آخر تحديث :الأحد - 24 نوفمبر 2024 - 08:19 ص

كتابات واقلام


المعلم: بين قسوة الظروف والتجاهل القسري

الخميس - 25 يوليه 2024 - الساعة 02:32 ص

محمد عبدالله المارم
بقلم: محمد عبدالله المارم - ارشيف الكاتب




في زمن يهيمن عليه الاستبداد والقوة العسكرية، حيث تسود المصفحات والفرق المسلحة والحراسات المدججة بالعتاد الكامل، يجد المعلم نفسه في مواجهة ظروف قاسية لا تتناسب مع حجم التضحيات التي يقدمها. إن المعلم الذي يفتقر إلى الدعم المادي والمعنوي، يعاني من التهميش والإقصاء في بيئة تغلب عليها المصالح الشخصية والفساد.

المعلم، الذي يقتصر سلاحه على قطعة الطباشير التي تسببت له بمشاكل صحية مثل السل وأمراض أخرى أثقلت كاهله، يجد أن قلمه الذي كان يمثل أداة التغيير لم يعد له تأثير في زمن ساد فيه الجهل والتخلف، حيث يتجاهل القادة القيم الأخلاقية ويميلون فقط إلى تحقيق مصالحهم الشخصية. هؤلاء القادة الذين لا يهتمون بالتعليم أو ببناء المجتمع، وإنما ينشغلون بجمع الثروات وتوسيع نفوذهم.

المعلم، الذي كان يومًا رمزًا للعلم والنور، يُنظر إليه الآن كعنصر غير ذي قيمة في ظل استشراء الفساد واستبداد القادة. فهو لا يمتلك سوى قطعة الطباشير التي لم تقتصر تأثيراتها على الأمراض الصحية فحسب، بل أصبحت أيضًا رمزًا لضعف الموارد والإمكانات. أما القلم الذي كان في السابق أداة التغيير والإلهام، فقد بات عاجزًا في ظل تزايد الجهل والتخلف الذي تغذيه الأنظمة القمعية.

في ظل الظروف القاسية التي يواجهها المعلم اليوم، تتجلى معاناته بشكل واضح من خلال الراتب الضعيف الذي لا يتجاوز 300 ريال سعودي، والذي يُقارن بشكل صارخ بالإنفاق العسكري الضخم. هذا الفارق الكبير يسلط الضوء على التهميش الذي يعاني منه المعلم في ظل الأولويات المشوهة للقيادات. بالإضافة إلى ذلك، يتعرض المعلم لتأخير مستمر في صرف راتبه، مما يزيد من الضغوط المالية التي يواجهها. في وقت يُفترض أن يُكرم فيه المعلم على تضحياته وجهوده في بناء المجتمع وتعليم الأجيال، فإن هذه الإساءات تساهم في تقويض قدرته على الاستمرار في أداء دوره الحيوي.

راتب المعلم الحالي بالكاد يكفي لتغطية احتياجات اقل أسبوع واحد من المصاريف الأساسية، مما يعكس مدى الإقصاء والتهميش الذي يعاني منه. فالراتب الضعيف يجبر المعلم على تحمل ضغوط مالية هائلة، مما يؤثر سلبًا على قدرته على توفير متطلبات الحياة الأساسية له ولأسرته. في المقابل، تُضخ أموال ضخمة في المجال العسكري، حيث تُصرف الملايين على التجهيزات والرواتب العالية للجنود والقادة العسكريين، مما يظهر التفاوت الكبير في تقدير أولويات المجتمع.

الظلم الواقع على المعلم يتجلى في تجاهل تضحياته وإغفال دوره الأساسي في المجتمع. في الوقت الذي يُصرف فيه اهتمام القادة إلى جمع الثروات ومصالحهم الشخصية، يتم تهميش دور المعلم الذي كان له الفضل في إشعال جذوة الثورة وتعليم الأجيال معاني الحرية ومقاومة الاضطهاد. المعلم هو من أطلق شرارة التغيير ووجه المجتمع نحو التقدم، لكن اليوم يُترك في مواجهة صعوبات مالية ومعنوية تهدد استمرارية دوره الحيوي.

مع تزايد التحديات الاقتصادية والضغط الاجتماعي، لا يكفي راتب المعلم حتى لتغطية الاحتياجات الأساسية، مما يعكس حجم الإقصاء الذي يعاني منه. فهو اليوم لا يطلب امتيازات خاصة أو مناصب حكومية، بل يطالب بالاعتراف العادل بمساهماته وتوفير حقوقه الأساسية التي تعكس القيمة الحقيقية لعمله وجهوده.

أيها القادة المستبدون، لقد تجاوزت معاناة المعلم حدود التصور، وآن الأوان لوضع حد للتهميش والظلم الذي يواجهه. إن صرخة المعلم تعكس صرخة كل من يسعى لتحقيق العدالة والتقدم في زمن يطغى عليه الظلام .نسأل الله ان يحفظ بلادنا ويمن عليها بالامن والامان .