرور الأيام بسرعة مذهلة يصعب السيطرة عليها ومنع انتشارها. فلم يمر كثير من الوقت قبل أن تتضح الصورة؛ فقد زارني فجأة وزير الدفاع العقيد علي عنتر إلى مقر قيادة المدفعية قادما من الكلية العسكرية مرورا بقيادة المدرعات وبحضور عدد من ضباط المدفعية. وقال إن صبره قد نفذ بسبب تصرفات رئيس مجلس الرئاسة والأمين العام عبد الفتاح اسماعيل وشلته، وإن الحزب سيتخذ قرارا خاصا بهذه المسألة وعليكم ضبط وحداتكم ومنع أية بلبلة حول هذه المسألة. وقد التقيت قبل قليل بقيادة سلاح المدرعات وكذلك الكلية العسكرية وتحدثت معهم حول هذه المسألة مثلما حدثتكم.  ولم يكن ما قاله الوزير مفاجئا لي فأنا على علم كاف لكن المفاجأة كانت لدى معظم الحاضرين. لكنهم أيدوا الالتزام بما تقرره قيادة الحزب الاشتراكي…”. ص479-480

وبعد أن تخلص الرفاق من عبد الفتاح دبّ الخلاف بين من تبقى منهم بدأوا يحظرون لـ 13 يناير، وقد علق على ذلك متهكما “لم يمر كثير من الوقت إلا وبدانا نسمع همسا جديد خلف الكواليس، ثم أصبح الهمس لفظا غير مفهوم: إنها لعنة الفراعنة تطاردنا اينما كنا وكيف ما نكون. لا أسس ولا مقاييس محددة تحكم أفعالنا وأقوالنا”. ويعترف “كنت حتى هذه الفترة لا تربطني اتصالات متميزة مع الأخ المناضل علي ناصر محمد رئيس الدولة والأمين العام ورئيس مجلس الوزراء، بل كنت أكثر اتصالا وانسجاما مع الأخ المناضل علي عنتر وزير الدفاع الذي أميل إلى صراحته وبساطته الثورية إضافة إلى أني قد تعرفت عليه في أكثر من مناسبة قبل الاستقلال وخلال السنوات اللاحقة”. ص482

لهذا من الطبيعي أن يتم استبعاد باراس عن قيادة المدفعية والصواريخ بعد ان تم استبعاد الوزير علي عنتر. ومرة أخرى تم إرسال خالد باراس إلى الاتحاد السوفييتي في منتصف 1981 لكن هذه المرة ليس للدراسة بل كملحق عسكري. ويؤكد انه طوال فترة عمله هناك حاول أن يتعامل بحيادية مع الجميع. وقال “بذلت كل ما في وسعي لألتزم الحياد. لكن للأسف الشديد فأضاعنا عموما لا تساعد على ذلك، فطبيعة الناس وثقافاتهم والبيئة التي نشا كل واحد منهم وسطها، وحتى فهمهم للانتماء السياسي له العديد من الصفات التي تميزه، فهي علاقة شخصية وروابط قبلية وغايات مصلحية. لهذا يجد الإنسان نفسه أمام إشكالية المفهوم الضيق (من ليس معي فهو ضدي)، واستطعت أن أحافظ على حيادية تعاملي مع الجميع قدر الإمكان، لكن ظل الآخر يحسبني على صف الرئيس علي ناصر”. ص512

وبعد 13 يناير 1986 يذكر باراس (ص522) أن هناك من قدّم لعلي سالم البيض أمين عام الحزب تقريرا عنه لكي يتم تعيينه ملحقا عسكريا في مكانه. وقد وافق البيض على إعادة باراس إلى عدن في مطلع 1987 لكنه رفض تعيين صاحب التقرير في مكانه. وتم تعيين باراس، قائد سلاح المدفعية والصواريخ سابقا، نائبا لعبد الله الخامري رئيس مجلس السلم والتضامن!

