آخر تحديث :الخميس - 26 ديسمبر 2024 - 09:08 م

كتابات واقلام


مأزق الدولة في البلدان النامية!!!

الخميس - 27 أكتوبر 2022 - الساعة 02:24 م

د.وليد ناصر الماس
بقلم: د.وليد ناصر الماس - ارشيف الكاتب


في مقالة سابقة تعرضنا من خلالها لفوارق جوهرية بين الثورة والدولة، أثار هذا التناول العديد من التساؤلات لدى البعض. إذ يفترض أولئك بعدم أهمية التمييز بين المفهومين، فالثورة في نظرهم تفضي بالضرورة للدولة، ورجل الثورة على هرم الدولة ضامن لاستمرارها أي الثورة في مسارها الصحيح.

مما يتعين علينا في ذلك توضيح بعض الملابسات:

ليس كل رجل ثورة رجل دولة دائما، والعكس صحيح، وصحيح إيضا إن هناك رجال ثورة ودولة في آن واحد.

الأمر الأهم هو إن الثورات الشعبية لا تعبر عن إرادة أشخاص (الثوار تحديدا) وإلا لما جاز إن تسمى ثورة، فالثورات انعكاس مباشر للإرادة الجمعية للشعوب، هناك من يتولى قيادة الفعل الثوري على الميدان، دون إن يلغي ذلك إيمان الآخرين بالمبادى الثورية، مما يكسبها زخم أكبر.

*ما الضامن لاستمرار الثورة في حالة من التوهج والعطاء؟.*

من يدافع عن أهداف الثورة هو الشعب نفسه (أي شعب)، متى ما كانت الأهداف الثورية تعبر عن طموحه وتلامس آماله، وتمكنه من إعمال إرادته وتطلعاته، حتما سينتصر لها ويعمل على تحقيقها، فالحفاظ على مكاسب الثورة لا يقتصر على العينة الثورية فحسب، وإن حدث ذلك الارتباط ستنتهي الثورة مبكرا مع رحيل هؤلاء، ويعود البلد إلى نقطة الصفر.

*متى يبدأ الحديث عن الدولة؟..*

الثورة تمر بمرحلتين أساسيتين، المرحلة الأولى تتمثل في حمل السلاح والكفاح المسلح حتى زوال آفة الظلم والطغيان، سواء أكان ذلك ناجم عن استعمار أجنبي أو حكم طبقي دكتاتوري، ثم تليها مباشرة المرحلة الثورية الثانية المتمثلة بتأسيس مداميك نظام حكم جديد، وبناء مؤسسات مدنية، يقع على عاتقها عملية تنفيذ بقية أهداف الثورة المحددة، المتمثلة في بناء الإنسان والبلد على مختلف الأبعاد. قيام دولة مؤسسية فاعلة يضمن استدامة الثورة ويشرع في استكمال تنفيذ بقية أهدافها.

هناك أخطاء جسيمة تقع في فخها الكثير من الثورات في بلدان العالم الثالث، بفعل غياب اليقين وعدم قدرة الجماعة الثورية على توصيف الثورة بشكل دقيق.

*كيف ذلك؟؟..*

يترسخ اعتقاد عميق لدى عدد كبير من أبناء الشعوب النامية، والأمر ذاته ينسحب على ثوار الميدان، على إن انتصار الثورات يتأتى مع رحيل آخر جندي أجنبي، أو سقوط نظام القمع، ولهذا التصور الخاطى تبعات خطيرة، رحيل الاستعمار أو الاستبداد يمثل هدف وحيد من بين جملة من الأهداف المتشابكة ينبغي تحقيقها تباعا. ومع هذا التقدير السيء للأمور يحدث هناك سباق محموم نحو السلطة، وقد يتمخض عن ذلك الفعل تحول الثورة إلى سلطة قمع مستبدة، وربما تنخرط القوى الثورية نفسها في عملية اقتتال داخلية.

*كيف يمكن تحقيق أهداف الثورة (أي ثورة) دون انتقاص؟.*

علينا أولا إن ندرك جيدا طبيعة وشكل التهديدات التي يواجهها البلد، التي لا تقتصر بطبيعة الحال على الوجود الأجنبي وحسب، هناك تحديات لا تقل خطورة عن ذلك الوجود، قد يكون الاستعمار ساهم في بقائها أو عمل على تعميقها، هنالك الجهل والفقر والمرض والتخلف والطبقية والعصبية، كلها مسائل مؤرقة تتطلب استعداد كبير لمجابهتها، فليس بمقدور البارود والنار القضاء عليها، بل لابد من الانخراط في نضال من نوع آخر لكبحها والانتصار عليها، من خلال العمل الجاد على بناء دولة مدنية عادلة قوية قادرة، تتمتع بسلطات كافية، لاستكمال تنفيذ بقية أهداف الثورة، بإدارة مؤسسات البلد، وتوجيه المقدرات الحيوية لبناء الإنسان بناءً علميا حديثا، وتمكينه من المساهمة الفاعلة في العمل والإنتاج، وتذليل سبل الحياة المعيشة للسكان وتحقيق العدالة الاجتماعية.