آخر تحديث :الجمعة - 27 ديسمبر 2024 - 01:17 م

كتابات واقلام


الحل السياسي كطوق نجاة للطغاة .. علي صالح أنموذجا

السبت - 23 يوليه 2016 - الساعة 11:29 م

هدى العطاس
بقلم: هدى العطاس - ارشيف الكاتب


حدٌث أحد خلصاء علي عبدالله صالح " شبه المخلوع" في اعتراف حصري: أنه في الشهرالأول والثاني من عام 2011م إبان خروج حشود الشعب تطالب برحيله فيما سميت حينها "ثورة التغيير". كان اعوان فساده وحاشيته وسماسرته واذناب نظام حكمه وقبلهم جميعا صالح نفسه موقنين بسقوطه لا محالة حد أن عمموا بينهم ما فحواه : إن أتخذوا تدابيركم لمواجهة فراغ مابعد الرحيل. وفي خضم بلبلتهم وتهاويهم أمام الفورة الشعبية التي كانت في اوج زخمها وشدة عريكتها. قال خليص صالح: إذ بطوق نجاة يلقى الينا. لقد جاء طوق النجاة لصالح ونظامه إذاً! وما كان ذلك سوى "مبادرة سياسية" لحوار سعت اليه أنذاك الاحزاب والنخب الولائية التابعة لها، أولئك الذين التحقوا بركب "المحتشدين" بعد حين من الخروج الشعبي العفوي وقفزوا فوق ظهر الساحات ليمسكوا خطامها وتوجهيها بأنتهازية شديدة ولؤم تليد. لطالما كمن الفرق بين ساحات الثورة وجرف المبادرات السياسية، إن الأولى فعل وطني عفوي دافعه تطلعات الشعوب للتخلص من جور الطواغيت ومنظومة حكمهم الفاسد. بينما الثانية فعل ميكافيلي اجرائي مغلق، تحده الرؤى النخبوية الضيقة، وتهندسه مصالح التيارات والفئات والفاعلين البراغماتيين التي عادة تتقاطع قنواتهم وتلتقي مع منظومة الحاكم، الرئيس شابقاو " شبه المخلوع " لاحقا، ويتبادلان معا قواعد التغذية المرتجعة. وفي الحالة اليمنية تجسد المثال للعلاقة الملتبسة والتغذية المرتجعة بين نخب الفاعلين السياسيين وصالح الرئيس سابقا "شبه المخلوع" لاحقا. ما يعنينا اليوم هو مايفرضه تأمل حالة المماثلة اللافتة التي تتبدى بين حدثين ومشهدين يفصل بينهما خمس سنوات من الزمن ويلاصق بينهما الكثير من الوقائع والاحداث والمشابهات، وتضع المقارنة أمامنا مداميك مشهد مطابق قد يتفاقم حد التوأمة. تذكرنا الوقائع أنه في عام 2011م وفي الشهرين الأول والثاني منه كان هناك احتشاد شعبي ثائر يطالب باسقاط الرئيس صالح وتغيير نظامه، ورغم شراسة المواجهة ووحشية ألة القتل والتنكيل فأن النصر الشعبي كاد يتحقق. لكن في أوج المشهد المزدهي ذاك يتم جرجرت الثورة إلى كواليس الحوار السياسي عبر إعلان مبدرة سياسية سميت " المبادرة الخليجية" انفرط على أثرها مشهد الحشود الشعبية الثائرة وكرت سبحة انتكاساتها. ومن المعلوم للجميع منزلقات الانتكاسة واسبابها الانتكاسة بدء من سيطرة الاحزاب ذات المنشاء التقليدي والقواعد القبليه حزب الاصلاح" الاخوان المسلمين" التي احجمت عن الخروج ثم هرولت بنفس انتهازي لاهث، مرورا بقبول التحاق قوى النظام واعمدته بساحات الحشد الشعبي حتى بلغ الأمر بهذه القوى فرض الوصاية على الحشد بحجة حمايته. كان السقوط العلني مرافقا لحفاوة الشعار الشهير" حيا بهم حيا بهم" الذي خول لكل الممسوسين بالفساد المشبوهين بالتهم الالتحاق بالساحات وانتحال المطالب، واخيرا جاءت في الصميم كطعنة لجسد متقرح دعوات التوافق السياسي على شكل مبادرة حوار قادته اطراف خارجية، وتواطئت لأجله اطراف الفيد السياسي الداخلية، وتعامل " حشود الثوار" معه بسلبية وخمول بليد. اخمدت على اثره ماسمي ب "ثورة التغيير"، وانتهى