آخر تحديث :الإثنين - 02 ديسمبر 2024 - 06:28 م

كتابات واقلام


شركة النفط الوطنية في عدن: تحديات التسعير وأثرها على حياة المواطن اليمني

الإثنين - 21 أكتوبر 2024 - الساعة 03:52 م

د/ عارف محمد عباد السقاف
بقلم: د/ عارف محمد عباد السقاف - ارشيف الكاتب




منذ بداية الحرب في اليمن عام 2015، شهدت شركة النفط الوطنية في عدن تغييرات كبيرة في عملياتها نتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية التي فرضها الصراع. بعد إغلاق ميناء الحديدة، أصبحت الشركة مسؤولة عن تموين المناطق الخاضعة للشرعية والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، مما وسع نشاطها بشكل كبير. لكن مع هذا التوسع، ظهرت تحديات جديدة تمثلت في ارتفاع أسعار المشتقات النفطية بسبب تدهور العملة الوطنية التدريجي، وهو ما أضاف أعباءً غير مسبوقة على المواطنين.

كانت شركة النفط الوطنية في عدن تعتمد في السنوات الأولى بعد الحرب على شراء الوقود عبر وسطاء محليين، وكانت جودة الوقود مقبولة إلى حد ما والاسعار ايضا. وبسبب تدهور قيمة العملة الوطنية. أصبح الوضع أكثر تعقيدا بحلول عامي 2023 و2024، حيث بدأت الشركة بشراء الوقود من شركة وسيطة بينها وبين شركة صافر في مأرب. فتقوم شركة النفط في عدن بشراء الوقود المحسن بسعر يصل إلى 15,000 ريال للصفيحة الواحدة (20 لترا)، بينما تقوم شركة صافر ببيع الوقود غير المحسن للشركة الوسيطة بسعر 3,000 ريال فقط للصفيحة.

ما يثير التساؤل هو لماذا لا يتم التعامل المباشر بين شركة النفط في عدن وشركة صافر، خصوصاً وأن كلا الشركتين حكوميتان؟ تشير التقارير إلى أن الشركة الوسيطة التي تقوم بتحسين الوقود تعود ملكيتها إلى شخصيات نافذة ومسؤولين في مأرب، مما يؤدي إلى تحقيق أرباح ضخمة تتجاوز 500٪. هذا الوسيط يشتري الوقود بسعر 3,000 ريال ويبيعه لشركة النفط الوطنية في عدن بسعر 15,000 ريال بعد تحسينه، بينما تتولى الشركة الوطنية في عدن بعد ذلك رفع السعر بنسبة 90٪ إضافية ليصل إلى 29,000 ريال للصفيحة الواحدة. هذا النظام التجاري المعقد وغير العادل يؤدي إلى تكبد المواطن اليمني أعباء كبيرة، إذ يدفع المواطن مبالغ طائلة لشراء الوقود، تتجاوز قدرته الشرائية في ظل تدهور الاقتصاد وانخفاض متوسط الدخل.

ارتفاع أسعار الوقود أدى إلى العديد من العواقب الاقتصادية والاجتماعية. غلاء أسعار الوقود تسبب في ارتفاع تكاليف النقل، وهو ما أدى بدوره إلى زيادة أسعار السلع الأساسية، مما زاد من معاناة المواطنين. وفي محاولة للتكيف مع هذه الظروف، لجأ العديد من ملاك السيارات إلى تركيب منظومات غاز لتشغيل مركباتهم بتكلفة أقل. لكن هذا الحل ليس مثالياً، حيث يشكل الغاز خطراً على سلامة السائقين والركاب بسبب احتمالية انفجار أسطوانات الغاز.

الجبايات المختلفة للنقاط العسكرية ايضا تزيد من تعقيد الوضع و استمرار السياسة الظالمة و غير المتوازنة لتسعير الوقود في المحافظات المحررة. في عام 2024، وصل سعر الدولار إلى 1,910 ريالاً، وهو ارتفاع كبير مقارنة بعام 2015، حيث كان سعر الصرف 215 ريالاً للدولار. هذا التدهور التدريجي للعملة الوطنية ساهم بشكل كبير في ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، مما جعلها بعيدة عن متناول معظم المواطنين. كان بالإمكان الحد من هذا الارتفاع الكبير في الأسعار فيما لو تم تحسين الشفافية في عملية شراء الوقود وتطبيق سياسات أكثر عدالة تضمن عدم تورط الشركات الوسيطة التي تتسبب في زيادة الأعباء على المستهلك النهائي.

ومن هنا، تتضح الحاجة الملحة لتدخل السلطة العليا في البلاد، وعلى رأسها المجلس الرئاسي، لإجبار شركة صافر النفطية على التعامل المباشر مع شركة شركة النفط في عدن. إذا تم ذلك، فمن الممكن أن تنخفض تكلفة الصفيحة الواحدة كثيرا وستصل إلى حوالي 8,000 الى 10,000 ريال بعد التحسين، وهو ما يتناسب بشكل أفضل مع دخل المواطنين وقدرتهم على تحمل الأعباء الاقتصادية.
إن العودة إلى هذا النظام المباشر سيؤدي إلى الاستفادة من الأرباح الهائلة التي تحققها الشركات الوسيطة، وتوجيه الفوائد إلى المواطنين بدلاً من الاستمرار في تحملهم لأعباء غير مبررة.

بينما يعد تحسين جودة الوقود وتشغيل مصافي عدن خطوة مهمة في توفير المشتقات النفطية بأسعار معقولة، فإن الحل الأساسي يكمن في معالجة السياسات التجارية والمالية المتبعة في استيراد وتوزيع الوقود ايضا. إلى جانب ذلك، يجب إعادة النظر في سياسات التسعير كما يجب تعزيز الرقابة المالية والشفافية في العمليات التجارية لضمان عدم استغلال المواطن.

إن إيقاف هذا الاستنزاف المستمر للمواطنين يتطلب إصلاحاً جذرياً في هيكل الشركة وسياساتها، وذلك من خلال عدم الاعتماد مع الوسطاء غير الضروريين، وضمان أن الأرباح تعود بالفائدة على البنية التحتية والخدمات الأساسية بدلاً من أن تكون عبئاً إضافياً على الشعب اليمني.