آخر تحديث :الأحد - 29 سبتمبر 2024 - 02:40 ص

اخبار وتقارير


لماذا عزف المواطنين في عدن عن دفع فواتير الكهرباء؟ وما خطورة ذلك على المؤسسة؟ (تقرير)

الجمعة - 16 مارس 2018 - 01:46 ص بتوقيت عدن

لماذا عزف المواطنين في عدن عن دفع فواتير الكهرباء؟ وما خطورة ذلك على المؤسسة؟ (تقرير)

عدن تايم / كرم أمان

بدأت أزمة الكهرباء وتمرد المشتركين من مواطنين وتجار في عدن عن دفع قيمة إستهلاك الطاقة الكهربائية ، بين عامي 2009 و 2010 عندما أقدمت مؤسسة الكهرباء حينها وبدون أي مبرر برفع تسعيرة الكهرباء التي وصلت الى 100% بالنسبة للفنادق والمحال التجارية فيما وصلت الى 50% بالنسبة للمواطنين .

وربما يتذكر الجميع في تلك الفترة القريبة ما شهدته عدن من إحتجاجات شعبية غاضبة بسبب رفع تسعيرة الكهرباء ، فيما أعلنت وقتها معظم المجالس المحلية في مديريات عدن تعليق أعمالها وتسجيل إحتجاجها ضد هذا القرار الذي إعتبروه قراراً غير مسؤول أو قانوني .

مثلت تلك الدعوة الشهيرة التي أطلقها أمين عام المجلس المحلي في مديرية صيرة حينها عوض مبجر للمواطنين بعدم تسديد قيمة فواتير الكهرباء حتى يتم التراجع عن التسعيرة الجديدة التي بدأ فرضها رسمياً في منتصف العام 2010 ، أول شرارة للتمرد على مؤسسة كهرباء عدن والتي إستمرت حتى يومنا هذا .

ورغم أن النظام السابق كان في أوج جبروته وغطرسته في تلك الفترة ، لكن محاولات الضغط والتخويف التي كانت تقوم بها ترسانته الأمنية والعسكرية ضد المواطنين لتسديد قيمة فواتير الكهرباء لم تفلح في إخماد الغضب والتمرد الشعبي ضد مؤسسة الكهرباء في عدن .

كما إتخذت عملية تسديد فواتير الكهرباء والمياه بعدن منحى أخر في تلك الفترة التي إنتعش فيها الحراك الشعبي الجنوبي ومطالب الإستقلال وإستعادة الدولة ، وبدأ المواطنين يشعرون أنهم واقعين تحت ظلم وغبن النظام الشمالي الذي إستخدم في كثير من الأحيان القوة والرصاص الحي ضد المواطنين لإجبارهم على تسديد قيمة الكهرباء والمياه ، فضلاً عن أعمال تعسفية أخرى ترافقت مع الإحتجاجات الشعبية ضد مؤسسة الكهرباء وقتها .

وما بين تلك الأعوام وحتى اليوم ، مرت البلد بشكل عام بمنعطفات كثيرة لعل أهمها أزمة العام 2011 وما تلاه من إنتشار للفوضى والعشوائية وغياب أي دور حكومي ، بالإضافة الى توسع نشاط الحراك الجنوبي وتحرر المواطنين من القبضة الحديدية للأجهزة الأمنية القمعية التي عانوا ويلاتها لسنوات طويلة، الأمر الذي شجع الى حد كبير في توسع ذلك التمرد الشعبي وإستفحاله على إعتبار أنه تمرد على النظام برمته ، فضلاً عن إنتشار ظواهر أخرى جديدة على عدن مثل الربط العشوائي وغيرها من المخالفات التي إتسعت لاحقاً على إثر تلك الفوضى والعشوائية التي عصفت بالبلد .

ووصلت في تلك الفترة نسبة أعداد المشتركين من المواطنين والتجار الذين عزفوا عن تسديد قيمة فواتير الكهرباء الى أكثر من 30% ، قبل أن تتفاقم الأزمة ويرتفع عدد العازفين عن السداد منذ العام 2011 وحتى ما قبل الحرب الأخيرة الى أكثر من 80% ، وهي النسبة التي إرتفعت قليلاً عقب الحرب لأسباب عديدة لعل أهمها عدم إيفاء الحكومة بوعودها وإلتزاماتها بتحسين منظومة الكهرباء وإسقاط مديونية العام 2015 المتراكمة لدى المشتركين التي سبق وأن وعد محافظي عدن بإسقاطها .

وفي هذا الشأن يقول الناطق الإعلامي لمؤسسة كهرباء عدن ماهر الشعبي في تصريح خاص لـ "عدن تايم" أن عدد المشتركين من المواطنين في منظومة الكهرباء بعدن يبلغ 163.956 مشترك ، فيما يبلغ عدد المشتركين من القطاع التجاري والحكومي 9140 مشترك .

