زاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتيرة الحديث عن التطبيع مع الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما تربطه أوساط بمخاوف تركية من اتساع دائرة الحرب خاصة عقب بلوغ الغضب الإسرائيلي على أردوغان ذروته، ما يوحي بأن أنقرة تبحث عن موقع لها في جبهة مواجهة إسرائيل إلى جانب إيران من بوابة الأسد، الذي لا يبدي أي تفاعل مع عروض التطبيع التركية.
وحديث أردوغان عن التطبيع مع الأسد يتزامن مع زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى أنقرة الخميس، والتي من المرجح أن يكون موضوع الاحتماء بجبهة إيران من بوابة التقارب مع الأسد ضمن البنود الرئيسية التي ستتم مناقشتها، في وقت باتت فيه الدوحة تخشى ردّ فعل إسرائيلي قوي بعد فشلها في الضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن.
وترجح مصادر سياسية إقليمية أن تكون زيارة أمير قطر مندرجة في سياق ترتيبات المرحلة القادمة إقليميا، وتنسيق المواقف مع أنقرة بشأن التطبيع مع الأسد، الذي لم ينس ما فعلت به تركيا وقطر صاحبتا أكبر استثمار في الحرب الأهلية السورية، ولا يريد منحهما فرصة دخول جبهة التصدي للتصعيد الإسرائيلي وتنظيف سجليهما في دعم “الربيع العربي”.
الأسد لم ينس ما فعلت به تركيا وقطر صاحبتا أكبر استثمار في الحرب الأهلية السورية، ولا يريد منحهما أي فرصة
ونقلت قناة سي.إن.إن ترك الأربعاء عن الرئيس التركي قوله إنه لا يزال يأمل في لقاء نظيره السوري بشار الأسد لإصلاح العلاقات بين البلدين، وإن “استعادة العلاقات مع بشار الأسد سوف تهدئ التوتر الإقليمي، كما آمل.”
وعاد أردوغان إلى تخويف دمشق من التهديدات الإسرائيلية حين قال إن “تهديدات إسرائيل ضد الجوار (سوريا) ليست محض خيال (…) ولا ينبغي أن ننسى أن الحرائق في المنطقة سوف تنتشر بسرعة في الأراضي غير المستقرة،” في تهديد خفي بأن الأسد إذا لم يبادر بالتطبيع مع أنقرة فإن المناطق الخارجة عن سيطرته والواقعة تحت نفوذ أنقرة وحلفائها من المجموعات السورية ستتحرك ضده.
لكن كيف يمكن إقناع الأسد بالتطبيع، وقد تمسك برفض دعوات الرئيس التركي السابقة في السياق ذاته وبالمفردات ذاتها. كما لم تفلح دعوة أردوغان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التدخل لدى الرئيس السوري لتغيير موقف دمشق.
ولتجاوز هذا التصلب في موقف الأسد يمكن أن يلجأ الرئيس التركي إلى قطر لتقدم إلى دمشق عروض دعم سخية مستفيدة من عدم حصول سوريا على الدعم الذي كانت تأمله من التقارب مع السعودية. وقد يستفيد أردوغان من زيارة الشيخ تميم إلى أنقرة لتحريك الجمود في العلاقة بين تركيا وسوريا.
وقال وزير التجارة التركي عمر بولات الأربعاء “سيكون أمير قطر في أنقرة غدا (الخميس) على أي حال. ستجرى محادثات مهمة وينعقد اجتماع للمجلس الإستراتيجي رفيع المستوى.”
وفي العام الماضي قاومت قطر الجهود التي قادتها السعودية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية وبررت رفضها بأن أسباب تجميد عضوية دمشق مازالت قائمة ولا ترى مؤشرات تحفزها على تغيير موقفها. لكن يبدو أن الأمور تغيرت الآن وصارت الدوحة هي من تبحث عن كسر البرود الذي يسم العلاقة بين البلدين وتناسي الماضي.
ولعبت قطر دورا كبيرا في الأزمة السورية على الصعيدين السياسي والعسكري وأدى تدخلها إلى خروج الاحتجاجات على النظام السوري عن مسارها المدني بعد عسكرة أجسام الثورة التي هيمن عليها الإسلاميون.
زيارة أمير قطر مندرجة في سياق ترتيبات المرحلة القادمة إقليميا، وتنسيق المواقف مع أنقرة بشأن التطبيع مع الأسد
ويعرف الأتراك والقطريون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي ربح الحرب في غزة وقضى على قوة حزب الله بتصفية أغلب قياداته العسكرية والسياسية وضرب مخازن سلاحه، يجد نفسه في موقف قوة بعد انتخاب حليفه دونالد ترامب لولاية رئاسية جديدة، ولن يمنعه أي شيء من تصفية الحساب سياسيا مع من وقفوا ضده في حرب غزة أو دعموا حماس، وهذا ما يمكن أن يفسر البحث عن دخول نادي إيران وحلفائها في المنطقة.
ويجد أردوغان في التطبيع مع الأسد فرصة للتخلي عن الأعباء التي أثقل بها كاهل الأتراك من خلال تدخله المباشر في الحرب، ومنها إعادة أربعة ملايين سوري لاجئ إلى بلادهم وإيجاد أرضية سياسية، ولو دون ضمانات، من أجل حوار بين دمشق والمعارضة يفضي إلى وقف الإنفاق التركي على المجاميع العسكرية التي تحولت إلى عبء ثقيل على كاهل أنقرة.
وخلال مشاركته في قمة بريكس بمدينة قازان الروسية طلب أردوغان من بوتين شخصيا المساعدة في ضمان تواصل الحكومة السورية مع أنقرة لتطبيع العلاقات.
وقال “تأثير روسيا على الحكومة السورية معروف… طلبنا من السيد بوتين ضمان رد بشار الأسد على دعوتنا. هل سيطلب السيد بوتين من الأسد اتخاذ هذه الخطوة؟ لندع الوقت يُجبْ عن ذلك.”
ويعرف أردوغان أن الأسد لن يقبل فتح قنوات التواصل قبل سحب تركيا قواتها من الأراضي السورية ورفع دعمها عن المجاميع المسلحة.