أماناً لغيداءِ الزمان من العِدا
وطوبى لمن في حبها هامَ منشدا
ولو كانت الحسناءُ تُفدَى بأنفُسٍ
لكانت نفوسُ الخَلق طُرّاً لها الفِدا
تعلَّقَتِ العشاقَ من كلِّ مذهبٍ
فراحوا يصوغونَ القصائدَ خُرَّدا
عليها من النور الوضيء غِلالةٌ
وفيها من الفجر التبسُّمُ والندى
وكم ثغرُها البسامُ ساكَبَ شهدَها
وكم حضنُها سَرَّ الشقيَّ وأسعدا
لها من إباءِ الشمس لمعُ توهُّجٍ
وخدٌّ صبيحٌ من حياءٍ تورَّدا
تَفاوَحَ فيها البحرُ وهي تضمُّه
فلا هاجَ موتوراً ولا ماجَ مُزبِدا
يجودُ بخيرٍ من قديمِ زمانِها
( شُروخاً وقُدّاً أو بياضاً وكنعدا )
يقولونَ أرضٌ قلتُ بل هي جنةٌ
وإنْ كنتُ ألقاها مصلًّى ومعبدا
وحتى ثَراها ليس في الكون مثلُه
فقد صاغَه الخلاق دُرّاً وعسجدا
ثَرَى ( عَدَنٍ ) إنْ تسألوني أقولُها
هو المسكُ زاكٍ عطَّرَت روحُه المدى
يقولونَ لي : غالٍ علينا ترابُها !
أقولُ : ولكنْ لي عتابٌ تجدَّدا
أيُتركُ غالٍ للفسادِ ينوشُهُ
أيرتعُ فيها مَن تجبَّرَ مُفسدا ؟
جهلتُم وما في الجهل خيرٌ لرائمٍ
نعيمَ حياةٍ رامَه اليومَ أو غدا
بني وطني إنَّ المصائبَ جَمَّةٌ
فقوموا إلى الأمرِ الجليل توحُّدا
ولا تتغنَّوا بالزمان الذي مضى
متى رفعَ الماضي بناءً وشيَّدا ؟
ألا واتركوا ( كنا وكنا ) فإنها
إلى العجز بابٌ رادَهُ مَن تردَّدا
نصحتُ وما نُصحي سوى من محبةٍ
وفازَ الذي نُصحَ المحبِّ تقلَّدا
أنا واحدٌ منكم حياتي حياتُكم
أضأتُ بكم لمّا تألقتُ فرقدا
ولي عندكم أهلٌ وصحبٌ وجِيرةٌ
ولي ذكرياتٌ تُستعادُ تعمُّدا !
فلا تعتبوا أني تركتُ دياركم
إلى غيرها ما كان ذاكَ تمرُّدا
ولكنْ دعتني السامياتُ من المنى
فغادرتُ قيعانَ السفوحِ لأصعدا
وما دام يحدوني الطموحُ إلى العلا
فبعضُ المنى حقٌّ إذا عمرُها ابتدا
وإنْ تسألوا عني فلستُ مهاجراً
ولكن وجدتُ البعدَ للحُرِّ أفيَدَا
أنا في بلادٍ أسعدَ اللهُ أهلَها
بحكامِ عدلٍ دفَّقوا العزَّ موردا
لينهلَ منه الظامئونَ جميعُهم
ومَن يلقَ نهراً كوثراً برَّدَ الصَّدى
( فزايدُهم ) أصلُ المفاخر كلِّها
( وسلطانُهم ) نبعُ المحبةِ والندى
فحمداً وشكراً للذي برأ الورى
وحقٌّ له أنْ يُستعانَ ويُحمَدا
وأنتم - بني أمي - أحِبُّوا بلادَكم
وصونوا ثَراها واجعلوا دونَه الردى
لكم ( عَدَنٌ ) في الأرض أجملُ جَنَّةٍ
وما ضاعت الأعمارُ في جَنَّةٍ سُدى