وأضاف أن نسبة عدد المواطنين المسددين لقيمة فواتير الكهرباء تبلغ 15% فقط ، بينما تبلغ نسبة عدد المسددين من المحلات الصغيرة 57% ، ونسبة المسددين من كبار المستهلكين من القطاع التجاري وصلت الى 80% ، لافتاً أن القطاع الحكومي لا تتعدى نسبة السداد فيه 1% فقط .

وحول مديونيات مؤسسة الكهرباء لدى المواطنين ، أكد الشعبي أنها تبلغ 22 مليار ومأئتين مليون ريال ، فيما تبلغ المديونية عند القطاع التجاري 666 مليون ريال ، وأوضح أن مديونية الكهرباء لدى القطاع الحكومي تبلغ نحو 17 مليار ريال .

وبشأن واقعة عزوف المواطنين عن السداد يوضح الشعبي أن ذلك التمرد جاء نتيجة لحملات التعبئة والتحريض السابقة ، مشدداً أن المؤسسة سبق وأن قدمت التسهيلات الممكنة للمشتركين للسداد منها التقسيط المريح ، حتى وصل الحال بالمؤسسة الى قبول أي مبلغ يستطيع المشترك دفعه لاسيما من المواطنين .

ونوه الشعبي أن إستمرار عزوف المواطنين عن السداد يشكل خطراً كبيراً ، وسيؤدي الى عرقلة المؤسسة على الإيفاء بإستمرارها في تقديم خدماتها من خلال عدم قدرتها على شراء قطع الغيار اللازمة لمحطات التوليد والتحويل والمحطات الفرعية وإجراء الصيانة الدورية ، فضلاً عن تقليص موازناتها التشغيلية للمحطات والمناطق .

وأوضح أن مؤسسة كهرباء عدن تواجه عجزاً مالياً خانقاً ، مؤكداً أن إستمرار عزوف المواطنين عن السداد سيفاقم أعباء المؤسسة وسيشل قدرتها على الإيفاء بإلتزاماتها الداخلية مثل دفع مرتبات العاملين وغيرها ، مما سيؤثر بشكل كبير على أداء المؤسسة وإستمرارها في عملها .

ودعا الشعبي أبناء العاصمة عدن الى إستشعار المسؤولية التي تقع على عاتقهم لإنتشال مؤسسة الكهرباء من الأزمة التي تعيشها لضمان إستمرار عملها وتحسين قدرتها ، كما طالب منظمات المجتمع المدني الى بذل جهد أكبر للمساعدة في بناء مؤسسات المدينة ومن ضمنها مؤسسة الكهرباء .

وحول المديونية السابقة الخاصة بالعام 2015 والتي سبق وأن وعد محافظي عدن جعفر محمد سعد رحمه الله وعيدروس الزبيدي بإسقاطها نظراً لظروف الحرب التي عاشتها المدينة ، أكد الشعبي أنه لم يصدر أي قرار رئاسي من الرئيس عبدربه منصور هادي بهذا الخصوص .

وقال أن هناك كانت محاولات لمحافظي عدن لإعفاء المواطنين من مديونية العام 2015 على أن يلتزموا بالسداد بصورة منتظمة منذ مطلع العام 2016 ، لكن فئة كبيرة من المشتركين لم يلتزموا بذلك ، الأمر الذي أضر بالمؤسسة كثيراً وبات يهدد بشل حركتها بشكل نهائي .

مختتماً حديثه أن مؤسسة الكهرباء في عدن سهلت للمشتركين في وقت سابق عملية السداد من خلال التقسيط ، فضلاً عن كونها قامت بفتح مكاتب جديدة للتحصيل كان أخرها مكتب التواهي ، كما فتحت حساب للسداد عبر شركة الكريمي الصرافة .

بالمقابل يرى المواطن رمزي سالم (47 عام) من أبناء حي المعلا بعدن أنه عازف منذ سنوات عن تسديد فواتير الكهرباء والمياه ، مرجع أسباب ذلك الى عدم قدرته على سدادها ، وأوضح أن دخله الشهري يبلغ 48 ألف ريال ويعيل أسرة مكونة من أربعة اشخاص .

وقال في حديث خاص لـ "عدن تايم" : "كل شي إرتفع سعره في عدن ما عدا الرواتب التي لم تزيد ريال واحد ، والمشكلة الأكبر أن الراتب الشهري لا يكفي حتى لشراء راشن شهري ـ مواد غذائية ـ لبيتي وأسرتي ، فكيف بالله عليكم بأقدر أدفع كهرباء ومياه ؟"

وأكد على ضرورة تسديد قيمة الكهرباء والمياه ، لافتاً أن ذلك حق للدولة ومن الواجبات الضرورية على المواطن ، لكنه يقول بأن على الدولة أولاً تنفيذ واجباتها وإستشعار مسؤولياتها تجاه مواطنيها وتقوم برفع مرتباتهم وتحسين دخولهم الشهرية وهو حق من حقوق المواطن ، حتى يتمكن من القيام بواجباته تجاهها وتجاه مؤسسات الدولة .

