آخر تحديث :الخميس - 28 نوفمبر 2024 - 12:04 ص

كتابات


المتباكون على الاستعمار البريطاني في ذكرى ثورة 14 أكتوبر

الجمعة - 11 أكتوبر 2024 - 10:50 م بتوقيت عدن

المتباكون على الاستعمار البريطاني في ذكرى ثورة 14 أكتوبر

كتب / د. عيدروس نصر ناصر النقيب.

من جديد تهل علينا ذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة في عيدها الثاني والستين.

لن نخوض طويلاً في تحليل المراحل التاريخية لنضالات شعبنا الجنوبي التي سبقت هذه الثورة ومهدت لها الطريق، ولا في البطولات الاستثنائية والتضحيات الجسيمة التي قدمها أبناء الجنوب في سبيل الحرية والاستقلال، ولا حتى في الحديث عن المكاسب والإنجازات التي حققتها ثورة ١٤ أكتوبر ونظامها الوطني، وفي مقدمتها قيام دولة جنوبية موحدة على أنقاض عددِ من الدول والدويلات والإمارات والمشيخات المتباعدة والمتنافرة والمتناحرة في ما بين بعضها، كما لن نتوقف عن المآل المأساوي الذي آلت إليه تضحيات أبناء الجنوب على مدى أكثر من قرن ونصف من المقاومة والنضال والبناء، فذلك يستدعي أكثر من وقفة بل وأكثر من مجلد.

لكننا سنتوقف هذه المرة عند ظاهرة مخالفة لمنطق التا يخ ومعطياته وحقائقه الواضحة لكل ذي عينين، وهي ظاهرة تتسع بين الكثيرين من المغيبين وعياً ومعرفةً والماماً بدقائق وحقائق التاريخ.

أتحدث هنا عن ظاهرة التباكي على الاستعمار البريطاني ولوم الثورة والثوار على طرد المستعمرين وتحرير البلاد منهم، بل والتشهير والتشويه والتزييف الذي تتعرض له الثورة وما حققته من إنجازات.

المتباكون على الوجود البريطاني ذوو مستويات ومنطلقات وخلفيات متعددة ومتباينة، فهناك من لهم موقف من ثورة ١٤ أكتوبر وبالتحديد المتضررين من هذه الثورة وما اتخذته من إجراءات ضد مصالحهم التي بنوها من خلال وجود المنظومة الاستعمارية، بل وارتباط البعض منهم بهذه المنظومة، وهناك من تعرضوا للإجحاف والظلم والتعامل معهم بقسوة غير مبررة من قبل نظام دولة الاستقلال وبعض القائمين على أجهزة النظام الوليد.

وأمثال هؤلاء يمكن تفهم مبرراتهم بل وعذرهم عن هذا الموقف، وبعض هؤلاء لا ينتقدون إلا الشطحات السياسية والاقتصادية على وجه الخصوص لنظام دولة الاستقلال، لكنهم لم يتأسفوا ولم يندموا لخروج الاستعمار، وشخصياً قابلت بعض السلاطين ورجال الأعمال وملاك شركات ومؤسسات اقتصادية كبيرة ما قبل الاستقلال مما أممه نظام جمهورية اليمن الديمقراطية، ممن عبروا عن انتقادهم لسياسات حرق المراحل ونظام الأحادية السياسية وغياب الإدارة بعقلية اقتصادية في التعامل مع متطلبات التنمية والاستثمار في البلاد، لكن أحداً منهم لم يتباكى على الوجود الاستعماري أو يدين الثورة ضده.

هناك حالة من الوعي المغشوش جرى غرسه وتعميمه لدى الكثير من المنتميين إلى أجيال ما بعد ١٩٩٤م يحاول ناشرو هذا النوع من الوعي المغشوش تصوير الأمور وكأن الجنوب في ظل الاستعمار كان صورة من صور الفردوس وجاءت ثورة ١٤ اكتوبر لتقضي على هذا الفردوس، أو أن النظام الاستعماري كان نظاماً ملائكياً وجاءت الثورة لتحرم الشعب منه ومن ملائكيته.