مشهدها وطواه النسيان. وظل وجود صالح وبقاء سلطته حقيقة قائمة، وأن حاول الضالون التلفع بشبهة خلعه لإسكات ضمائرهم. وعطفا على المقارنة يمثل امامنا السيناريو ذاته يعاد انتاجه مع تغيير في بعض التفاصيل لأختلاف سياق الوقائع وإن ظل المشهد كأنما كادرلفيلم ممتد على الشاشة نفسها. فقبل سنة ونيف وبعد وقائع كلنا يعلمها عن عدوان قوات الحوثي وصالح على مدينة عدن واقتحام جحافلهم لمناطق جنوبية اخرى ويومها اعلن تحالف عربي بقيادة المملكة العربية السعودية تصدٌيه وردعه لهذا العدوان الغاشم وإعادة الشرعية ممثلة بهادي، وحينها وبمشاركة المقاومة الجنوبية الباسلة حققا التحالف والمقاومة نصرا بائنا دحرت من خلاله قوات الحوثي وصالح واخرجت مهزومة من عدن وعديد مناطق جنوبية. دعوات الحل السياسي: يتذكر المتابعون أنه لم يمر وقتا على انتصار التحالف والمقاومة الجنوبية، و قبل أن يستثمر هذا الانتصار وتستقر ركائزه، انبثقت دعوات المطالبات بالذهاب إلى حل سياسي، والدفع بفرض حوار بين اطراف الصراع،، والصدمة تكمن في أن الحكومة الشرعية بقيادة هادي هرولت لتلقف الدعوة بنفس لهث القوى السياسية والاحزاب الذي اسلفناه أعلاه أبان " ثورة التغيير". وهرولت للحوار دون تبصر أو شروط يفرضها موقفها القوي أنذاك المدعوم بالتحالف، وهكذا تم اعلان بدء اللقاءات السياسية وتوالت مارثوناتها حتى اللحظة، وفي السياق ما يستوجب الوقوف لتأمله: أن دعوات الحوار أنطوت على مساواة بين اطراف الصراع، بل يذهب بعض المراقبون أن كفة الحوثي وصالح سجلت ثقلا اكبر لدى بعض جهات التوفيق السياسي! وها نحن حاضراً منذ إعلان دعوة الحل السياسي واللقاءات التشاورية في 2015، نشهد انعكاسات ذلك على الحوثي وصالح، أي الطرف «الانقلابي» الذي استعاد أنفاسه وأعاد ترتيب أوراقه وصفوفه. هل الأمر مدفوع بطوية سليمة؟ أم أن الامر مقصود لخلط اوراق المشهد كما خلط مواقع اطراف صراعه، وبالتالي تشويش خارطة سبل حله لغرض في نفس يعقوب؟! لن نستعجل ستسفر الأجابة مع الوقت عن نفسها. تقودنا المقارنة إلى ما نتج عن اعلان " المبادرة الخليجية" 2011م وتدابير تنفيذها، من استعادة صالح ومراكز نفوذه لأنفاسهم، وإعادة شحن قواهم، وتثبيت حضورهم السياسي.إعادة ضخ المزاج الشعبي المناصر. وها نحن حاضرا منذ اعلان دعوة الحل السياسي واللقاءت التشاورية في 2015 الى اليوم نشاهد انعكاسات ذلك على الحوثي وصالح الطرف "الانقلابي" إذ وبنفس الطريقة استعاد انفاسه وأعاد ترتيب اوراقه وصفوفه والأكثر من ذلك يعيش وضعا معيشيا وعسكريا وسياسيا مستقرا على الأرض في أغلب مناطق نفوذه، وانحصر فعل التحالف إلا من بعض طلعات لطيرانه لم تفت من العضد ولم تحقق أي اختراقا يذكر في مجال تمركز العدو وعمق سيطرته وهي مناطق الشمال جميعها ولم تجبره التفريط ولو في شبر واحد منها – حتى مأرب التي يقال إن الشرعية والتحالف يسيطران عليها، فأن وضعها إلى سيطرة مليشيات الحوثي وصالح هي اقرب- والأنكى في ذات السياق نرى على طرف نقيض ومفارق تعيش المناطق المحررة وشبه المحررة -جميعها في الجنوب- اوضاع متزعزعة، وظروف معيشية مأساوية، تنعدم فيها ابسط الخدمات واكثرها ضرورة، والأخطر استيقظت في مدنها الخلايا النائمة للنظام ومليشياته "الانقلابية" وهي الرديف البديل عن جيوشه العلنية التي اندحرت أثر النصر الذي حققته العمليات العسكرية،لخلايا زرعها