تتفاقم الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إلى مستويات خطيرة وغير مسبوقة مع تخطي الدولار الأمريكي عتبة 2000 ريال يمني خلال شهر أكتوبر الماضي. وهذه هي أدنى قيمة تاريخية للعملة التي بدأ تداولها بعد إعلان الريال عملة رسمية.
ففي بداية عام 2024، كان سعر صرف الدولار حوالي 1584 للشراء و1594 للبيع، واستمر هذا التراجع في القيمة حتى تعدى 2040 ريال مقابل الدولار حيث كان سعر الصرف حوالي 215 ريالا قبل نشوب الحرب الجارية.
ولمعرفة الضرر الجم لانهيار سعر صرف الريال على السكان ومستوى الحياة نفترض ان راتب الموظف قبل الحرب يساوي 100 الف ريال وكما هو معروف ثبات الاجور حتى الان وعند احتساب سعر صرف الراتب قبل الحرب عندما كان سعر الصرف 215 ريال / دولار فان الراتب بالدولار قبل الحرب يساوي 465 دولار اما عند كتابة هذا المقال حيث سعر الصرف 2040 ريال / دولار فان الراتب يساوي فقط 49 دولار اي ان سعر صرف راتب اليوم يساوي حوالي 11٪ من سعر صرف الراتب قبل الحرب اي ان القيمة الشرائية لموظف راتبة 100 الف ريال تساوي 11٪ من قيمة راتبه قبل الحرب وبالتالي يمكن القول ان راتب الموظف تراجع 98٪ عما كان عليه قبل الحرب بسبب ثبات الاجور في ظل ارتفاع نسبة التضخم وانهيار الريال وبالتالي فان ما يستطيع الموظف حيازته من سلع وخدمات يساوي 11٪ عما كان عليه قبل الحرب فقط وهنا ندرك اثار انهيار سعر الصرف على مستوى معيشة السكان حيث يؤدي الى انتشار الفقر والمجاعة والعوز وسوء التغذية والحرمان والتشرد والتسول وانتشار الامراض وتخلف التعليم وانتشار الأمية والتطرف والجريمة وانهيار الاسرة والقيم وانتشار الفساد بكل أنواعه وفي المحصلة انهيار السلوك والقيم والأخطر من ذلك انهيار الدولة وسيادة الفوضى بكل انواعها وبالتالي ظهور الحروب والفوضى.
ان هذا الانهيار الفظيع لسعر صرف العملة المحلية امام العملات الاجنبية له تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية وانسانية مروعة فسعر صرف الريال ليست مجرد ارقام تذهب صعودا وهبوطا ولكن لها مدلول سياسي واقتصادي وانساني يؤثر بشكل خطير في حياة المجتمع ومستوى معيشته.
ان انهيار الريال في شهر اكتوبر الحالي أثر بشكل كبير على الحياة المعيشية للمواطنين حيث تسبب في ارتفاع مروع لأسعار السلع والخدمات الاساسية وانعكس بشكل مباشر في تآكل القدرة الشرائية للدخول المتواضعة جدا للسكان في ظل ثبات الاجور وركود النشاط الاقتصادي كما يقود انهيار العملة الى ارتفاع تكلفة الديون العامة للدولة وتسببت في فقدان الثقة في اقتصاد البلاد وهروب الرأسمال وتراجع الاستثمار والانتاج وتراجع فرص العمل وزيادة البطالة بشكل خطير جدا وبالتالي زيادة الفقر والمجاعة وسوء التغذية على نطاق واسع وزيادة حدة الازمة الإنسانية التي تعد الأسوأ على مستوى العالم وسوف يسبب انهيار العملة قريبا الى عدم قدرة السلطات على تقديم الخدمات الاساسية مثل الماء والكهرباء والصحة والتعليم كل هذه التأثيرات مجتمعة تؤدي إلى ضغوط كبيرة على الأسر والمجتمعات وتزيد من التوترات الاجتماعية والسياسية وقد تؤدي الى انهيار شامل للدولة والمجتمع وذلك في الاشهر القادمة في حال عجز السلطات عن ايجاد حلول توقف انهيار الريال.
ان من اهم اسباب انهيار سعر صرف الريال حاليا:
• ارتفاع فاتورة الاستيراد مع تعميق اختلال الميزان التجاري وميزان المدفوعات بسبب انهيار الانتاج المحلي.
• ضعف السيطرة على مصادر البلد من الموارد والمتحصلات من العملات الأجنبية والمحلية.
• هروب وتهريب العملات الاجنبية او عدم توريدها الى القنوات الرسمية في البلد.
• الحرب الاقتصادية والمالية بين عدن وصنعاء وانقسام السوق المالية وسوق الصرف الى سوقين يتعاملان بالعملات الأجنبية.
• ضعف السلطات المالية والنقدية في عدن وعدم قدرتهما على تطبيق سياسات ناظمة لسعر الصرف.
• المضاربة بالعملة حيث تحول سوق الصرف الى نشاط رئيسي لجني الارباح.
• استمرار وقف تصدير النفط وبالتالي توقف موارد مالية حاكمة لبقاء سعر الصرف صامدا امام العملات الأجنبية.
• التدخلات الدولية والإقليمية ووقف اي قرارات من البنك المركزي تهدف لوقف انهيار سعر صرف الريال اليمني.
المعالجات المتاحة حاليا:
• وقف الحرب واتخاذ قرارات سياسية تحدث تغيير ايجابي في البنية السياسية والهيكلية للدولة.
• استئناف تصدير النفط.
• تفعيل مؤسسات الدولة الايرادية والسيطرة على الموارد السيادية.
• اجراء تفاهمات بين بنك عدن وصنعاء تخفف من الاثار السلبية على سوق الصرف.
• وقف تهريب وهروب العملة بسياسات جاذبة.
• تطبيق سياسات مالية ونقدية تحد من انهيار الوضع المالي وضبط سوق الصرف.
• الحصول على دعم مالي خارجي عاجل وبما لا يقل عن 2 مليار دولار لردم فجوة الصرف الاجنبي في اقتصاد البلاد.
وعليه فان انهيار الريال من أخطر اثار الحرب على الدولة والمجتمع وان استمرار انهيار الريال سوق يتسبب بكوارث لا تحمد عقباها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وانسانيا وان استمرار صمت السلطات عن هذا التدهور هو رعاية رسمية لانهيار شامل للمجتمع ومستوى المعيشة.
د. حسين الملعسي
رئيس مؤسسة الرابطة الاقتصادية