آخر تحديث :الإثنين - 02 ديسمبر 2024 - 06:47 م

كتابات واقلام


في مواجهة الغلاء ..كيف يعيش الشعب بين الأزمات المتلاحقة؟

الثلاثاء - 17 سبتمبر 2024 - الساعة 06:24 م

د/ عارف محمد عباد السقاف
بقلم: د/ عارف محمد عباد السقاف - ارشيف الكاتب



في كل شهر، ومع استلام راتبي المتواضع، أحرص على تخصيص جزء منه لشراء الخضار، تلك الأساسيات التي لا غنى عنها في حياة أي أسرة. ورغم أن الفواكه كانت في السابق جزءا من تلك المشتريات، إلا أنني، مثل الكثيرين، اضطررت للاستغناء عنها لأنها أصبحت من الكماليات، بعيدا عن متناول غالبية الناس الذين يعتمدون فقط على رواتبهم دون مصادر دخل أخرى.

أشتري عادة سلة من البطاطس، وشولة صغيرة من البصل، وربع سلة طماطم، والقليل من الباذنجان، البامية، البسباس الأخضر، والكبزرة، وغيرها. لكن في صباح الجمعة الماضي، الموافق 13 سبتمبر، كانت الصدمة كبيرة حينما واجهت ارتفاعا غير مسبوق في أسعار الخضار. السلة الواحدة من البطاطس تراوحت بين 30,000 و40,000 ريال، حسب النوع، أما الطماطم فكانت السلة الواحدة منها ب 40,000 ريال، والربع منها بـ 10,000 ريال. أمام هذا الارتفاع المهول، وجدت نفسي في حيرة كبيرة: ماذا يمكنني شراء بهذا المبلغ المتواضع؟!

في الاخير اضطررت إلى تقليص مشترياتي بشكل لم أعهده من قبل؛ بدلاً من السلة البطاطس، اكتفيت بـ 4 كيلوغرامات، والطماطم 2 كيلوغرام فقط. كل ما كنت أحتاجه أصبح في حده الأدنى وعدت خائبا إلى منزلي احمل هموم هذه المعيشة وتدهورها، ومع ذلك، لم أكن وحدي من يعاني. حال اعضاء هيئة التدريس من الدكتور إلى أبسط معيد وكذلك حال كل الموظفين، الذين تقتصر رواتبهم على مبالغ ضئيلة، أصبح أشبه بالمعجزة مقارنة بالجنود الجدد في القوات العسكرية، والعديد من الموظفين قد تكون إمكانياتهم أقل من ذلك بكثير. والأسوأ من ذلك، أن البعض لا يتسلم راتبا على الإطلاق. فكيف لنا أن نعيش في ظروف كهذه؟! فهل علينا أن نترك مهنة التدريس ونذهب للعمل كجنود مقابل تأمين لقمة العيش؟ هذا ما يريده اعدائنا من تدمير لمجتمعنا!!

لكن السؤال الأهم: أين دور المسؤولين في هذه الأزمة؟! إلى متى سيبقون متفرجين، بينما الشعب يتضور جوعا؟! لقد صبر هذا المواطن أكثر من أي مواطن آخر في العالم كله، ولكن مقولة "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق" أصبحت تتردد في كل شارع. هذا ناقوس لسان حاله الجماهير يجب أن يصل إلى من يعنيهم الأمر. الوضع لا يمكن أن يستمر على هذا النحو، وإذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لكبح جماح هذا التضخم، ودعم العملة، وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، فقد يكون الأوان قد فات.
في هذا الواقع القاسي، لم يعد الشعب يبحث عن الرفاهية أو الكماليات، بل يسعى إلى تأمين أبسط ضروريات الحياة. كل يوم يحمل معه تحديا جديدا، حيث أصبحت القرارات البسيطة مثل شراء الخضار أو السمك معضلة تحتاج إلى تفكير طويل وحساب دقيق. الأسعار ترتفع بشكل جنوني في كل شيئ، في حين تبقى الرواتب ثابتة أو تتأخر في أفضل الأحوال. هذا التضخم المزعج لم يترك للمواطنين خيارا سوى تقليص احتياجاتهم، والتخلي عن الكثير من الأشياء التي كانت سابقا جزءًا من حياتهم اليومية.

المشكلة الأكبر ليست في غلاء الأسعار فقط، بل في التفاوت الكبير بين الرواتب وما يقابلها من متطلبات معيشية. فالموظف الذي يعمل بجد و يفني حياته في خدمة بلده يجد نفسه عاجزا عن شراء ما يحتاجه، بينما آخرون، في نفس البلد، يحصلون على رواتب أعلى و بالعملات الصعبة دون عناء يذكر. اي ظلم هذا؟!! إنه تباين مؤلم يعكس حالة من عدم العدالة الاقتصادية التي تُثقل كاهل المواطن البسيط. والغريب أن الصبر الذي تحلّى به الشعب لسنوات طويلة، والذي كان دائما ميزة لهذا الشعب الأصيل، بدأ ينفد. فكيف يمكن للناس أن يصبروا أكثر بينما يرون قوت يومهم يتلاشى، و أولادهم يتضورون جوعا؟ وأحلامهم بالحياة الكريمة تتبخر؟ المقولات الشعبية القديمة مثل "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق" باتت تتردد في كل مكان، وكأنها رسالة صريحة لكل من يتجاهل هذه الأزمة.

من المؤلم أن نرى أبناء هذا الوطن وهم يتحملون كل هذه الأعباء، ومع ذلك تبقى الحلول غائبة عن الساحة. الجميع يتساءل: هل ستتحرك الحكومة و الخيرين من أبناء هذا الوطن المجروح لاحتواء هذا الوضع المتأزم؟ هل سيأتي يوم يرى فيه المواطن العادي استقرارا في الأسعار، وتحسنا في مستوى معيشته؟ أم أن الأزمة ستستمر حتى تصل إلى نقطة اللاعودة؟

الحل قد لا يكون سهلا، لكن الأمل في التحرك الفوري ما زال قائما. يجب على صناع القرار أن يدركوا حجم المعاناة، وأن يتخذوا خطوات جادة لمعالجة هذه الأزمة، بدءًا من دعم العملة، وتحقيق العدالة في الرواتب، وتوفير سبل العيش الكريم لكل مواطن. فالأمان الاجتماعي والاقتصادي هو الضمان الوحيد لاستقرار هذا البلد ومستقبله.

في الاخير، ما يريده الشعب ليس الكثير؛ إنه فقط يريد أن يعيش بكرامة، أن يوفر لعائلته ما يكفيهم من غذاء ومسكن وتعليم. هذه أبسط الحقوق التي يجب أن تكون متاحة لكل فرد، وأي تأخير في تحقيقها قد تكون له عواقب وخيمة. نحن في انتظار الفرج، والله المستعان.