الصور التي عرضتها الجمعة ، بعض وسائل التواصل الاجتماعي لمدينة كريتر / عدن ، بعد الأمطار التي شهدتها يوم أمس تبعث على الحزن الذي يدمي الفؤاد .
كريتر ، المدينة التي ضاق عمرانها الحديث ، ذات يوم ، بدرعها الصخري لينتشر في ربوع من الجغرافيا المترعة بعبق وسحر وأسرار البحر ، الذي رسم لوحته الخاصة والبديعة ، في صورة خلجان وشواطئ محمية بتراكيب بركانية من الصخور والتلال ، وتمتد من المعلى حتى التواهي ، ومن خور مكسر على طول الساحل الشرقي الذي عرف بساحل أبين ، وشمالا البريقة وفقم والخيسة وعمران .
كريتر هي "سفر التكوين" لعدن ، وهي خلاصة دهر طويل من العمران والصمود وتحديات الشقاء ، في أرض كل مؤهلاتها هو الانسان ولا غيره ، وإلى جانبه البحر الذي ظل مخلصاً لهذه المدينة وناسها في أفراحهم وآلامهم .
في كفاحها كأميرة للمدن ، في هذه المنطقة من العالم ، كانت تضاهي في دفاعها عن نموذجها التاريخي المدن الاغريقية والفينيقية البحرية التي اعتلت ، كما تقول الاساطير ، سارية المركب الشراعي الذي كانت ترشده عرائس البحر نحو الشواطئ الآمنة ، فكان حقات ،وأبو الوادي من خلفه ، هما الشاطئ الذي هوى إليه فؤاد عروسة البحر "في حالة كريتر " لتبعث من أطراف المحيط هذه المدينة وسط فوهة من البركان الخامد لتؤكد صورة أخرى لخروج الحي من الميت .
وطوال كل هذه العهود ، كانت كريتر مدينة للحياة ، وهي آية هذه الحقيقة التي تجسدها إصرار هذه المدينة على البقاء رغم كل ما واجهته من تحديات الطبيعة وتوحش الانسان وتقلبات الأزمان .
الحفاظ على " كريتر" يشكل نقطة التحول بين الحياة والموت ، وهي النقطة التي لا بد أن ننتصر فيها للحياة ، ومعه إنقاذ المدينة ، وتمكينها من مواصلة رسالتها الانسانية القاضية بأن للحياة سرٌّ يدركه سكان هذه المدينة العريقة .