 وفي اعتقادي أنه يمكننا أن نجد في حديث باراس عن واقع الحزب الاشتراكي (الذي أقدم في نهاية 1988 على محاكمة باراس وفصله من الجنة المركزية) ما يمكن أن يساعدنا على تفسير هروب البيض إلى صنعاء في مايو 1990. فهو يكتب (في أغسطس 1988 عقدت اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي دورتها الاعتيادية وكان ضمن جدول أعمالها الوقوف أمام التقارير الخاصة بمخالفات مجموعة من أعضائها من بينهم صاحب هذه السيرة الذاتية [يقصد نفسه خالد بارس].. وللأمانة فإنه لم يقف أحد من الأعضاء كشاهد إثبات ضدي بل وقف عدد منهم دفاعا عني واهم موقف سجله إلى جانبي الأخوة صالح بن حسينون وعمر العطاس أعضاء اللجنة المركزية .. وكثيرون غيرهم بودهم مساعدتي لكنهم على علم بأن الأمر قد حسم في المكتب السياسي وأنه لا جدوى من عرقلة قراره. وقبل التصويت أعطيت لي إمكانية الحديث إذا أردت الدفاع عن نفسي. وفعلا وقفت أما المجتمعين وجلت بنظري أتفحص الجالسين أمامي في القاعة ومعظمهم رفاق أعرفهم جيدا وتربطني بالبعض منهم علاقات جيدة. لكن الذي أثار وهز وجداني بقوة هو رؤية بعض الجالسين في المنصة وهم رئاسة الجلسة أعضاء المكتب السياسي ويتوسطهم رفيقي العزيز علي سالم البيض الذي أصبح أمينا عاما للحزب وهناك أيضا صالح منصر وحيدر العطاس. وهي لحظات قليلة جدا دارت في ذاكرتي الكثير من الخواطر؛ كنت أقول أيجوز أن يحاكمني الحزب الذي أمينه العام علي سالم البيض وبجانبه حيدر العطاس وصالح منصر وكان ردي سريعا وأنا في سباق مع الثواني من الوقت قبل أن أبدأ ردي على الاتهامات التي وجهت لي، قلت بيني وبين نفسي لا لا يجوز هذا أبدا لكن الواقع أن الحزب الذي أتحدث عنه لم يعد موجودا وأن علي البيض ليس أمينا للحزب الذي يحاكمني لكن للسياسة أحكامها وللسلطة قواعدها ولهذا عليّ أن أواجه تبعات مواقفي وتصرفاتي”. ص526 و527

وفي الختام علينا أن نؤكد أن اللواء خالد باراس، الذي تقاعد من عمله العسكر قبل نحو عشر سنوات، لا يزال اليوم يمارس نشاطا سياسيا. فهو اليوم رئيس المؤتمر الوطني لشعب الجنوب وعضو في المؤتمر الوطني للحوار الشامل. ولا شك في أن قيامه بإصدار مذكراته (وداعا أيها الماضي)، التي تتضمن أحداثا حساسة ومهمة ومؤلمة مرت بها بلادنا خلال العقود الماضية وشاركت في صنعها شخصيات لا يزال بعضها يعيش بيننا، ينطوي على قدر لا باس به الشجاعة والجرأة، ويبين لنا كذلك مدى ثقة هذا العسكري والسياسي من صحة وسلامة ما قام به خلال ستين عاما في الحياة العامة.

نعم، كتاب (وداعا أيها الماضي) ليس تاريخا للجبهة القومية في حضرموت أو للمؤسسة العسكرية في الجنوب. ومع ذلك نؤكد أن ما يحتويه الكتاب يُعد شهادة شخصية على أحداث في غاية الحساسية والأهمية. ولا شك في أن هذه الشهادة ستساعد كثيرا في صياغة تاريخنا الحديث والمعاصر. وأتمنى كذلك أن يحفز نشرها عددا من الشخصيات التي شاركت أيضا في صنع تلك الأحداث على الإسراع في نشر شهاداتهم الشخصية، لعلها تسهم في تعريف الأجيال الشابة بخلفية الواقع المعقد الذي يعيشونه، وتردع بعض المؤرخين المغرضين من محاولة تزوير تاريخنا.