أيام معدودات وتحل علينا ذكرى 30 نوفمبر، عيد الجلاء والاستقلال، وهي مناسبة تاريخية خالدة تذكرنا بخروج آخر جندي بريطاني من أرض الجنوب في عام 1967، بعد سنوات من الكفاح والنضال الذي خاضه الأجداد بدمائهم وأرواحهم من أجل الحرية والكرامة. كان ذلك اليوم رمزاً لعزة الوطن واستعادة السيادة، لكنه اليوم يُقابل بواقع مؤلم يعاني فيه أبناء الجنوب من أزمات اقتصادية خانقة وغياب أبسط حقوقهم، وعلى رأسها الرواتب التي تُعد شريان الحياة للمواطنين.
تمر هذه المناسبة العظيمة في ظل ظروف معيشية كارثية يعيشها الشعب، حيث أصبحت الرواتب المفقودة عنواناً لمعاناة الآلاف من الموظفين والمتقاعدين الذين يواجهون شبح الجوع والفقر. كيف يمكن الاحتفال بذكرى الاستقلال ونحن نعيش في حالة من التبعية الاقتصادية والضعف الإداري؟ كيف نتحدث عن الحرية ونحن عاجزون عن تأمين أبسط احتياجاتنا اليومية؟
لقد أصبحت الأسر في الجنوب تكافح من أجل البقاء وسط ارتفاع جنوني للأسعار، وانعدام الخدمات الأساسية، وانهيار قيمة العملة. المواطن، الذي يفترض أن يكون المستفيد الأول من استقلال وطنه، أصبح اليوم رهينة للقرارات العشوائية والفشل الإداري للحكومة والسلطات المحلية، التي يبدو أنها تخلت عن مسؤولياتها تجاه الشعب.
ذكرى الاستقلال ليست مجرد يوم للاحتفال، بل هي لحظة للتأمل والمحاسبة. ما جدوى الاستقلال السياسي إذا لم يكن مصحوباً باستقلال اقتصادي يضمن حياة كريمة للمواطنين؟ كيف نستطيع أن نقول إننا أحرار ونحن نفتقد الأمان الوظيفي والاقتصادي؟
في ظل هذا الواقع، تبقى ذكرى 30 نوفمبر دعوة للعودة إلى روح النضال الحقيقي، الذي لا يقتصر على مقاومة المحتل، بل يمتد إلى مقاومة الفساد، والإهمال، وسوء الإدارة.
عيد الاستقلال يجب أن يكون فرصة لإعادة التفكير في مسارنا الحالي. هو نداء للحكومة والسلطات المحلية لتحمل مسؤولياتها، والإيفاء بوعودها، ووضع خطط حقيقية لمعالجة الأزمات التي تعصف بالجنوب. فالمواطن، الذي صنع الاستقلال بدمائه، يستحق حياة كريمة، لا حياة تتسم بالقهر والحرمان.
في ذكرى الجلاء، نتساءل: هل نحن حقاً مستقلون؟ وهل نعيش في وطن يعبر عن طموحاتنا وأحلامنا؟ الإجابة على هذه الأسئلة تكمن في أفعال من يقودون هذا الوطن، وليس في شعارات تُرفع أو كلمات تُقال.