آخر تحديث :الخميس - 26 ديسمبر 2024 - 05:43 م

ثقافة وأدب


العجوز عيشة .. !!

الثلاثاء - 06 أغسطس 2024 - 07:34 م بتوقيت عدن

العجوز عيشة .. !!

كتب - وجدي صبيح.

كانت حينما تمشي بالشارع ويتصادف قدومها الإمبراطوري على عكازها المهيب مع مرور طلاب المدارس بمنتصف النهار .. فإنهم يتركون لها نصف الشارع فقد كان كل شيء هناك يخاف منها .. ويتوقف تعجباً بها .. إلا أنا فإنها بالنسبة لي مألوفة وربما في أحياناً كثيرة أقترب منها بينما يحاول الجميع الإبتعاد عنها .. واقبل يديها في وسط كمية هائلة من التباهي على أولئك الطلاب الخائفون ..لتمتد تلك اليد نحو رأسي بمسحة خفيفة رقيقة ولسان تردد دعوة غنية ناعمة وأبتسامة نادرة تبدد كل خوف ..

كانت تقصد مزرعتنا من منطقة بعيدة نوعا ما .. عجوز عجيبة غريبة لديها كاريزما رهيبة منفردة نادرة ..حتى أننا نخاف منها ونتحاشى الإقتراب منها غالباً .. فهي فارعة الطول .. تتكى دوماً بعكازه الخشبي الملفوف .. كاشفة عن وجهها أغلب الأحيان .. سمراء البشرة قد أستوطنت التجاعيد مساحات وجهها الدائري .. تحمل على كتفيها حزمة من الأغراض الغير معروفة .. قد أخفتهم بقماش بالي شبه أسود فقد معظم لونه .. على شكل كرة محكمة الإغلاق لا يفارق كتفها إلا حينما تجلس لتضعه بعد ذلك بمنتصفها أو خلفها ليصبح ذلك المكان بعد ذلك .. المكان الأكثر .. أماناً على وجه الأرض ..

كنا أطفال صغار نتلذذ بالنظر لها .. لا نشبع من التحديق بها فهي أشبه بتحفة نادرة لا نرى مثلها في أغلب الأوقات .. أو بالأصح لن ولم نرى شبيهة لها منذو أن رحلت رحمها الله .. فهي تمتلك كاريزما نادرة ملفته جذابه .. ناهيك عن حديثها وهي تصنع الكلمات بين طبقات فمها وكأنها تعجن قطعاً من الحلوى الحلوة الملونة .. نظل نلتقطها وأحدة واحدة من حولها .. دونما أن نمل أو نشبع .. فرغم خوفنا منها إلا أننا نحب أن نكون على مقربة منها فهي مثل مغناطيس يجذب كل ما حوله دون إذن أو استأذن ..

ومن مهامها الصعبة التي كانت تقوم بها والتي تنفرد بإنجازها هي القبض على الثعابين والعقارب بيديها العاريتين دون أن تستعين بأي أدوات حماية أخرى .. فهي تنجز تلك المهام برفقة كمية كبيرة من التباهي ودون أن نلمح غمزة خوف أو تردد بوجهها الذي لا يشبه شيء إلا الخرافة ..

كانت صديقة جدتي ورفيقة دربها تجلسان معاً على طاولة الشاي الأحمر تحت ظل النخيل تحيكان أرطال من الحكايات والحديث المبهر الذي لا تتمنى أن ترى نهايته .. يحصل ذلك كلما أتت زائره أو كعاملة من العاملات تساعد جدتي بإنجاز مهمة زراعية نسوية .. أو اتت ملبية دعوة غداء أو مناسبة مجتمعية ..

إنهما حينما تجلسان بجانب بعضهما وكان أحدهما خلقت للآخرى .. أو كقطعة نقدية إحداهما وجهاً للاخرى .. وكانتا كاغنية لينة سهلة توافقا لحنها بكلماتها حتى أصبحتا واحداً لا يتجزاء ولا ينفك ..

وحينما توفيت بأحد السنوات لم أرى جدتي حزينة ومنهارة كمثل يوم موتها وكأن نصفها مات .. فقد أحبت أن تمشي برجليها إلى بيتها الواقع بطرف أحد الجبال بحي من أحياء مدينة تريم لتقدم لذويها التعازي والمواساة وتذرف الدمع حزناً على فراقها ورحيلها فقد كانت نعم الرفيق والصديق الذين قلما تجد مثلهم فهي أشبه بخرافة أو أسطورة كانت حقيقة بيوماً ما .. رحمها الله وغفر لها وأدخلها فسيح جناته ..

6 أغسطس 2024م