آخر تحديث :الجمعة - 27 ديسمبر 2024 - 01:08 ص

كتابات واقلام


في ثنائية القبيلة والدولة

الأربعاء - 06 ديسمبر 2023 - الساعة 09:17 م

د. عيدروس نصر ناصر
بقلم: د. عيدروس نصر ناصر - ارشيف الكاتب


ظلت القبيلة لمرحلة تاريخية من الزمن هي الوعاء الاجتماعي والنظام السياسي، الذي تحت لوائه تجتمع الجماعات والافراد المنتمون إليه ويتقيدون بضوابطه وقواعد العلاقة فيما بينهم ومع محيطاتهم القبلية والعشائرية من خلال مجموعة من الضوابط غير المكتوبة والمسماة بـ"الاعراف والعادات والتقاليد" الراسخة كرسوخ القانون في المجتمعات المتحضرة.
وقد عمَّرت بعض الجماعات والتجمعات القبلية والعشائرية لمئات وآلاف السنين باعتبارها الحالة المجتمعية الضرورية التي لا بديل لها للتعبير عمن ينتمي أو يلجأ إليها لسبب أو لآخر.
لكن هذا المستوى من التجمع البشري لم يكن ممكناً أن يستمر إلى الأبد، حيث برزت بمرور الزمن وفي سياق التحولات الاجتماعية والمعيشية والثقافية، مجموعة من المعطيات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضت علاقات جديدة تختلف جذرياً عن علاقات أفراد القبيلة ببعضهم، ومن هذه التطورات نشوء التجمعات الوظيفية المتعددة كعمال الصناعات والعمال الزراعيين وعمال الخدمات والموظفين وغيرها من التجمعات التي تؤلف فيما بينها علاقات معيشة ومهنية مدنية ومصالح مادية ومعنوية أهم من المصالح القبلية القائمة على الانتماء العرقي أو الجغرافي أو علاقات الدم والقربى.
ويطول الحديث في المسار التاريخي الذي أدى إلى تراجع دور القبيلة والعشيرة ونشوء الدولة، سواءٌ بشكلها الجنيني المبكِّر أو بشكلها المدني المؤسسي الحديث، لكن من المهم الإشارة إلى أن الدولة لم تقم من خلال الانقلاب على القبيلة أو إزاحتها بالقوة، بل إن العديد من الدول ومنها دول متحضرة نسبياً قد تعايشت فيها الدولة مع القبيلة واستعانت الدولة فيها بالقبيلة في سبيل تثبيت النظام والقانون، لكن علاقة التوازن بين هذين الشكلين ظلت مرهونة بمدى قدرة أحدهما على التفوق على الآخر، فحيثما أبرزت الدولة أفضلياتها ومزاياها الجديدة التي لم تتوفر لدى القبيلة كانت الأخيرة تتراجع عن دورها طوعاً أو كرهاً، وحيثما عجزت الدولة أو رغب قادتها في الاستكانة والتخلي عن أدوارها كانت القبيلة تستأسد وتستحوذ على وظائف الدولة دونما حاجة إلى المواجهة معها.
بيد إن أهم ما في الأمر هنا هو أن مكانة وسلطة الدولة نشأت وترسخت على أنقاض مكانة وسلطة القبيلة والعشيرة، وكلَّما تطوَّرت الدولة وترسَّخ حضورها واتَّسع نفوذها كلَّما تراجعت القبيلة وتقلص حضورها ونفوذها وذلك هو المسار العام للتطور الاجتماعي في هذه الثنائية المعقدة.
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن هذا لا يعني أن العلاقة بين القبيلة والدولة هذ علاقة عدائية بمعناها التناحري، لكن القبيلة كظاهرة تاريخية وكعلاقات اجتماعية لا يمكن أن تستسلم بسهولة لمؤسسة الدولة وقوانينها ونظمها التي تتناقض في الغالب الأعم مع قوانين وضوابط عمل القبيلة والأهم من هذا مع مصالح قادة القبيلة وزعمائها.
والقبيلة لا تتعايش مع الدولة إلا عندما تقبل (القبيلة) بسلطة الدولة وتخضع لقوانينها وتكون جزءًا منها وليس فوقها أو بمواجهتها أو بموازاتها.
* * *
لمتابعة بقية المنشور حول ثنائية الدولة والقبيلة في الجنوب في الماضي والحاضر والمستقبل، يمكن متابعة التعليقات الثلاثة الأولى على هذا المنشور.