عادت الحياة لتدبّ في شوارع حلب، ثاني كبرى مدن سوريا وعاصمتها الاقتصادية قبل اندلاع النزاع المدمّر في 2011، وباتت مفعمة بالأمل بعد أيام على سقوط الرئيس بشار الأسد.
انقسمت السيطرة على حلب في 2012 مع سيطرة مقاتلين معارضين على أحيائها الشرقية. وتعرضت المدينة لقصف مكثّف، خصوصا في 2016 عندما تمكنت القوات الحكومية من استعادة السيطرة الكاملة عليها بدعم من الطيران الروسي. وما زالت آثار الحرب جليّة في شوارع كبرى مدن شمال سوريا، مع مبان خالية بالكامل من سكانها وواجهات متصدّعة.
انتهت هذه السيطرة بحلول الأول من ديسمبر 2024، مع خروج المدينة بالكامل عن سيطرة القوات الحكومية للمرة الأولى منذ بدء النزاع. وأتى ذلك في إطار هجوم مباغت بدأته هيئة تحرير الشام وفصائل حليفة في 27 نوفمبر انطلاقا من معقلها في إدلب (شمال غرب).
وسيطرت الفصائل على مدن أساسية، وصولا الى دخول دمشق فجر الثامن من ديسمبر وإعلانها إسقاط الرئيس بشار الأسد الذي حكم البلاد لربع قرن.
بعد أقل من أسبوعين، يعود إيقاع الحياة الطبيعية الى حلب التي يقطنها أكثر من مليوني نسمة، وكانت محورا أساسيا للنشاط الاقتصادي في سوريا، ومقصدا رائجا للسياح وعلماء الآثار.
وتستعيد حركة السير صخبها، حتّى إن بعض الإشارات المرورية عاودت العمل، بحسب صحافيين في وكالة فرانس برس. ويعكف أبناء المدينة على تسريع وتيرة عودة الأمور إلى مجاريها، لا سيمّا بعد انحسار تواجد المسلحين في الشوارع.
الا أن الأمور لم تعد بعد الى سابق عهدها بالكامل.
ويقول رمضان دالي لفرانس برس "أتوقع أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه بعد شهرين أو ثلاثة وليس بعد يوم أو يومين. نحن بحاجة إلى الوقت".
ويردف الرجل السبعيني الذي اعتمر قبعة سوداء وارتدى سترة زرقاء، وتحدث الى فرانس برس في متجر ساعات مستوردة من الصين غارق في العتمة بسبب انقطاع التيار الكهربائي في شارع يوسف العظمة وسط حلب، "هذا أملنا".
عند حلول الليل، يتقاطر إلى قلعة حلب في المدينة القديمة، وهي من المعالم التي كانت تستقطب السياح من العالم أجمع والتي سلمت نسبيا من القصف، بائعو الورد والحلويات والذرة.
ويرقص شباب على وقع الطبول ويلتقطون صورا لهم مع "علم الثورة" السورية المؤلف من ثلاثة نجوم حمراء اللون مع ثلاثة خطوط أفقية (خضراء وبيضاء وسوداء)، عوضا عن العلم الذي كان معتمدا خلال حكم آل الأسد المؤلف من نجمتين خضراوين وثلاثة خطوط أفقية (حمراء وبيضاء وسوداء).
ولا يلقي المحتفلون بالا للمسلحين الذي يحرسون مدخل القلعة وهم يحملون بنادق أوتوماتيكية.
يشير مصطفى الخطيب النادل في مطعم باب الأحمر، أحد المطاعم المنتشرة عند أسفل القلعة، بيده إلى المباني المنهارة قبالة المعلم وقصر العدل المتداعي والحمامات التركية المدمّرة، قائلا "إنهم الروس".
غلاء المعيشة
ويقرّ الرجل البالغ 43 عاما الذي ينتظر أن تفتح المدارس أبوابها ليعود أولاده الخمسة إلى مقاعد الدراسة "نحن متفائلون بكلّ خير. ستكون حياتنا أفضل".
لكنه لا يخفي قلقه من ارتفاع أسعار المواد الأساسية الذي يدفعه إلى العمل 15 ساعة في اليوم.
وبات غلاء المعيشة الشغل الشاغل لأبناء حلب التي لا تنقصها المواد الأساسية، لكنها تشهد ارتفاعا شديدا في الأسعار في ظلّ تراجع قيمة الليرة السورية.
ويشكّل ارتفاع تكاليف العيش محور حديث مجموعة من النساء عدن إلى العمل "لليوم الأول"، وهن موظفات في وزارة الشؤون الاجتماعية لا يعرفن إن كن سيتقاضين رواتبهن ومتى سيحصلن عليها.
وتعرب السيدة الأربعينية جمان خيلالي عن "مشاعر مختلطة" بين الأمل والقلق في ظلّ انعدام اليقين الذي ينعكس خصوصا على ابنها البالغ من العمر 10 سنوات الذي يمطرها بوابل من الأسئلة.
وتؤكّد أن "كلّ شيء بات غاليا جدّا".
وتشير سوزان كبّة (36 عاما) من جانبها إلى أملها "بتغييرات جديدة على رأسها حقوق المرأة".
وهي تستبشر خيرا في المرحلة المقبلة، قائلة إنه كان هناك "شعور بالانعزال عن العالم. نريد الانفتاح وأن نحصل على معظم حرّياتنا عن طريق استقرار البلد والأمان