ولفت أنه من الضروري أن يستشعر المواطنون بالخطورة التي تمر بها مؤسسة الكهرباء من تدهور ، لكنه يرى بأن المواطن بات يقف عاجزاً أمام ذلك ولا يستطيع أن يتحمل فوق طاقته في ظل أوضاع سيئة وتجاهل حكومي مريب ، في الوقت الذي يقف الموظف المتقاعد بالأسابيع والشهور أمام مكاتب البريد لإستلام معاش لا يتجاوز 25 ألف ريال.

لكن الموظفة في شركة النفط بعدن "س.ن" ترى بأن سداد قيمة فواتير الكهرباء والمياه جزء من الإلتزامات الشهرية لدى المواطنين الواجب سدادها مثلها مثل بقية السلع والخدمات الضرورية ، مشيرة بأن مؤسسة الكهرباء فيها عمال وموظفين من أبناء عدن ينتظرون بفارغ الصبر نهاية الشهر لإستلام مرتباتهم ايضاً ، ومن غير المنطقي أن نحرمهم لأي سبب كان ، حتى وأن كانت الكهرباء رديئة .

وأضافت في تصريح خصت به عدن تايم أنه كما نرى ونفكر بأنفسنا وأولادنا وبيوتنا يجب علينا أيضاً أن نفكر بإخوتنا في مؤسسة الكهرباء الذين فاتحين بيوت ويعيلون عائلات ، وأشارت أنه أولاً وأخيراً نحن ندفع ثمن خدمة تقدم لنا حتى وإن كانت رديئة ، فكل شخص يدفع بقدر إستهلاكه .

وشددت أن عملية سداد قيمة إستهلاكه للكهرباء شهرياً ستساعد ايضاً المواطنين على ترشيد إستهلاكهم للطاقة ، منوهة أن العكس صحيح ، فجميعنا نعلم أن عدم سداد الكهرباء شجع الكثير منا على عدم الإكتفاء بـ "مكيف" واحد في المنزل كما كان سابقاً ، ومثل ما يقول المثل "المال السايب يعلم السرقة" حد قولها .

لكن الموظفة قالت في ختام حديثها أن عملية قراءة وتقدير الإستهلاك الشهري للكهرباء لدى المشتركين باتت تتم في غالب الأحيان عن طريق التقديرات والعشوائية وهذا أمر خطير ، داعية عمال وموظفي الكهرباء الى تحمل مسؤولياتهم والمواظبة على أعمالهم ووقف العبث والعشوائية التي أصبحت منتشرة بشكل مخيف في عدن ، بالإضافة الى التعرفة التي يجب النظر فيها ومراعاة المواطنين ذوي الدخول المحدودة الذين لا يستطيعون الإستغناء عن المكيفات في مدينة حارة مثل عدن .

ويعود الحاج عبدالله القاضي (63 عاما) من أبناء حي كريتر بالذاكرة الى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ، حيث قال : "كان الموظف عند إستلام راتبه الشهري وقبل ما يعود الى منزله يذهب أولاً الى الهيئة العامة للقوى الكهربائية والهيئة العامة للمياه لتسديد ما عليه من إلتزامات شهرية، مشيراً بأن مرتب الموظف كان يكفي لتسديد قيمة فواتير الكهرباء والمياه ومن ثم الهاتف الأرضي ويقوم بشراء الراشن الشهري والمصاريف اليومية بل ويقوم بالإدخار في كثير من الأحيان ما تبقى من راتبه".

وأضاف في تصريح لـ "عدن تايم" : "أما اليوم يا إبني راتبي لا يتعدى الـ 30 ألف ريال ، والإلتزامات الضرورية لي ولمنزلي تفوق الـ 100 ألف ريال ، علماً بأني أسكن في منزلي الخاص ، والدبة الغاز باتت تباع اليوم بـ 4 أو 5 ألف ريال ، وكل ما أذهب لشراء أي سلعة أجدها إرتفع سعرها بشكل شبه يومي ، والعذر الجاهز الذي يتردد في هذه الأيام (الدولار) ".

وأوضح الحاج القاضي أن زمان كانت الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الخدمات الضرورية مجانية ، بينما خدمات الكهرباء والمياه والكيبرواليس (الإتصالات) كانت بأسعار رمزية ، أما اليوم فالتعليم بفلوس والمستشفيات بفلوس حتى إستلام المعاشات لا تتم إلا بدفع فلوس وغيرها من الرسوم التي تفرض على كل شي وكل خدمة نحتاجها" .

وحول ضرورة تسديد قيمة فواتير الكهرباء والمياه يؤكد القاضي أنه من الضروري الإلتزام بالتسديد ليس لأجل شي سوى لضمان إستمرارها وبقاءها حتى ولوكانت بحدها الأدنى ، لكن عزائنا الوحيد أن تلتفت الحكومة لنا وتراعي ظروفنا المعيشية وتتحمل مسؤولياتها تجاه مواطنيها وإلا عليها الإستقالة والإعتذار للشعب عن ما اقترفته بحقهم حد قوله .