تواجه ميلشيات الحوثي حالة من الارتباك والضبابية، على صعيد تماسكها الداخلي واستراتيجيتها الإقليمية، في ظل عدد من التحولات، كان آخرها مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار.
كما يتصل ذلك بالتحوّل المفاجئ في تعاطي الولايات المتحدة مع تهديداتها العسكرية ضد الملاحة الدولية، والضغوط المتزايدة التي تفرضها إسرائيل على أطراف "المحور الإيراني" في المنطقة.
وبحسب مصادر عسكرية يمنية في القوات الحكومية، فإن ميليشيا الحوثي عملت، منذ مطلع الشهر الجاري، على إخفاء قدراتها العسكرية النوعية، من المخابئ السطحية، وقامت بنقل أعداد من الصواريخ الباليستية والمجنحة إلى بعض المخازن الأرضية المحصنة في محافظات صنعا وإب وصعدة، ونشر مجسّمات وهمية لمنصات إطلاق صاروخية.
وقالت المصادر لـ"إرم نيوز"، إن الهجوم الأمريكي غير المسبوق، الذي استخدمت خلاله قاذفات "الشبح" من طراز B-2 الخميس الماضي، لاستهداف خمسة مستودعات أرضية في صنعاء وصعدة، أجبر الحوثيين خلال الساعات الماضية على إعادة إخراج بعض الصواريخ من المخازن الأرضية التي لم تشملها الضربات في صعدة وصنعاء، ونقلها إلى مناطق أخرى غير محصنة.
ومنذ الضربات الموجعة التي استهدفت حزب الله وقياداته وقدراته العسكرية في لبنان، خلال الأسابيع الماضية، بدأ الحوثيون يتحسسون خطورة الموقف، ومجابهته بسلسلة من الإجراءات الأمنية، تركزت على تشديد حماية القيادات المؤثرة وتضييق نطاق دائرة تواصلها، ونقل بعضها من صنعاء والحديدة إلى محافظة صعدة الجبلية، وسط مخاوف من وصول موجة الاغتيالات التي تشنها إسرائيل ضد قيادات الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، إلى اليمن.
وتشير تقارير محلية إلى أن ميليشيا الحوثي فرضت قيوداً صارمة تحظر على قادتها استخدام وسائل الاتصال الحديثة، والاعتماد على منظومة التواصل الداخلية التي تديرها "دائرة الاتصالات الجهادية" بعد تحديثها واتخاذ الاحتياطات الأمنية اللازمة، التي تحول دون اختراقها.
جدية دولية
وأشار مستشار وزير الإعلام لدى الحكومة اليمنية، فهد الشرفي، إلى مسار الأحداث في الإقليم، وجدّية التوجه الدولي لتفكيك مشاريع إيران في المنطقة، في ظل كمية المعلومات الهائلة التي تمتلكها أمريكا وحلفاؤها، وفي طليعة ذلك الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية التي أثبتت قدرتها على اختراق كل أذرع إيران في المنطقة.
وأكد أن "كل ذلك جعل الحوثيين يشعرون بأنهم الهدف القادم لحرب مختلفة، لا سقف فيها ولا محاذير دولية، ولن تكون فيها لعبة قواعد الاشتباك التي أرهقت المنطقة".
الواقع الداخلي في مناطق سيطرة الحوثيين سيئ جداً.
وذكر الشرفي، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن "الوضع في اليمن مختلف عن الحالة اللبنانية والعراقية، إذ لم تتمكن إيران عبر ميليشياتها من تفكيك الحكومة التي لا تزال موجودة وتحظى باعتراف العالم، وتخوض صراعاً مع المشروع الإيراني في بلادها، ولديها جيوش وقطاعات عسكرية ومكونات وقوى وطنية موجودة على الأرض".
وبين الشرفي أن "الواقع الداخلي في مناطق سيطرة الحوثيين سيئ جداً، وسط ترد معيشي واقتصادي، ومظالم وغضب شعبي عارم ومن ثم فهذه فرصة للتخلص من ميليشيا الحوثي عبر معركة دولية لا تخضع لضغوط أممية".
وأضاف أن "ما يراهن عليه الحوثيون في مواجهة ذلك، هو عامل المتاجرة بالقضية الفلسطينية، وهذا غير قابل للاستمرار لوقت أطول؛ لأن تدخل الحوثيين لم يساعد قضية فلسطين ولم يؤثر على مسار العمليات العسكرية الإسرائيلية، وهو موقف المحور الإيراني بأكمله".
ولفت إلى أن ميليشيا الحوثي تمارس جرائم في اليمن، شبيهة بجرائم إسرائيل في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية، ولا يمكن أن يتحول المجرم في اليمن إلى ناشط في غزة؛ لأن الأخلاق لا تتجزأ".
تلاشي الثقة
ومن جهته، قال المتحدث العسكري باسم القوات اليمنية المشتركة المناوئة للحوثيين في الساحل الغربي، العقيد وضاح الدبيش، إن "موجة التخوّف التي تضرب أوساط القادة الحوثيين حدّت من ظهورهم واجتماعاتهم وخلقت دوائر مغلقة حول القيادات، خشية وقوع عمليات استهداف مباشرة على غرار حزب الله في لبنان".
وذكر الدبيش في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن "هذه الأجواء المتوترة تحسباً لوقوع عمليات اختراق أو وشاية، أدت إلى زعزعة الثقة الداخلية بين الحوثيين والخبراء والمستشارين الإيرانيين واللبنانيين المتواجدين في اليمن، على خلفية الاختراق الواسع الذي حققته إسرائيل لمنظومتها خلال الأيام الماضية، إضافة لتسببها في توسع دائرة الشكوك البينية لدى القيادات الحوثية نفسها".
وتشهد عمليات الحوثيين العسكرية انخفاضاً ملحوظاً في وتيرتها، منذ آخر عملية هجومية استهدفت سفينتين في مياه البحر الأحمر والمحيط الهندي الخميس قبل الماضي، والعملية العسكرية التي استهدفت جنوب إسرائيل في السابع من الشهر الجاري.
وعلى الرغم من إعلان ميليشيا الحوثي الجمعة، عن هجوم استهدف سفينة "ميجالوبوليس" التجارية في بحر العرب، إلا أنها لم تشر إلى تاريخ وقوع الهجوم المزعوم، في وقت ترسو فيه السفينة بميناء صلالة العماني، دون أن تبلغ وكالات الملاحة البحرية عن أي حادثة متعلقة بالسفينة.