بقلوب يملأها الحزن والأسى، ودّعت قبائل لقموش وحمير وكافة أبناء شبوة هامة من هاماتها وأحد أعمدتها الراسخة وكبار شيوخها، *الشيخ علي محمد الصاملي القميشي*، الذي انتقل إلى جوار ربه بعد معاناة قصيرة مع المرض عن عمر ناهز الستين عامًا. رحيله ترك فراغًا كبيرًا وجرحًا عميقًا في قلوب من عرفوه وأحبوه، وخلّف ذكرى لا تُنسى بأثره العميق في نفوس الجميع.
*وإن خسارتنا في الشيخ علي كخسارة قبائل بكر وتغلب في كليب بن ربيعة التغلبي*.
كان الشيخ علي رمزًا للوفاء والعطاء، وصوتًا للحكمة في زمن التحديات. عُرف بجهوده الدؤوبة في تعزيز السلم الاجتماعي ولمّ الشمل، حيث كان مثالًا حيًا للتسامح والإيثار، وقلبه الكبير احتضن الجميع بمحبة صادقة ومودة لا حدود لها.
كان للشيخ علي باع طويل ودور بارز في إصلاح ذات البين، ولم يتردد في بذل كل جهده لحل الخلافات التي نشبت بين القبائل، باذلًا كل ما بوسعه لتقريب وجهات النظر وإعادة السلام بين المختلفين. لقد كان بارعًا في تهدئة النفوس، وحلّ العديد من القضايا القبلية الشائكة، حيث كان يسعى دائمًا لحل القضايا بالحكمة والصبر، ومثل بذلك مصدرًا للأمان والاستقرار لكل من لجأ إليه.
في حياته، ساهم الشيخ علي في إنهاء العديد من المشاكل والنزاعات، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، ولم يكن يعتبر أي مشكلة صعبة الحل، بل كان يستعين بخبرته وشخصيته الرصينة لإيجاد الحلول المناسبة. كانت وساطته في حل المشاكل بين الناس محط احترام الجميع، إذ استطاع بكلماته الصادقة ورؤيته العميقة أن ينزع فتيل النزاعات، ويعيد الثقة والود بين أفراد القبائل.
جهود الشيخ علي لم تقتصر على الإصلاح بين أبناء قبيلته فقط، بل امتدت لتشمل كافة مناطق شبوة، حيث كان يمثل صمام أمان اجتماعيًا وحائط لصد كل محاولات إثارة الفتن أو تفكيك النسيج المجتمعي. قراراته الحكيمة كانت انعكاسًا لفهم عميق لتوازنات القبائل واحترامه لجميع الأطراف، مما أكسبه احترامًا وتقديرًا واسعًا من الجميع.
فبرحيل الشيخ علي، فقدنا شخصية لا تُعوض، لكنها تركت إرثًا عظيمًا من القيم النبيلة والعمل المخلص. تسامحه وتفانيه في خدمة أبناء مجتمعه يجب أن يكونا نموذجًا يُحتذى به. واليوم، تقع على عاتقنا مسؤولية حمل راية المحبة والإصلاح التي كرّس حياته لها، وإبقاء ذكراه حاضرة من خلال العمل الدؤوب لتحقيق مجتمع يسوده السلام والوحدة كما كان يحلم به.
ورحيل الشيخ علي ليس مجرد فقدٍ لرجل، بل هو فقدٌ لقيم عظيمة وأخلاق سامية نادرة. غيابه سيظل مؤلمًا، لأن وجوده كان يعطي الأمان للجميع، وقربه من الناس كان يعكس محبة صادقة، تجعل منه جزءًا من حياة كل من عرفه. لم يكن غريبًا أن يحمل له الناس أعمق مشاعر التقدير، فقد كان يشاركهم أفراحهم وأحزانهم، ويقف إلى جانبهم كأنهم عائلته، مخلدًا بذلك ذكراه في قلوبهم.
وأنا إذ أعزي نفسي أولًا، أتقدم بخالص التعازي لأبنائه وإخوانه وأفراد قبيلة آل وبار ولقموش وحمير وكافة المجتمع الشبواني. ولا يسعنا إلا أن ندعو الله أن يمنح كافة افراد عشيرة الشيخ وكل محبيه القوة والصبر على فقدانه، وأن يخفف عنهم وطأة هذا المصاب الجلل، وأن يجزي فقيدنا خير الجزاء على كل ما قدمه من بذلٍ وجهد لرفعة القبيلة وسعادة أبنائها.
إننا ونحن نودّع الشيخ علي محمد الصاملي القميشي، نؤكد أن قيمه ومبادئه السامية يجب أن تظل منارة نهتدي بها جميعًا. ندعو أبناء قبيلته والمجتمع الشبواني بأسره إلى استلهام نهجه في التسامح والإصلاح والعمل على لمّ الشمل ونبذ الفرقة. إن استمرارية هذه القيم التي كرّس حياته من أجلها هي أعظم تكريم لذكراه، وأفضل وسيلة لتخليد إرثه العظيم الذي سيبقى حاضرًا في قلوبنا وأفعالنا.
نسأل الله العلي القدير أن يتغمد الشيخ علي الصاملي بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجعل كل ما قدمه في حياته شفيعًا له يوم الدين. فإن ذكراه العطرة وأفعاله الطيبة ستظل تضيء قلوبنا وتلهمنا لمواصلة الطريق على نهجه، مستلهمين منه الإخلاص والمحبة، داعين الله أن يتقبله بواسع رحمته.
إنا لله وإنا إليه راجعون.