آخر تحديث :الأربعاء - 25 ديسمبر 2024 - 08:02 م

كتابات واقلام


سقوط الهيبة

السبت - 20 يوليه 2024 - الساعة 07:47 م

محمد الموس
بقلم: محمد الموس - ارشيف الكاتب


محمد عبدالله الموس

بداية نشكر الاخ على الكازمي (ابو مشعل) على جهده واجتهاده في معالجة واقعة الاخ ماهر اليافعي، التي وجد لها حلا قانونيا (مجازا) وقبليا بالذهاب لتحكيم اهل ماهر اليافعي والشكر موصول للاخ جلال الربيعي مع حفظ الالقاب لهما ولكل من شاركهم السعي للحل.

لكن هذه الواقعة كشفت سقوط هيبة اجهزة سيادية يفترض بها حماية الحقوق القانونية للناس، من الحقوق المادية الى حق التعبير دون اساءة او تجريح يعاقب عليه القانون.

ان تؤدي واقعة حادث مروري، تشهده كل مدن العالم في كل ساعة، الى سجن احد طرفيه، فمن الطبيعي ان يؤدي ذلك الى استنكار الرأي العام والسلطة الرابعة في المجتمع (صحافة ووسائل تواصل) وان نرى انتقاد بدرجات متفاوتة لكن ليس من الطبيعي ان يصدر رئيس مجلس القضاء الاعلامي بيانا تحذيري فيه شبهة تكميم لأفواه الناس التي تستحيل السيطرة عليها، ويملك اي متضرر الحق في المقاضاة.

للقضاء والنيابة هيبة وحتى لرجل الامن، فهيبة القانون من هيبتهم لكن هذه الهيبة هم من يجب ان يصنعها لانفسهم من خلال صفات ومزايا سلوكية لا يجهلونها تقع النزاهة على رأسها.

تصادف أثناء وجودي في مصر ان حدثت قضية قتل في احد الملاهي الشهيرة التي يرتادها الاثرياء وتحولت الى قضية رأي عام.

عند نظر القضية طلب محامي المتهم نزول القاضي لعين مكان الجريمة فرأى القاضي ان لا فائدة من النزول يمكن ان تغير في الامر، فطلب المحامي رد القاضي فرفض القاضي ودافع عن رفضه في المحكمة الاعلى درجة التي لم تجد ما يبرر رده عن مواصلة نظر القضية، لكن القاضي بعد تبرئته من التحيز تنحى طواعية عن القضية وقال (لن أحكم في قضية يشكك أحد طرفيها في نزاهتي).

ولأي منّا ان يتخيل مقدار السمو الذي احدثه موقف القاضي هذا لرفعة سمعة القضاء المصري كله، ولنا ان نتخيل الضرر الذي كان سيلحقه بسمعة القضاء فيما لو ثبت تحيزه او تمسكه بحقه في استكمال نظر القضية، فالقاضي او وكيل النائب العام او رجل الامن ،كأفراد، هم عناوين فرعية لاجسام اكبر هي القضاء والنيابة والامن واذا سقطت هذه العناوين الفرعية سقط معها الجسم كله وفقد المجتمع الحصن الذي يمنع تحوله الى غابة.

لا زلنا الى اليوم نرى الازياء التقليدية العتيقة التي يرتديها القضاة في محاكم المعمورة عند نظر القضايا في تقاليد متوارثة لا تعكس الزي فقط لكنها تعكس تراكم معرفي وسلوكي يتوارثونه، حتى ان بعضنا قرأ عن قضايا تم نظرها والحكم فيها فاصبحت هذه الاحكام مقاييس في محاكم اخرى في قضايا مشابهة تعزز هذا التراكم.

كنا الى زمن ليس بعيد نطمئن عندما نرى رجل الامن في الارجاء، فيما اصبح مصدرا للقلق منذ ١٩٩٤م حتى اليوم، وكنا نسمع عن ان التحقيق في القضاء يتم من قبل قاضي تحقيق محترف لا يعنف المتهم، وكنا نسمع عن (حكاوي) ان السجين في (بيت الدولة، اكثر البيوت أمنا) وانه يملك الحق في المطالبة بالتعويض عند تعرضه للسجن ظلما.

من اين لنا اعادة إحياء هذه التقاليد اذا سقطت هيبة القضاء والنيابة والامن وغرقت في وحل المكائد والدسائس والفهلوة أو التلاعب والتفريط بحقوق الناس.
نسأل الله تعالى الرشاد، وكفى.

عدن
٢٠ يوليو ٢٠٢٤م