نظام صالح في الجنوب على شكل مليشيات ارهابية وقوى ظلامية ومفسدين وأذناب تابعين، وظل يغذيها مختزنها لتدابير يعلم هو ساعة فرصتها ويملك " ريموت" تحريكها وتوجيهها. وعود على بدء تستدعي المقارنة لما يبدو اكثر المشهديات مفارقة وعجبا: ففي 2011م ذهب المتصارعون سياسيا "وليس وطنيا" إلى اتفاق اسفر عن تنصيب عبدربه منصور هادي رئيس توافقي وهو من كان نائب علي عبدالله صالح الرئيس "شبه المخلوع"، وبحكم وضرورة منصبه السابق كنائب فقد كان هادي أحدى ذراعي صالح على مدى 20 عام عاشها صامتا هامدا جواره، وفي احسن حالات حركته هازاً رأسه بالموافقة على كل اعتسافات نظام صالح واجراءاته. وفي 2016م تضع المقارنة مداميك تطابقها كما اسلفنا حد التوأمة، عندما قام هادي الرئيس الشرعي حاليا النائب لصالح سابقا، بعد إن إبعد بخطوة وصفت بالكيدية وغير المدروسة نائبه ورئيس الحكومة " خالد بحاح" الذي واكب وشارك الحرب والانتصار، أبعده من منصب النائب، لينصب دون مراعاة ولا اعتبار بدلا عنه شقيق صالح في الحكم وشريكه الكامل في كل جرائمه الجنرال علي محسن الأحمر، وفي نفس القرار وفي قرار كارثي مفارق ينصب رئيسا للحكومة نائب صالح الأول في حزب "المؤتمر الشعبي العام" وذراعه وعضده في تسويغ فساده واجرامه أحمد عبيد بن دغرالذي كذلك كان يهز رأسه بوقاحة عتيدة موافقا صالح اثناء ما كان الأخير يعلن الزحف وشن الحرب على هادي وشرعيته . أن الأكثر لفتا وإيلاما في مفارقات المقارنة أنه: في سيناريو 2011م عمدت الاحزاب والقوى السياسية التقليدية التي فخخت "ثورة التغيير" إلى تهميش واقصاء الثوار الحقيقين المؤمنين بالثورة ومطلقي شرارتها ودجن الباقون وألفوا ضمن المؤتلفين. واليوم يتخذ سيناريو الحاضر الخطوات، نفسها إذ نرى المقاومين الفعليين الذين واجهوا جحافل الحوثي وصالح وهزموها بمشاركة التحالف يهمشون ويقصون ويلاحقون ويسفهون، بعدما استشهد خيرتهم في ساحات الشرف والمقاومة واستشهد بعضهم بعد الحرب غيلة وغدرا، و يتم تدجين آلاخرين منهم، وتهيئة المؤتلفين وإحلالهم محلهم، وتفريخ المقاومة واشباهها، ولا يحجب عن راصد الأمر الأهم وهو أن مفاعيل المقاومة الشعبية الجنوبية وموجهاتها التي تمثلت في الدفاع عن الجنوب ارضا وانسانا وقضية هي الأخرى يسعى لطمسها، واخفات صوتها، وتغييب حضورها، وانتحال هدفها من أجل حرفه وتشويهه. إن استدعاء المقارنة ليس من أجل تزجية ملل المشهد، بل من أجل استقراء مواطن اليقظة حتى لا نجر لكارثية النهايات، لقد كانت الصفقة السياسية الحوارية ضدا على مطالب الحشود الشعبية عام 2011 وطوق نجاة لصالح ونظامه، قضي بها على "ثورة التغيير" وانهتها إلا من رموز فيدها وعلق حيتانها. وأن الحوارات والمشاورات السياسية الجارية حاليا بين الاطراف المتصارعة تحذو حذو سابقتها وبدأت تداعياتها تسفرعن ذات النتيجة، فهل سيحال نصر المقاومة الجنوبية والتحالف هشيما تذروه رياح التسويه السياسية، والأهم القضية الجنوبية وحراكها ومقاومتها، وهل هي على موعد ينسفها وتدابير حوارية تحرف هدفها ومطلبها الساعي لتحرير الجنوب وبناء دولته المستقلة. المحصلة: لقد جعلت المبادرة السياسية الخليجية وحوارها الرئيس صالح رئيسا" شبه مخلوع" ومما يتبدى أن دعوة الحل السياسي الحالية ستجعل الحوثي وصالح" شبه انقلابيين" ولربما جعلت التحالف والشرعية والمقاومة "اشباه مشبوهين"