يضاعف الانهيار التاريخي للعملة المحلية في اليمن ، من حجم المعاناة الإنسانية وارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي، في ظل عدم قدرة المواطنين على تلبية احتياجاتهم الأساسية.
وسجل الريال اليمني مساء أمس السبت، أدنى قيمة له على الإطلاق أمام العملات الأجنبية، بعد أن وصل سعر الدولار الأمريكي الواحد، إلى ما يعادل 1964 ريالاً يمنياً، في التداولات المصرفية بالعاصمة المؤقتة عدن.
وأدى الانهيار المتزايد للعملة الوطنية منذ مطلع الأسبوع الماضي، إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الغذائية بالأسواق المحلية المعتمدة على الاستيراد بنسبة تصل إلى 96%، ما حال دون تمكن ملايين اليمنيين من تلبية احتياجاتهم الغذائية الضرورية، وسط ضعف القدرة الشرائية واتساع رقعة الفقر إلى أكثر من 80% من إجمالي السكان، وفق تقارير دولية.
عوامل انهيار العملة
ويعتقد المحلل الاقتصادي، وفيق صالح، أن حالة الانهيار التاريخي التي يشهدها الريال اليمني، تأتي مدفوعة باستمرار تعطل مصادر النقد الأجنبي للدولة، إثر توقف عمليات تصدير النفط والغاز، وتزايد الضغوط المالية على الحكومة بسبب ارتفاع حجم التزاماتها وإنفاقها، في وقت تتراجع فيه إيراداتها العامة.
وقال صالح في حديث لـ"إرم نيوز"، إن حالة الفراغ الكبيرة التي تشهدها السياسة النقدية للبنك المركزي اليمني، منذ استقالة محافظه ووكيله، وغياب الإجراءات لتنفيذ القرارات النقدية الصارمة لضبط الأوضاع المصرفية ومكافحة المضاربة بالعملة، أسهمت في تصاعد الأنشطة المصرفية في السوق السوداء. مشيراً إلى عوامل أخرى مرتبطة بحالة الانقسام النقدي والمصرفي التي تسببت بها ميليشيا الحوثي؛ ما أدى إلى العديد من الاختلالات التي أثرت على ضعف تأثير السياسة النقدية للبنك المركزي اليمني.
وأضاف صالح، أن تصاعد الصراع في المنطقة والبحر الأحمر وموانئ الحديدة، أثرت بشكل سلبي على أسواق الصرف، وصعّدت من المخاوف الاقتصادية في أوساط القطاعات التجارية والصناعية، خشية تعقد سلاسل التوريد، وهو ما دفع إلى تزايد الطلب على النقد الأجنبي في السوق السوداء، وتكثيف آلية الاستيراد، تحسباً لأي احتمالات مقبلة.
وتشير الأمم المتحدة، إلى أن الريال اليمني خسر 68% من قيمته خلال السنوات الخمس الماضية، نتيجة انخفاض الاحتياطات الأجنبية، وهجوم ميليشيا الحوثي على موانئ تصدير النفط الخام في مناطق الحكومة الشرعية، أواخر العام 2022، ما أدى إلى توقف تصديره.
وطبقا لبيانات برنامج الأغذية العالمي، الصادرة في أغسطس/ آب الماضي، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، أدى إلى زيادة في كلفة سلة الغذاء بحدودها الدنيا، وصلت نسبتها إلى 23% على أساس سنوي؛ ما يجعل ملايين اليمنيين غير قادرين على تحمل ثمنها، وعاجزين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية.
توسع المعاناة
ويرى مستشار وزارة الإدارة المحلية لشؤون الإغاثة، جمال بلفقيه، أن الوضع الإنساني في اليمن يمر بمرحلة صعبة للغاية، ازدادت حدّتها عقب التداعيات الأخيرة المتعلقة بانهيار العملة المحلية وتردي الوضع الاقتصادي، وكارثة السيول والفيضانات خلال الأشهر الماضية، إلى جانب استمرار القلاقل في البحر الأحمر.
وقال بلفقيه في حديث لـ"إرم نيوز"، إن مستويات المجاعة في البلد وصلت إلى المرحلة الخامسة، في ظل تراجع المساعدات الإنسانية جراء النقص المادي الواضح في تمويل البرامج الأممية، وتوجه الاهتمام الدولي بالتداعيات الإنسانية التي أفرزتها الصراعات الأخرى في المنطقة.
وأشار إلى أن اختطاف ميليشيا الحوثي لعدد من موظفي المنظمات الإغاثية الدولية، سيفاقم من حدة الأزمة الإنسانية لدى سكان المناطق الخاضعة لسيطرتها، التي تعدّ الأكثر احتياجاً للمساعدات الإغاثية، خصوصاً بعد أن قررت الأمم المتحدة مؤخراً، تعليق جميع أنشطتها غير المنقذة للحياة في مناطق شمال اليمن، بهدف تقليل تعرض موظفيها للخطر.
وحذرت شبكة الإنذار المبكر الدولية، المعنية بمراقبة المجاعة، أمس السبت، من استمرار أزمة انعدام الأمن الغذائي في اليمن دون تحسن خلال العام المقبل، مع وصول أعداد المحتاجين بشدة إلى المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة إلى حدود 19 مليون شخص، بمعدل 55% من إجمالي السكان.