آخر تحديث :الأحد - 07 يوليه 2024 - 01:28 م

اخبار وتقارير


لماذا فشلت وحدة اليمن ونجح اتحاد #الامارات ؟ ( تحليل خاص)

السبت - 02 ديسمبر 2017 - 11:24 م بتوقيت عدن

لماذا فشلت وحدة اليمن ونجح اتحاد #الامارات ؟ ( تحليل خاص)

عدن تايم / تقرير خاص :

يحتفل الشعب الاماراتي الشقيق في الثاني من ديسمبر من كل عام بعيد اعلان تأسيس الاتحاد الاماراتي ، ذكرى تختزل قصة نجاح تاريخي ارسى مداميكه القائد الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وطيب ثراه .
قام اتحاد الامارات في 2 ديسمبر عام 1971 أي قبل تسعة عشر عاما من اعلان قيام دولة الوحدة بين جنوب اليمن وشماله في العام 1990 ، لكن الاتحاد الاماراتي اليوم بعد 46 عاما من تاسيسه يبدو أكثر قوة وصلابة في حين وحدة اليمن أصبحت كهشيم تذروه الرياح فقد تلقت طعنتها الاولى بعد اربعة اعوام فقط من اعلانها في حرب صيف 1994 – سيئة الصيت – والتي لم تلق بعدها عافية تذكر ليصل الحال اليوم الى ان تصبح الوحدة اليمنية اسما فقط لا وجود له على الواقع الاجتماعي .
ما الذي اختلف في الامارات عنه في اليمن ، لينجح ذلك الاتحاد وتفشل هذه الوحدة .. انه اختلاف اسس البناء منذ البداية ، واذا اختل أساس بناء انهد على رؤوس بانيه وساكنيه .
في نوفمبر 1989 جاء الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح الى عدن وقال في خطاب القاه بمناسبة احتفال الجنوبيين بعيد الاستقلال : (( أتيناكم ونحن نريد الوحدة في أي صيغة تريدون سواء الفيدرالية او الكونفيدرالية او الوحدة الاندماجية المباشرة )) .. كان صالح يدرك تماما عاطفية القيادة الجنوبية من جهة ، والجروح الداخلية التي سببتها مأساة 13 يناير 1986م من جهة أخرى ، ولذا المح الى الاندماج المباشر كأحد الخيارات مدركا ان اختيارها من الطرف الجنوبي ليس ببعيد وهو ما تم بالفعل .
بدأت الوحدة اليمنية منذ اليوم الاول بنية الغدر من الشريك الشمالي وبصفاء القلب المبالغ فيه من الشريك الجنوبي ، وقعت اتفاقية الوحدة اليمنية في نصف ورقة فقط وهي اقل من مساحة ورق عقد تأجير منزل او عقد زواج ، تنازل الطرف الجنوبي عن عاصمة وعملة ورئاسة دولة ، في حين دخل الطرف الشمالي الوحدة الجديدة بنية الغدر من اول يوم كما تروي ذلك مذكرات الشيخ عبدالله الاحمر الذي حكى عن طلب صالح منه التنسيق لمعارضة اتفاقياته مع الحزب الاشتراكي بعد توقيعها بحجة ان فيها نقاطا غير صائبة .
على النقيض من ذلك ، كان الاتحاد الاماراتي منذ اليوم الاول لتأسيسه ومنذ ايام التحضير له نظاما قائما على روح الاتحاد والتعاون .. أطلق الشيخ زايد على الصحيفة الرسمية الصادرة في ابوظبي اسم صحيفة ( الاتحاد ) قبل عامين من قيام الاتحاد لايمانه بان روح الاتحاد والتعاون لا الضم والالحاق هي الطريق القويم لتأسيس مداميك دولة قوية قادرة على اللحاق بركب الحضارة ، وخصص الشيخ زايد جزءٍ كبير من دخل إمارته من النفط لصندوق تطوير الإمارات المتصالحة قبل بداية دولة الإمارات العربية المتحدة كدولة اتحادية.
وعلى عكس نظام صنعاء الذي راى في الجنوب وثرواته مغنما وفيدا ، واعتبر الجنوب فرعا عاد الى الاصل ، فان السلطة الاماراتية المركزية ومنذ قيام الاتحاد الاماراتي استخدمت ثراء البلاد من مواردها الطبيعية لمصلحة دولة الإمارات العربية المتحدة كلّها، واستخدموا ثراء النفط لتحسين معيشة كافة أفراد الشعب فيها، وتشييد بنية تحتيّة تساند مجموعة نامية من النشاطات والصناعات غير النفطية ، ووفرت الوزارات الاتحادية خدمات التعليم المجاني، والإسكان، والرعاية الصحية، والمساعدات الاجتماعية للإماراتيين .
ظلت العلاقة بين ين الحكومة الاتحادية وحكومات الإمارات تتميز بإعطاء الحكومة المركزية سلطات محددة وتركت مساحة غير محددة من السلطات للإمارات كل على حدة. وتحتفظ كل إمارة بالسيطرة على نفطها وعلى ثروتها المعدنية وعلى بعض مظاهر أمنها الداخلي. وللحكومة الاتحادية الكلمة الأولى في معظم مسائل القانون والحكم، ومسؤوليتها بالدرجة الأولى العلاقات الخارجية والسياسات الدولية والدفاع عن الوطن ضمن مسؤوليات أخرى منها الصحة والتعليم وغيرها.
لكن الدستور الاماراتي يمكن حكام الإمارات من التنازل للحكومة الاتحادية في حال رغبوا في ذلك، عن سلطات معينة نص عليها كمسؤولية منفردة لكل إمارة. ومن الأمثلة على هذا الامتياز قرار توحيد القوات المسلحة في منتصف السبعينات. وعلى هذا الأساس فإن لكل إمارة مساحة من الأرض تابعة لها، أكبرها إمارة أبوظبي. ولكل إمارة استقلالها في إداراتها المحلية. وتتكفل العاصمة أبوظبي في احتضان جميع الوزارات وإدارة سياسات الدولة وتشريعاتها.
اليوم وبعد 46 عاما من قيام الاتحاد الاماراتي هناك نزعة لدى الامارات المحلية نحو اعطاء مزيد من الصلاحيات للسلطة المركزية ، في حين الوحدة اليمنية الاندماجية بعد 27 عاما مهددة باعلان التفكك الذي صار واقعا على الارض ، واقصى حل يتفاءل به المتفاءلون للابقاء عليها هو تحويلها الى دولة اتحادية بعد تجربة الاندماج الفاشلة .

