آخر تحديث :الخميس - 26 ديسمبر 2024 - 07:02 م

كتابات واقلام


الحلقة المفقودة في المشهد الجنوبي..

الثلاثاء - 03 أكتوبر 2023 - الساعة 11:26 م

د.صبري عفيف العلوي
بقلم: د.صبري عفيف العلوي - ارشيف الكاتب


لقد انتهى ابن خلدون في دراسته الاستقرائية للواقع العربي عامة والمغاربي خاصة، إلى نتيجة مفادها أن القبيلة هي المحرك للتاريخ البشري، وهي نتيجة حال كثير من الباحثين رفعها إلى درجة القانون الذي يحكم التاريخ البشري.

والقارئ لتاريخ هوية الجنوب العربي، الاجتماعية والثقافية والحضارية يرى أنها تأسست على عمق ثقافيِّ منفتحٍ على ثلاث جهات هي: تاريخ الجنوب العربي الموغل في القدم؛ ومعطيات الحاضر الموسوم بالنضال التَّحرُّري؛ وممكنات المستقبل المفتوح على استعادة القدرة على المشاركة في صنع الحضارة الإنسانية، وفي تواشجٍ متصل مع نهوض الهوية الثقافية والاجتماعية والسياسية أولاً وتبنى على رؤى مستنيرة، وعلى مبادئ إنسانية متفتحة، وعلى قيمٍ ومعايير تحترم الإنسان، وتحمي حقوقه وحرياته جميعاً.
وتكمن إشكالية هذا المقال في السؤال الرئيس، هل سيشكل حضور القبائل الجنوبية في المشهد الراهن دورا بارزا في المعادلة السياسية وبناء السلام في الجنوب؟

في سبيل الإجابة على السؤال المطروح في هذه الورقة، لابد أن نشير أن القبيلة في الجنوب تعرضت لأكبر عملية تفكيك وتمزيق في شبه الجزيرة العربية، منذ بداية الاحتلال البريطاني ومرورا بدولة الجنوب شبه الوطنية ووصولا إلى هذه اللحظة، فالاحتلال البريطاني عمد على سياسة" فرق تسد" وتم تمزيق الجنوب وقبائله بصراعات داخلية أنهكت المجتمع الجنوبي وسلطناته واماراته وقبائله، وبعد طرد الاحتلال البريطاني استطاعت القبائل اليمنية العسكرية والمذهبية أن تغزو الجنوب سياسيا وعملت على تفككه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وقبليا؛ مما جعل المجتمع الجنوبي يفقد هويته وانتماءه وولاءه للجنوب، ومن هنا برز ضعف دور القبائل الجنوبية في حماية الهوية التاريخية والحضارية والدفاع عن الجنوب.

وبعد سنة وستة أشهر من نيل الاستقلال سعت القوى اليمنية الدخيلة على المجتمع الجنوبي في تغيير مفاهيم الولاء والانتماء للوطن، فكان أول عمل قامت به تلك القوى هو تدمير النسيج الاجتماعي الجنوبي، فسعوا في دك أهم الدعائم والركائز التي يبنها على الوطن والهوية والأرض، فجعلوا من المجتمع الجنوبي وقبائله وعقلاءه ومشائخه وسلاطينه خصوما وأعداء؛ تمهيدا للوصول إلى ضم الجنوب واحتلاله.

ولقد عبر عن ذلك أحد رموز صنعاء وهو الشيخ القبلي عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ مشايخ قبيلة حاشد، ورئيس مجلس النواب حينها، فقد ذكر في جلسة لمجلس النواب في 25 أبريل 1994م بأن الوحدة عندما قامت في مايو 1990م” أعادت الأمور إلى نصابها بعودة الفرع إلى الأصل والجزء إلى الكل والابن الضال إلى أبيه الشرعي … ومنذ قيام الوحدة يحاول إعطاء الفرع الشارد نفس مكانة وحقوق الأصل الثابت، وهو مالا نرضاه ولن نقبله“.

من هنا انطلقت العقلية” السبئية” "القبلية" "المذهبية" التي دمرت الوحدة ونفرّت الجنوبيين منها منذ اليوم الأول، وللأسف أن هذه النظرة هي السائدة حتى الآن عند كثير من الإخوان في الشمال.
وبعد أن ذبحت هوية الجنوب الاجتماعية والقبلية تحول نظام صنعاء الى نحر الهوية السياسية والعسكرية ومن على محراب مجلس النواب في التاريخ المذكور بيومين أعلن اليمن الحرب على الجنوب في تاريخ 27 إبريل 1994م، فسقط قناع عصبيات القبيلة اليمنية وكشرت عن أنيابها وأظهرت خبث النوايا، وأنكرت شراكة الجنوب.
ولم يبق أمام الشعب في الجنوب إلا الاستسلام والذوبان التام والضياع الأبدي في دهاليز دولة القبيلة اليمنية وأدغال عصبياتها، أو أن يدافع عن نفسه واثبات هويته ويسعى إلى تقرير مصيره.

وبعد مرور أربعة عشر عاما من انطلاق الثورة الجنوبية السلمية وسبعة أعوام من تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ونحن نفتقد لتك الركائز الاجتماعية في سبيل مواجهة الاحتلال اليمني بشقيه الحوثي والاخواني الإرهابي، وفي سبيل مواجهة تلك القوى العسكرية والدينية والقبلية علينا في الجنوب فتح باب المشاركة لقبائل الجنوب وجميع شرائحه ودعمها سياسيا وعسكريا وماديا في سبيل تحقيق الهدف المشترك ومواجهة القوى اليمنية المتحالفة ضد شبعنا وهويتنا وثقافتنا ونسيجنا الاجتماعي الجنوبي.
إن الجنوب العربي يمكن أن يحقق استقرارا سياسيا وامنيا واقتصاديا من خلال ركائز مجتمعية وعسكرية مهمة أبرزها المؤسسات العسكرية والأمنية لكنها المؤسستان اللتان سيلعبان دوراً مع بقية أطراف المجتمع والقوى السياسية والتجمعات القبلية الجنوبية، وهذه مهمة لن يجد الشعب صعوبة في تحقيقها طالما هو متماسك وموحد حول رفضه للاحتلال اليمني، وكل المحاولات التي كانت الهدف والشرط الأساسي لاستمرار حكم عصابات صنعاء للجنوب.

العاصمة السياسية عدن
3/ أكتوبر: 2023م