آخر تحديث :الإثنين - 02 ديسمبر 2024 - 04:34 م

كتابات واقلام


تحول التخصصات الأكاديمية إلى وسيلة للحصول على الألقاب العلمية

الإثنين - 02 ديسمبر 2024 - الساعة 01:57 م

د/ عارف محمد عباد السقاف
بقلم: د/ عارف محمد عباد السقاف - ارشيف الكاتب




يشهد التعليم العالي في اليمن تحديا خطيرا يهدد استقراره وجودته، يتمثل في ظاهرة تزايد أعداد خريجي البكالوريوس من التخصصات العلمية، مثل الهندسة والعلوم التطبيقية، الذين يتجهون لاستكمال دراساتهم العليا في مجالات بعيدة كل البعد عن تخصصاتهم الأصلية، كطرق التدريس أو العلوم الإنسانية والأدبية. هذه الظاهرة تعكس تراجعا واضحا في معايير القبول والرقابة الأكاديمية، مما يُضعف مصداقية النظام التعليمي.

إن السماح لخريجي التخصصات العلمية بالانتقال إلى تخصصات أدبية أو تربوية في الدراسات العليا يمثل إشكالية كبيرة. فمن جهة، يعاني هؤلاء الطلبة من نقص التأهيل والخبرة الأكاديمية في المجالات الجديدة، مما ينعكس سلبا على جودة مخرجات التعليم. ومن جهة أخرى، يؤدي ذلك إلى تراجع مستوى التعليم الجامعي عندما يتولى هؤلاء الأدوار الأكاديمية أو التدريبية.
المفارقة تكمن في أن الجامعات الحكومية والخاصة لا تسمح بالعكس؛ حيث لا يمكن لخريجي التخصصات الأدبية متابعة دراساتهم العليا في التخصصات الهندسية أو العلمية، مما يعكس ازدواجية واضحة في المعايير الأكاديمية. هذا النهج يُظهر تركيزا على الكم بدلا من الكيف، حيث تسعى الجامعات إلى زيادة أعداد الطلاب بدلا من تحسين جودة التعليم.

دوافع هذه الظاهرة:
تتعدد الأسباب التي تدفع الطلبة إلى التحول بين التخصصات، ومنها:

1. السعي وراء الألقاب العلميةحيث يرغب الكثير من الدارسين في الحصول على لقب "دكتور" لتحقيق مكانة اجتماعية بغض النظر عن توافق التخصص مع خلفيتهم الأكاديمية.

2. تحسين الوضع المادي و يلجأ البعض إلى الدراسات العليا كوسيلة لفتح آفاق وظيفية أفضل وزيادة الدخل في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

3. ضعف الرقابة الأكاديمية و غياب التخطيط الفعال من قبل الجهات المعنية يسهم في انتشار هذه الظاهرة.

#الانعكاسات السلبية لهذه الظاهرة:

1. تدهور جودة التعليم العالي:
تصبح الجامعات وسيلة لتحقيق أهداف شخصية بدلا من تعزيز القيم العلمية.

2. ضعف الكوادر الأكاديمية:
يؤدي ذلك إلى إعداد أجيال من الأكاديميين غير المؤهلين علميا وتربويا.

3. إهمال البحث العلمي:
تنخفض جودة الأبحاث، حيث يركز الكثيرون على دراسات سطحية لا تضيف قيمة علمية.

#مقترحات لمعالجة الظاهرة:

للحد من هذه الظاهرة وتعزيز جودة التعليم العالي، يجب اتخاذ الخطوات التالية:

1. إعادة تنظيم القبول في الدراسات العليا بحيث يتم وضع معايير صارمة لقبول الطلبة في الدراسات العليا بحيث يُلزم المتقدمون بالتوافق بين تخصصهم الأساسي والتخصص المطلوب للدراسات العليا.

2. اتخاذ قرار للراغبين في دراسة تخصص مختلف عن تخصصهم الأصلي العودة للدراسة الجامعية في ذلك التخصص، لضمان تأهيلهم بشكل صحيح.

3. يتطلب الأمر تدخل وزارة التعليم العالي لمراقبة سياسات القبول وضمان تطبيق اللوائح في الجامعات الحكومية والخاصة و اتخاذ إجراءات صارمة ضد المخالفين.

4. التنسيق مع وزارة الخدمة المدنية بمنع اصدار فتاوى اي تسويات تخالف المعايير المذكورة أعلاه.

5. نشر ثقافة الالتزام بالتخصص الأكاديمي لدى الطلاب، وبيان أهمية ذلك في تحسين فرصهم المهنية والمساهمة في تطوير المجتمع.

6. تعزيز دور البحث العلمي ليكون وسيلة لحل المشكلات المحلية وتطوير المعارف، بدلا من التركيز على نيل الألقاب فقط.

إن ظاهرة التحول بين التخصصات الأكاديمية في الدراسات العليا تمثل تحديا كبيرا للتعليم العالي في اليمن. و للحفاظ على مصداقية التعليم وجودته، يجب اتخاذ خطوات حازمة لمعالجة هذه الظاهرة، تبدأ بإعادة صياغة السياسات الأكاديمية، وتمر بتوعية الطلاب، وتنتهي بإعادة توجيه النظام التعليمي نحو البحث العلمي الجاد والالتزام الأكاديمي.