آخر تحديث :الجمعة - 18 أكتوبر 2024 - 08:15 ص

كتابات واقلام


كن سطر نجاح

السبت - 09 سبتمبر 2023 - الساعة 11:55 م

حنان الشعيبي
بقلم: حنان الشعيبي - ارشيف الكاتب


لا ينبغي للمعرفة ان تظل حبيسة أسوار الفكر والذات والزمكان، او محصورة لتلبية رغبات ذاتية وأسرية كالشهرة والثراء -لمجرد الرغبه بهما- او حتى الرغبة بالبطولات الفانية والمنفعية، كل ذلك له وقت محدود وسيبلا منتهيا.

وكي لانصنع هوة بين الفئات المثقفة والمجتمع لابد ان نبني جسور ونوفر لغات تواصل ومنافع مستدامة بينهما لنجعل من الكلمة مسؤلية وشآن عظيم فبعض الكلمات والعبارات في حياتنا تمنحنا السعادة والنجاح.

الكاتب المبدع هو ذلك المعطاء من جعبه أفكار بناءة تعد بمثابة استثمارات لمجتمعه ووطنه الذي يعيش فيه هو وأسرته. مثله كالمعلم المبدع الذي لا يكتفِ بما هو مخزون بكتب المقررات بل يزيد عليها عصارة تجاربه وخبرته ويضعها بين ايدي وعقول ابناءه الطلاب، فهو يسهب في الشرح وينوع بأساليبه التربوية والإبداعية لانه يحترم ويقدر مهنته ودوره. فهو يراهما بصمته وأثره في الحياة ومساهمة بوجود أجيال نهضوية.

وكذلك الباحث والدارس والمثقف بشكل عام ينبغي ان يكون لهم دور فاعل في صنع التغيير الإيجابي في المجتمع وأن تكون لهم اسهامات نهضوية مجتمعية لاتقتصر وتحصر بين الذات والاسرة فقط. ربما انك تفكر ان هذه عصارة جهودك لايستحقها غيرك واسرتك.. لكن لا تنسى انك واسرتك لن تستطيعوا العيش في هذا المجتمع دون الحاجة للاختلاط به وبكل سلبياته وايجابياته، فأولادك في مدارس وجامعات يتشاركون مع ابناء مجتمعك كل البذور التي زرعتموها، والإسهامات والأعمال التي شاركتم بها مجتمعكم.

ان احتفاظك بمعارفك وتميزك ظنا منك ان ذلك سيحمي مكانتك الاجتماعية والسياسية او الاقتصادية وسيمنحك خصوصية عالية بعيدا عن اي شغب او تخلف او اي مخاطر مجتمعية، فانت للأسف غافل عن حقيقة ما تمنحه البيئة بالمقابل لك ولأسرتك.
الكون لايقف مكتوف الأيدي مثل البعض، الكون يرد لك اضعاف ما تعطيه انت من خير او شر، من إنسانية او من بخل اوجمود.. الحياة لا تعطي السعادة والوفرة والهناء للأناني والمنفعي والمصلحجي بل ترد عليه ما يمنحه لمن وما حوله.

والعطاء ليس بالضرورة ان يكون عطاءاً مادياً وانما معنوي ايضاً "والتبسم في وجه أخيك صدقة". وبالطبع من المستحيل ان نكون بمثالية دائمة لكن المهم هي الاستدامة.
لرب فكرة او بذرة صغيرة ان تتحول لشجرة يستظل بها انسان منهك من حر الشمس، او لثمرة تسد بها جوعه، وهناك من مُكن له في الأرض ليكن سبباً من اسباب رزق الله لخلقه وتحقيق المنافع و"خير الناس انفعهم للناس".
تخيل أن احدهم أقام مشروعا ولو صغيراً وقام بتوفير فرص عمل للعاطلين من شباب اسرته وعائلته وجيرانه، كم  هي عظيمة ان تكون سبباً بفضل الله في عمار بيوتهم وصناعة حياتهم.

ومن الناس من لا يحتاج منك اكثر من نصيحة او كلمة صادقة تكن سبباً في أول سطر من نجاح حياته ليبدأ بعدها مشواره النهضوي، "ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعاً".

وخير لك ان تمتلك نفساً كريمة ونوايا خيرة من ان تمتلك مالاً لا بركة فيه، ولا انعاكسا لسلامك الروحي، وتعاني معه من البخل والجحود والتكبر وضيق الخلق، يجلب لك الهم والسخط ويزيل عنك البركة والعافية.

ولربما هناك من لديه المال ولا يمتلك أفكار حيوية او جرأة في المغامرة خاصة مع ما يحيطه من مستهترين، لكنه يملك عقلاً نظيفا يسعده حين يجد أفكار بناءة وثلة من الصادقين المنضبطين الذين يحملون هماً سامياً بنهضة مجتمعهم.

وهناك فئة كبيرة للأسف ليسو بحاجة لمساعدة فكرية ولا مادية بقدر حاجتهم لتوجيه وتقويم انسانيتهم. والجميل ان العطاء عموماً "والعمل الخيري مثالاً" يهذب النفس ويفتح الذهن، وإضافة الى انها ينمح الإنسان سعادة الدارين إلا انه يساعده ايضاً في تحصيل الحكمة في حياته، فهي تكشف له خبايا الامور مثل نوايا الناس وحقائق مكنوناتهم، فكما يوجد الغني الكريم يوجد أيضا الغني اللئيم الذي لا يعطي إلا بمقابل، وكما هناك الفقير عزيز النفس هناك ايضا الفقير الحقير الذي يرى في فقره مبررا لاستغلال الاخرين.

وختاماً لم تكن أبداً أزمة المجتمعات والدول في فقرها المالي بل في فقر ابنائها من روح المبادرة والعطاء والتوجيه.