اختلاف النشأة
قامت الوحدة اليمنية على اسس غير سليمة بتاتا ، ولم يطلب الطرف الجنوبي باعتباره الطرف المتنازل أي ضمانات تضمن عدم انقلاب الشريك الشمالي عليه ، عرفت الوحدة اليمنية منذ أول أيامها نظام الحكم المركزي الذي أضاف اعباء جديدة على السكان في المحافظات الجنوبية والشرقية ، كل المعاملات المالية والادارية والقضائية مرتبطة بصنعاء ، وكل الصلاحيات مع المركز ، لم يكن هناك من مظهر شراكة حقيقي غير مجلس الرئاسة الذي تكون من خمسة اعضاء برئاسة علي عبدالله صالح وكان الشريك الجنوبي ممثلا فيه بعلي سالم البيض وسالم صالح محمد ، قبل ان تقلص نسبته الى شخص واحد فقط بعد انتخابات عام 1993 .
جاءت انتخابات 1993 البرلمانية لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير ، كان من الغباء الموافقة على انتخابات برلمانية تمنح طرفا رئيسيا في الوحدة كالطرف الجنوبي نسبة اقل من 20% من اعضاء البرلمان رغم انه صاحب المساحة الاكبر ، بدأ الطرف الجنوبي يومها يشعر بالضيم والغبن بعد النتائج التي افرزتها انتخابات 1993 وادرك حينها انه يوشك ان يتحول من شريك في صنع الوحدة الى خارج من دائرة صنع القرار بما في ذلك محافظات الدولة التي قدمها الى دولة الوحدة ، واستمرت التوترات الى ان جاءت وثيقة العهد والاتفاق والتي وضعت الخيار الفيدرالي كخيار لانقاذ الوحدة .
وقع صالح والبيض وثيقة العهد والاتفاق في العاصمة الاردنية عمان في 18 يناير 1994 ، لكن نية الغدر المغروسة في صالح لم تدع لتنفيذ الوثيقة مجالا ، توالت بعدها الاستفزازات السياسية والعسكرية مثل عزل البرلمان الذي لم يكن فيه حضورا جنوبيا متوازنا لعلي سالم البيض من منصبه والهجوم على معسكرات للقوات الجنوبية في عمران وذمار ، ليصل الحال الى انفجار شامل للاوضاع واعلان فك الارتباط في 21 مايو 1994م .
وبعد سنوات من انتصار الطرف الشمالي في حرب 1994 عانى فيها الجنوبيون من التمييز ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية خرج المارد الجنوبي من قمقمه في العام 2007 معلنا بدء مشوار جديد للعودة الى دولة الجنوب السابقة التي اندمجت في اتفاق سياسي مع الشمال في العام 1990 واحس مواطنوها فيما بعد ان هذا الاندماج كان خطأ فادحا .
أما في الامارات فقد اتّخذ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حاكم إمارة أبوظبي، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، الخطوةَ الأولى نحو إنشاء الاتحاد ، فقد عقد اجتماع في الثامن عشر من فبراير 1968م في السميح، على الحدود بين أبوظبي ودبي، وقد وافق الشيخ زايد والشيخ راشد في ذلك اللقاء التاريخي على دمج إمارتَيهما في اتحاد واحد، والمشاركة معاً في أداء الشؤون الخارجية والدفاع، والأمن والخدمات الاجتماعية، وتبنّي سياسة مشتركة لشؤون الهجرة. وقد تُركت باقي المسائل الإدارية إلى سلطة الحكومة المحلية لكلّ إمارة. وعُرفت تلك الاتفاقية المهمة بـ"اتفاقية الاتحاد" .
وبعد ثلاث سنوات من الجهود المكثّفة لتشكيل الهيكل الدستوري والشرعي ، عُقد اجتماع في دبي في 18 يوليو 1971م، وقرّر حكّام ست إمارات من الإمارات المتصالحة، هي: أبوظبي، ودبي، والشارقة، وعجمان، وأم القيوين، والفجيرة، تكوين الإمارات العربية المتحدة . وفي 2 ديسمبر 1971م أُعلن رسميًّا تأسيس دولة مستقلة ذات سيادة، وبعد ذلك، أي في 10 فبراير 1972م، انضمّت رأس الخيمة إلى الاتحاد، فأصبح الاتحاد متكاملاً باشتماله على الإمارات السبع.
في اليمن ألغى صالح مجلس الرئاسة بعد الحرب ، وحول السلطات بمساندة مجلس النواب الذي كان يسيطر على غالبيته الى سلطة رئاسية مطلقة ، أما في الامارات فالسلطة التنفيذية تتألف من رئيس الدولة ونائبه ومن المجلس الأعلى للاتحاد الذي يضم حكام الامارات السبع ، هناك الحكومة الاتحادية الاماراتية ولها دور محدد، وهناك الحكومات المحلية لكل امارة ولها دور ضمن حدود إمارتها .

