آخر تحديث :الأربعاء - 16 أبريل 2025 - 01:08 م

كتابات واقلام


الاختلاف … وعي الأمم وبوصلة النهضة

الجمعة - 11 أبريل 2025 - الساعة 10:46 م

عبدالرؤوف الحنشي
بقلم: عبدالرؤوف الحنشي - ارشيف الكاتب


ليست الدول العظيمة تلك التي تتشابه فيها العقول، بل تلك التي تتسع فيها الصدور، وليست المجتمعات الحيّة تلك التي تخلو من الخلاف، بل تلك التي تدير خلافها كما تدير الأمم ثرواتها، بحكمة، وتروٍّ، وبعد نظر.
إننا نختلف، ليس لأننا خصوم، ولا لأن العداوة قدرنا، بل لأننا كائنات عاقلة، مدفوعون بالفطرة نحو التساؤل، والبحث، والتأويل، فالاختلاف، في سياقه الصحيح، ليس انشقاقًا، بل تعدد، ليس نزاعًا، بل ثراء، إنه الميدان الذي تختبر فيه نضج الأمم، وتتجلى فيه عظمة الدول، فلا نخاف من الاختلاف، بل نخاف من عجزنا عن احتوائه، ولا نخشى تنوع الرؤى، بل نخشى رداءة السياسة حين لا تحسن جمع المتخلف، ولا صهر المتناقض، الخلاف ليس عدوًا للاستقرار، بل هو شرط الاستقرار حين يدار بعقل الدولة. بالتالي، الخطر لا يكمن في وجوده، بل في غياب الحكمة في تدبيره، وما من أمة سقطت لأنها اختلفت، بل لأنها لم تحسن إدارة اختلافها، وما من دولة انهارت لأن أبناءها اختلفوا، بل لأنها حولته من طاقة إلى تهمة.
إن في قول الله تعالى:"ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" هنأ، اختزالاً بليغًا لفلسفة السقوط السياسي، فالخلاف إذا استحال صراعًا أهوج، يبعثر المشروع، ويذرو الهيبة، ويحول الدولة من منصة للنهضة إلى ساحة صراع وتصفية حسابات.
السياسة، كما عرفها العقلاء، ليست معركة غلبة، بل حوار رقي، هي ليست تكتيكًا للفوز، بل أخلاقًا في إدارة التباين، وليست وسيلةً للاحتكار، بل أفقًا يتسع لكل رأي مخلص، وفكرة حرة، وصوت لا يشبه الآخرين، وهكذا تبنى الدول: لا بإسكات المختلف، بل بإشراكه، فحين نختلف لا نسقط، بل نصعد، وحين نسمع الآخر لا نضعف، بل نكتمل، وحين ندير الاختلاف كما تدار الثروات، نكتشف أنه أغلى من النفط، وأبقى من السلطان.
في الختام، أن السياسي الحقيقي في السياسة لا يقمع الخلاف، بل يهذبه ويصنع منه مشروعًا مشتركًا، فالاختلاف جوهر الحياة السياسة، لا عدوها، والرأي الآخر ليس خطرًا، بل روح الشرعية، والدولة ليست مرآة لفئة، بل سماءٌ للجميع.