آخر تحديث :الخميس - 26 ديسمبر 2024 - 02:21 م

كتابات واقلام


حكاية الجمعة - الفوط العدنية

الجمعة - 09 أغسطس 2024 - الساعة 08:15 م

د.علي محمد جارالله
بقلم: د.علي محمد جارالله - ارشيف الكاتب


كنت في زيارة لمحافظة عدن في العام 2016م بعد إندحار مليشيات الحوثي و صالح منها، و كان لي موعد لمقابلة المدير التنفيذي لمصفاة عدن حينها الفقيد الدكتور نجيب منصور العوج، و كنت اعرف ان اصوله شمالية من محافظة إب، و أخبرني اثناء المقابلة بأنه يعزمني في مطعم نادي مصفاة عدن، و أعلمني بأنه سيشاركنا اثنان من قبائل إب.
جاء الضيفان في الموعد، كنت لابس بدلة و ربطة عنق، لأن اللقاء كان رسميا، و عندما جاء الضيفان أستغربت انهما يلبسان "فوط عدنية".
عرفني العوج بالضيفين، فهم عرفهم لي أنهم من كبار قبائل إب، و لديهم أملاك في إب و في صنعاء و عدن و رجال أعمال، لم أهتم بكلام العوج لأنني عرفت ماذا كان يرمي اليه، هو كان يعتقد انني رجل أعمال قادم من الإمارات، لم يعرف انني جئت لزيارة حبيبتي عدن.
سألت كبيرهم:
- هل تلبسون "الفوط العدنية" في بلادكم؟
- كلنا بلد واحد
- تمام، و لكن هناك فروق بين لبس قبيلة و أخرى، و حتى لبس قرية و أخرى، و هذه الفوط التي تلبسوها أنت و أخوك أعتقد لم تعرفوها الا بعد سنة 1990م
- مش صحيح كلامك، بل نعرفها و نلبسها من زمان يا استاذ علي.
لم أحب ان اناقشه كثيراً في الموضوع لأني أحسست انه يكذب، و كذلك حتى لا تخترب جلستنا.
عدن لم تكن قرية، بل كانت بلد الحضارة و الإنسان العريق، هم لا يعرفون ان ازياء أهل عدن حينها كانت مرآة لمستوى تطور حضارتها، فكانت تتسم بالبساطة، و أحيانا بالترف، و كان النصيب الأكبر في اختيار الأزياء هو الذوق و الوازع الثقافي، و هو منبعث من شغفهم بالثقافة و الانتماء، و كذلك يعبر بأن اهل عدن متناسقون مع جيرانهم في الجنوب.
كانت "الفوط" هي اللبس لأهل عدن و ابناء الريف في الجنوب، و كانت الفوطة تُلبس في مناسبات مختلفة بأنواع مختلفة، كانت هناك فوط يسميها العدانية "بيجاما" و هي تُستخدم فقط للنوم و هي مصنوعة من القطن الخفيف.
الفوط في عدن و الجنوب انواع مختلفة، اغلاها كان يحضرها الحضارم من اندونيسيا.
نتذكر زمان كانت هذه الفوط تأتي في مجموعة يسموها "كورجة"، و بها 12 فوطة، و كان العدانية يقولون ان الفوط التي تأتي من اندونيسيا يمكن ان تدخلها في الخاتم لرقة الحرير التي صُنعت منه.
كان العدانية يغسلون فوطهم الأندونيسية بالشامبو و بالأيدي و ليس بماكنات الغسيل، و لا ينشفونها تحت الشمس بل في الغرف، و كان يُعرف ان الفوط الأندونيسية كالذهب كلما مر عليها الزمن صارت أجمل.
إخواننا في الأرياف كانوا يتميزون بالإناقة في لبس فوطهم و ان كانوا لا يلبسونها بكثرة، و انما يفضلون عليها المعاوز، و يحيكون معاوزهم بالآت خشبية خاصة، و كذلك يحيكون بعض الفوط بتلك الآلة الخشبية.
إشتهرت لحج بالصناعة اليدوية للمعاوز الحريرية الغالية و كانوا يسمونها "السعيدوني"، و كذلك يستعملوها كعمائم و يسموها "عمامة ديولي" و اشتهر بلبسها السلاطين و الشيوخ.
سأخبركم اليوم كيف كان ابائنا و أجدادنا يلبسون الفوط أو "يتفوطوا"، في عدن و الجنوب بشكل عام، كان الحضارم يتفوطون على فردتين، و هذه الطريقة كانت صعبة بعض الشيئ على ابناء عدن لأنها طريقة فنية و تحتاج لتمرين، اما عيال عدن يتفوطوا بطريقة الفردة الواحدة.
كان اهل عدن يتمنطقون بأناقة لبس الفوطة و يرافقها لبس الكوفية الزنجباري و لكن سعرها غالي، و بعضهم يلبسون الكوفية البيضاء العادي التي تخيطها عجائز عدن من الخيوط البيض.
كان ابناء عدن في ايام عزها يخرجون في الأعياد و هم لابسون اجمل ملابسهم، الرجال بالكوفية الزنجباري، او المحبوكة بإبرة التريكو، و تكون بأشكال مختلفة، اما الشمزان فكان الحافوني، و ريل بروك و فان هوزن و ترتال، و اللي على قدهم يلبسون شكيبو و يونيون و انواع اندونيسية و صينية، اما الفوط فكانت الدنقالة و سمراندا و فوط يسموها 80x80 او فوط ابو قارورة كما افاداني أصدقائي باسل جاوي المقيم في ابوظبي، و الصديق عوض بكار في عدن، و كذلك معوز كشميري، و كذلك كانوا يتفننوا بالجزم "الأحذية"، جزم باتا دَرْج، و ايطالي، و غير المقتدرين يلبسون شمبلات صيني، و لا ينسى احدهم ان يخرج مبخر بالبخور و العود العدني، لهذا يوم العيد عدن كلها ريحتها بخور.
اما النساء العدنيات يلبسن الدروع الويل كنيبو، و بعد ذلك بدأ الإستيراد من جيبوتي و دبي، و الغير متيسرات يلبسن الدرع الشيت الصيني و الا الهندي، و يلبسن فوقه الشيدر ستيم مستورد من ايران و الصين، اما الشبشب المصري كان مشهوراً في عدن، و احيانا يستوردون الشباشب من الهند، و مثلهم كانت اناقة الشباب.
انا تعمدت ان اتحدث عن هذا الموضوع حول أناقة و نظافة أهل عدن الرجال و النساء و الشباب، و لكن للأسف تغير الحال بعد الإستقلال، و صار سيئاً جداً بعد الوحدة، لقد تفاجأت بأن الكثيرين لا يهتمون بمظهرهم و لا نظافة اجسامهم، كل همهم اين سيخزن القات اللعين، و لما تقترب من احدهم لتسلم عليه تشم رائحته مزعجه، و عندما تسأله عن السبب يخبرك انه لا يوجد ماء و لا كهرباء، و للأسف ريحة فمه مزعجة و اسنانهم صفراء مائلة للسواد.
د. علي محمد جارالله
9 أغسطس 2024م