آخر تحديث :الأربعاء - 30 أكتوبر 2024 - 04:59 م

كتابات واقلام


صرخة الأساتذة الأكاديميين معاناة ترويها قلوب الجامعيين

الأربعاء - 30 أكتوبر 2024 - الساعة 01:36 م

د/ عارف محمد عباد السقاف
بقلم: د/ عارف محمد عباد السقاف - ارشيف الكاتب




في هذا اليوم، أمسك قلمي وأعطيه شرف سرد معاناة لا تُروى سوى بآهات المثقفين، تلك الشريحة التي كرست حياتها لتربية الأجيال وتثقيف العقول. لم يكن قرار اختيار هذا الطريق نتيجة ظروف عابرة أو مصاعب دفعتني إلى التعليم كملاذ، بل كان شغفي بالعلم وحلمي بأن أكون جزءاً من بناء المستقبل للأجيال في بلادنا، ذلك الحلم الذي بذلت في سبيله سنوات من الكدح و التعليم والعمل.

أحمل في ذاكرتي مشاعر أول يوم وقفت فيه أمام طلابي. كانت أفكاري مليئة بتطلعات ضخمة، بتصور أنني سأغير مناهج التعليم، سأحرك العقول، وأبث فيهم حب المعرفة. لكن الواقع سرعان ما اصطدم بأبواب الروتين، ونوافذ الموارد الشحيحة، و المحسوبية وأروقة الجهود التي تضيع هباءً.

كان العمل الأكاديمي مليئاً بالتحديات، ليس فقط من حيث الساعات الطويلة التي أقضيها بين التحضير والتدريس والتصحيح، بل أيضاً في ظل نقص الدعم وغياب الاعتراف بالمكانة التي يستحقها الأستاذ الجامعي. كنا نرى أنفسنا نجتهد، لا من أجل الراتب الذي يتآكل مع مرور الوقت، بل من أجل رسالة نؤمن بها، على الرغم من أن الأوضاع المالية أصبحت بالكاد تفي باحتياجاتنا الأساسية.

لماذا يتم تجاهل معاناتنا؟ أليس الأستاذ هو من يمهد للطالب طريق العلم؟ أليس هو الذي يضحي براحته من أجل تحسين جودة التعليم؟ لكن مع الأسف، نجد أن المجتمع قد غفل عن هذا الدور، وأصبح ينظر إلينا كأفراد يؤدون وظيفة، لا رسل للعلم والثقافة. حتى المؤسسات التعليمية لا تولينا الأهمية التي نستحقها، فنعاني من نقص في التدريب والتطوير، والترقية ونتطلع للمزيد من التقدير المادي والمعنوي.

كيف نشعر عندما نرى أنفسنا مرهقين ماديا ونفسيا؟ كيف يكون شعورنا ونحن نعلم أن مكانتنا تتلاشى تدريجيا أمام أعيننا؟ كيف يمكن للأستاذ أن يعطي كل ما لديه من علم واهتمام وهو يُعامَل كأي موظفٍ عادي، دون استحقاقٍ إضافي لمجهودٍ أو قدرات؟ أصبحنا نفكر ملياً، إلى متى سيستمر هذا الحال؟ إلى متى سيظل العلم حبيس الأدراج ونحن نحاول أن نبني مستقبل طلابا قادرين على مواجهة الحياة وهم يشعرون بضعف حيلتنا أمام قضاياهم؟

وفي النهاية، نجد أنفسنا مجبرين على التأقلم. لكن إلى متى سنظل نعيش بين الصبر على ضغوط المهنة والمطالب التي لا تنتهي؟ لقد أضعنا الكثير من لحظات السعادة وراحة البال، سعياً وراء تحسين مسار التعليم، دون أن نُكافأ على هذا العطاء.

دعوة من قلوبنا إلى من بيده القرار أكرموا الأستاذة و المعلمين، واعترفوا بمكانتهم، فهم ألركيزة الأساسية و الأعمدة التي تُبنى عليها الأجيال.