اختلاف النتائج
يكذب من يقول ان النفط هو العامل الاساسي في نهضة الامارات ، هذا النفط كان متوفرا في العراق بكميات اكبر من قبل ، لكن اسلوب ادارة الموارد وادارة الدولة هو الفارق دائما في تقدم او تدهور أي دولة واقتصادها .
تحولت الامارات خلال ثلاثة عقود من دولة صحراوية الى دولة تضم اكبر الموانئ العالمية بلا منافس مثل ميناء خليفة في ابوظبي وميناء جبل علي في دبي ..كما تمتعت بسوق أسهم نشط وآخر عقاري واعد وشركات عقارية تعد من أكبر مطوري العقارات على مستوى العالم ، وحققت قفزات تنموية حتى ارتفع الناتج المحلي الإماراتي بنحو 236 ضعفاً .
أثبتت الامارات ان الوحدة ممكن ان تكون عنصر بناء بعد ان كنا قد راينا في دول عدة ومنها اليمن نماذج سلبية انتهت الى فشل ذريع وتبدل معه استشراف المستقبل الى حنين الى الماضي ، لكن حالة الاتحاد الاماراتية اثبتت ان الوحدة ليست مشكلة اذا بنيت على اسس سليمة لا تهضم حق الشركاء ولا تقوم على اساس الضم والالحاق والفرع والاصل .
اعطى الاتحاد الاماراتي للامارات الاعضاء فيه امتيازات عديدة ولم يأخذ من سلطاتها المحلية شيئا ولم يؤثر على الاستقلال المحلي لاي امارة وادارتها لمؤسساتها المحلية .
اما في اليمن وبعد الوحدة الاندماجية فقد تحول ميناء عدن من ثاني افضل ميناء بالعالم الى ميناء لم يعد يمثل أي رقم يذكر في الملاحة العالمية ، وتحولت عدن من عاصمة دولة الى مدينة تعاني انقطاعات الكهرباء والمياه لساعات ، وقرابة نصف السكان في اليمن لا يحصلون على الغذاء الكافي والمياه النظيفة ، ونسبة كبيرة من الأطفال اليمنيين لا يلتحق بالمدرسة لإرتباطاتهم العمالية لإعالة أسرهم ، ونظام الرعاية الصحية متخلف ، والاقتصاد ضعيف ، والأسوأ من هذا نظر المواطن الى الوحدة بانها سلبت منه ولم تعطيه .