المتباكون على الاستعمار البريطاني لم يقولوا لمتابعيهم أن الجنوب كان عبارة عن 23 دويلة ومشيخة وسلطنة بعضها يتناحر مع البعض الآخر، وداخل بعضها صرعات بين القبائل والفخائذ دامت عشرات السنين ولم يأبه لها لا المستعمر ولا من كانوا يحكمون تلك الإمارات والمشيخات، وولم يقل المتباكون إن بعض تلك المناطق لم تعرف المركبة ولا عربة النقل ولا حتى طريقاً ترابياً إلا بعد الاستقلال وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ولم يقل هؤلاء لمتابعيهم إن قرابة 80% من أبناء أرياف الجنوب لم يكونوا يعرفون شيئا عن التعليم المتوسط وحتى الابتدائي (وليس الحديث) وإن أفضل المتعلمين كان من يجيد القراءة والكتابة وهؤلاء كانت نسبتهم أقل من 20% من مجموع السكان في كل البلاد وأقل من 5% من سكان الأرياف، وإن أكثر من 80% من هؤلاء السكان طانوا أميين بالمعنى الحرفي للكلمة، هذا في ظل النظام الاستعماري الذي يتباكون عليه.

ولم يقل هؤلاء لمتابعيهم بأنه وحتى العام 1967م كان أغلب سكان الجنوب يداوون أمراضهم بالكي والأعشاب والتعويذات والخرافات، وأنهم لم يعرفوا الأدوية واالعقاقير الطبية، ناهيك عن زيارة المستشفى ومعرفة الطبيب والتطبيب إلا بعد 1967م، لأن كل أرياف الجنوب لم تعرف لا المستشفى ولا المركز الصحي ولا حتى الطبيب أو الممرض المتنقل.

لم يقل هؤلاء لمتابعيهم والمعجبين بهم وبهيامهم بالاستعمار البريطاني شيئا عن كل مآسي الجنوب في ظل النظام الاستعماري الذي كان يستطيع تقديم ولو الجزء اليسير من احتياجات الأهالي في هذه المجالات التي خرج الاستعمار من أرضهم وهي كما دخلها قبل 129 عاما، ليس لأنه لم يستطع، ولكن لأن حياة المواطنين الجنوبيين لم تكن تهمه بقدر ما تهمه مصالحه التجارية والاستثمارية والاستراتيجية.

إنهم يتحدثون عن عدن وما شهدته من تطور في مستوى الخدمات والتخطيط الحضري والتوسع المعماري، والحركة التجارية والملاحية بفضل موقعها الاستراتيجي ومينائها المميز عالميا والذي تعطل قبل الاستقلال بستة أشهر بسبب العدوان الإسرائيلي على مصر وإغلاق قناة السويس، يتحدثون عن هذا ويقدمونه على إنه الحالة التي كان يعيشها الجنوب بمختلف مناطقه في مدنه والأرياف ، وهم يعلمون أنهم يكذبون.

نعم. . . لم يكن وضع جمهورية اليمن الديمقراطة مثالياً وهذه قضايا يمكن التعرض لها في وقفة نقدية خاصة، لكن هذا لا يمكن أن يتأتي من خلال التباكي على المستعمر الذي لم يبنِ في كل الجنوب من المدارس الثانوية إلا أقل من أصابع اليدين، وكل ما شهدته عدن من ازدهارٍ نسبي في ظل الاستعمار إنما كان جزءًا من اهتمام المحتل بمنظومته الاستعمارية وخدمة قواعده ومصالحه العسكرية والاستراتيجية والتجارية والاستثمارية وليس حباً في سواد عيون أهل عدن.

أما لماذا وصل الحال بعدن وكل مناطق الجنوب إلى الوضع المأساوي الذي تمر به اليوم فهذا سؤال كبير يحتاج أيضا إلى وقفه خاصة، لكن ملخص الإجابة إن ذلك بسبب السياسات العدوانية لنظام صنعاء تجاه الجنوب وتجاه كل المواطنين في الشعبين في الشمال والجنوب على السواء، وتجاه مدينة عدن على وجه الخصوص، ويمكن في هذا السياق أن يتحمل الحكام الجنوبيين الجزء الكبير من ذنب الهرولة إلى مشروع (الوحدة ) اليمنية الفاشلة التي أوصلت أنباء الجنوب إلى حالتهم الراهنة ولن يكون الحل إلا بالعودة إلى وضع الدولتين وهو موضوع يتشعب فيه الحديث ويطول.

الخلود لثورة ارابع عشر من أوكتوبر والمجد والخلود لشهدائها الأبرار.