بعد سلسلة الخسائر التي منيت بها أذرع إيران في المنطقة، تتضاءل خيارات إسرائيل العسكرية المقبلة، وتزداد تعقيداتها المتشابكة، وسط تهديد ووعيد بـ"ضربة كبرى"، ما زالت تتأرجح بين طهران وميليشيا الحوثيين في اليمن.
ومع الضغوط الداخلية التي تخلقها هجمات الحوثيين المتزايدة خلال الأسابيع الأخيرة على إسرائيل، وتصاعد الاتهامات الدولية لإيران بزيادة مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، تبدو سيناريوهات المواجهة القادمة متعددة، لاختيار هدف تل أبيب المرتقب.
يوم أمس الاثنين، وجه وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، رسالة إلى الحوثيين، توعدهم فيها "بضرب البنية التحتية الاستراتيجية وقطع رؤوس قادتهم"، وقال "سنفعل بصنعاء والحديدة ما فعلناه في غزة ولبنان".
وكان رئيس الموساد الإسرائيلي، دافيد برنياع، قد طالب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الأحد الماضي، على خلفية هجمات الحوثيين الأخيرة، بالهجوم المباشر على إيران، وعدم الاكتفاء بالأنشطة المستهدفة بصنعاء؛ لأن توقف الحوثيين غير مؤكد حتى وإن ضُربوا.
حسابات خطيرة
ويعتقد الباحث في علم الاجتماع السياسي، مصطفى ناجي، أن إيران التي دأبت على اتباع مسار "الصبر الاستراتيجي"، في علاقتها مع إسرائيل، ستواصل مضيها فيه، خاصة بعد خسارة أذرعها التي عملت على تطويق نفسها بها، لمشاغلة أمريكا وإسرائيل، خدمة لطموحها الأكبر.
وقال ناجي في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن "طهران تلقت ضربات موجعة من إسرائيل التي امتدت عملياتها العسكرية إلى الداخل الإيراني، وذلك في سبيل وصول مشروعها النووي إلى النور، ومن ثم لا أظنها – أي إيران – في وارد الاندفاع نحو مواجهة مباشرة".
وبحسب ناجي، فإن إسرائيل "مقامرة"، وقد تعمل على "استغلال الفراغ بين فترة مغادرة الإدارة الأمريكية السابقة وقدوم الأخرى الجديدة، في تحقيق أهداف قليلة نوعا ما، لمجرد الضغط على الرأس، لكي تهدأ الأطراف، وهي عملية ذات حسابات خطرة، وقد تشعل فتيل حرب غير متوقعة في المنطقة".
الخطوة المقبلة
وفيما يتعلق بالخطوة المقبلة، أشار ناجي إلى أن بنك أهداف إسرائيل بات يتقلص، ولم يعد أمامها سوى الميليشيات العراقية أو الحوثية.
وذكر أن "الجغرافيا لن تساعد الإسرائيليين، بسبب بعد اليمن، إضافة إلى أن الحوثيين متحصنون في أماكن جبلية، تحتاج إلى وقت لرصدها والقضاء على كل مقدراتها العسكرية".
وتابع: "ما ستفعله إسرائيل هو ممارسة ضرباتها على نحو استعراضي، لتأكيد تفوقها العسكري وقدرتها على الوصول إلى الحوثيين، وهذا ليس كافياً لتغيير المعادلة، ما لم تتحرك قوى مناوئة للحوثيين ميدانياً، لتقليص مساحة سيطرتهم وكبح قدرتهم على الإيذاء خارج البلد".
مقاربات مطروحة
بدوره، يرى الباحث السياسي، حسام ردمان، أن الجانب الإسرائيلي استطاع استثمار هجمات الحوثيين الأخيرة كي يحقق هدفين متمثلين في المناورة بخصوص الضغوط الدولية الممارسة لوقف إطلاق النار في غزة، وتسليط الانتباه على أهمية التعاطي مع الحوثيين باعتبارهم "الذراع الوحيدة العاملة لإيران" تمهيداً لفتح جبهة إقليمية جديدة.
وقال ردمان في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن الأوساط الإسرائيلية تناقش حالياً ثلاث مقاربات للتعاطي مع اليمن كأولوية قصوى، "تأتي في مقدمتها مقاربة رأس الأفعى وضرب إيران مباشرة. أما المقاربة الثانية فقد طرحها نتنياهو من خلال الدعوة إلى تحالف دولي إقليمي لمواجهة الحوثيين، بمعنى محاولة استنساخ سيناريو داعش في سوريا".
وأشار إلى أن المقاربة الثالثة تتجسد في ضرب مراكز الثقل من خلال حملة ممنهجة وطويلة، "ومن خلال بنك أهداف إسرائيل في عملياتها الأخيرة في اليمن، يتضح أن تعريفها لمراكز الثقل يتضمن: البنية التحتية المدنية، والبنية التحتية العسكرية، والقيادات الكبيرة؛ ما يعني تكرار تجربة حزب الله".
ساحة تصفية
وبيّن أن اليمن "يتقدم اليوم بثبات ليكون ساحة تصفية للحسابات الإقليمية بعد سوريا، وبالنسبة للإيراني فإن اليمن ساحة المقامرة الأخيرة للبقاء كقوة رائدة، بينما يراها الإسرائيلي ساحة التصعيد الأمثل للهروب من الضغوط السياسية، وتعزيز هيمنته العسكرية".
وأشار ردمان إلى ضرورة تحرك الشرعية اليمنية وحلفائها والمبادرة إلى وراثة النفوذ الإيراني كما فعلت تركيا في سوريا، وقطع الطريق على طموحات طهران وتل أبيب دفعة واحدة.