تزخر اليمن بالعديد من منظمات المجتمع المدني غير الحكومية، ولكل منها دورها المخصص، حيث لعبت دورًا كبيرًا في تقديم الدعم والإغاثة، فضلًا عن توثيق انتهاكات ميليشيا الحوثي ورفعها إلى الجهات والهيئات الأممية ذات الصلة.
وتنقسم غالبية مهام المنظمات اليمنية بين الحقوقية والإنسانية (الإغاثية)، ويتمحور دور المنظمات الحقوقية حول توثيق الانتهاكات والجرائم التي تُرتكب بحق المواطنين، التي تطال أيضًا الكيانات والهيئات المتعددة والمنشآت بشتى أنواعها.
أما المنظمات ذات الطابع الإنساني الإغاثي (الخيري)، فتختص بتقديم المساعدات الغذائية والصحية والتنموية للمحتاجين الذين تأثرت معيشتهم بسبب الحرب، ويقتصر دور العديد منها على أن تكون وسيطًا بين المنظمات الدولية والمستفيدين النهائيين.
ويرى سياسيون وصحفيون وناشطون يمنيون، "أن المنظمات الكثيرة في اليمن تتراوح بين تقديم أدوار هامة، مثل توثيق الجرائم والانتهاكات الحوثية، وتقديم المساعدات الإنسانية، وبين محاولات استغلال الأوضاع اليمنية للتكسب والتربح من وراء ستار خدمة المجتمع المدني".
وقال وكيل وزارة حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية المُعترف بها دوليًّا، ماجد فضائل: "شهدت اليمن خلال سنوات الحرب جهودًا كبيرة من المنظمات الحقوقية والخيرية، لكن الأداء كان متفاوتًا، بعض المنظمات عملت بجدية وأمانة لتوثيق الانتهاكات وتقديم المساعدات الإنسانية، بينما استغلت أخرى الظروف لتحقيق مكاسب مالية أو سياسية".
وأضاف فضائل لـ"إرم نيوز": "هذه الازدواجية في الأداء أضعفت الثقة بتلك المنظمات، ما يجعل من الضروري وضع آليات رقابية أكثر فاعلية لضمان تحقيق أهدافها الحقيقية".
وبيّن: "باختصار، هناك منظمات فاعلة وذات مصداقية عالية، لكنها قليلة جدًّا، بينما الأغلبية مجرد أرقام ودكاكين تستغل الأوضاع".
وفصّل فضائل أدوار المنظمات، مشيرًا إلى أن "المنظمات الحقوقية لعبت دورًا محوريًّا في توثيق الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها جماعة الحوثي الإرهابية، بما في ذلك استهداف المدنيين، والتجنيد الإجباري للأطفال، وزرع الألغام وغيرها من الانتهاكات الجسيمة، هذه التقارير أثرت على الرأي العام الدولي وساهمت في تشكيل موقف أممي أوضح تجاه الحوثيين، ومع ذلك يبقى التأثير الفعلي مرهونًا بالتزام المجتمع الدولي بمحاسبة المجرمين".
ولفت فضائل إلى أن "الفجوة بين التوثيق واتخاذ الإجراءات العقابية تبقى التحدي الأكبر، ما يجعل هذه الجهود غير مكتملة ما لم تُترجم إلى قرارات فعلية تُلزم الأطراف المنتهكة للقانون الدولي بوقف جرائمها وانتهاكاتها ومحاسبتها".
وفيما يتعلق بدور المنظمات الإغاثية، أوضح فضائل أن "بعض المنظمات أو المؤسسات الخيرية قدمت جهودًا ملموسة لدعم الفقراء والمحتاجين، خاصة في المناطق الأكثر تضررًا، ومع ذلك فإن حجم الاحتياج كان يفوق قدرة تلك المنظمات، بالإضافة إلى تحديات الفساد أو سوء الإدارة في بعض الحالات".
وتابع: "هذا الوضع جعل الأثر محدودًا مقارنة بالكارثة الإنسانية التي تعصف بالبلاد، لكن هناك منظمات دولية تقدم القليل، الذي يُعد بالنسبة للضحايا والأسر المحتاجة كثيرًا لأنه ينقذ حياتهم، من المهم تسهيل عمل هذه المنظمات".
تقييم أداء المنظمات
قدّم فضائل تقييمًا عامًّا لأداء المنظمات، قائلًا: "هناك منظمات تُعدُّ نموذجًا يُحتذى من حيث الشفافية والمصداقية، ولها وجود حقيقي على الأرض، بينما تقتصر منظمات أخرى على العمل الإعلامي أو تسويق نفسها للحصول على تمويل دون تأثير واضح في الميدان، لذا يُعدّ تقييم كل منظمة ومساءلتها رسميًّا ومجتمعيًّا ضروريًّا للحفاظ على دورها الحقيقي في أرض الواقع".
أظهرت دراسة لمنظمة "سام" للحقوق والحريات، نُشرت في يوليو/ تموز الماضي، أن نحو 68.3% من المستجيبين قيّموا أداء المنظمات بأنه "جيد"، بينما رأى 16.7% أن الأداء "جيد جدًّا"، ووصف 14% الأداء بأنه "سيئ".
شملت الدراسة عينة من 101 شخص، معظمهم من الذكور.
أصوات من الميدان
وقال عبده الحذيفي، رئيس منظمة "ميون" لحقوق الإنسان: "منذ اندلاع الصراع في اليمن، لعبت بعض المنظمات دورًا هامًّا في نقل حقيقة الأوضاع إلى العالم، ومناصرة الضحايا والمطالبة بمساءلة المنتهكين"، لكنه أشار إلى "وجود انتقادات تجاه المنظمات الإنسانية بسبب سوء إدارة الموارد، واستقطاع مبالغ كبيرة كتكاليف تشغيلية".
من جانبه، أفاد عبد الرحمن برمان، المدير التنفيذي للمركز الأمريكي للعدالة (ACJ)، بأن "المجتمع المدني في اليمن تلقى ضربة كبيرة بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، أُغلقت معظم المؤسسات الحقوقية الفاعلة، وصودرت أموالها، ما أثّر على العمل الحقوقي بشكل كبير".
وأضاف برمان أن "المنظمات الناشئة تفتقر إلى الخبرة والحيادية، ما أثر في مصداقيتها لدى المجتمع الدولي، ومع ذلك حافظت بعض المنظمات على حياديتها ونقلت الصورة كما يجب للمجتمع الدولي".
ويتفق المختصون على أن "دور المنظمات اليمنية لا يزال ضروريًّا، سواء في توثيق الجرائم أم تقديم الإغاثة، ومع ذلك يحتاج القطاع إلى رقابة أكثر فاعلية، ومساءلة مستمرة لضمان تحقيق أهدافه النبيلة".