آخر تحديث :الإثنين - 08 يوليه 2024 - 12:45 م

عرب وعالم


تحديات كبيرة أمام الحكومة البريطانية الجديدة

الجمعة - 05 يوليه 2024 - 03:41 م بتوقيت عدن

تحديات كبيرة أمام الحكومة البريطانية الجديدة

عدن تايم/سكاي نيوز عربية

تعتبر أزمة الدين العام في بريطانيا واحدة من أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد في الوقت الراهن، وتشكل تهديداً كبيراً للاستقرار المالي والنمو الاقتصادي.
على مدى السنوات الأخيرة، ارتفع الدين العام بشكل ملحوظ نتيجة للإنفاق الحكومي الكبير على البرامج الاجتماعية والبنية التحتية، بالإضافة إلى تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية مثل جائحة كورونا. هذه الأزمة لم تؤثر فقط على قدرة الحكومة على تمويل المشاريع والخدمات العامة، بل أيضًا أضافت ضغوطًا كبيرة على الاقتصاد البريطاني بشكل عام، مما يستدعي اتخاذ إجراءات حازمة لمعالجة هذه المشكلة.
تواجه الحكومة الجديدة تحديات جسيمة تتطلب استراتيجيات فعّالة للتعامل مع أزمة الدين العام. وتحتاج الإدارة الجديدة إلى اتخاذ خطوات جريئة لتخفيض مستويات الدين وضبط الإنفاق الحكومي دون التأثير سلبًا على النمو الاقتصادي والخدمات الأساسية للمواطنين.
بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الحكومة العمل على تعزيز الثقة في الأسواق المالية وجذب الاستثمارات، بهدف تحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد.و هذه المهمة تتطلب تضافر الجهود بين مختلف القطاعات وابتكار حلول مستدامة لضمان مستقبل مالي مستقر لبريطانيا.
وعين ملك بريطانيا تشارلز الثالث رسميا زعيم حزب العمال كير ستارمر رئيسا للوزراء، الجمعة، خلال اجتماع في قصر باكينغهام، وذلك بعد الهزيمة الكاسحة للمحافظين الذين سيطروا على تشكيل الحكومة لمدة 14 عاما.

رؤية لويدز

وفي هذا السياق، حذر الرئيس التنفيذي لمجموعة لويدز المصرفية - أكبر بنك مقرض في المملكة المتحدة – من أن الحزب الفائز في الانتخابات العامة "لن يكون قادراً على دعم النمو من خلال زيادة الاقتراض الحكومي".
ونقلت شبكة "سكاي نيوز" عن تشارلي نون، قوله إن الدين الوطني للمملكة المتحدة ارتفع خلال العقد ونصف العقد الماضيين بسبب "الصدمات الهائلة" مثل الأزمة المالية العالمية، والجائحة، والحرب في أوكرانيا، وكذلك بعض القضايا الخاصة بالاقتصاد البريطاني، مشدداً على أن هذا من شأنه أن يحد من قدرة الحكومة الجديدة على الاستثمار.
وأضاف: "لقد قمنا بزيادة نسبة الدين الحكومي للمملكة المتحدة.. ويتعين علينا أن نقبل حقيقة مفادها أن الحكومة لا تستطيع دفع ديونها للخروج من هذه المرحلة التالية".
وأفاد بأن نسبة العجز الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي ارتفعت في الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية إلى 7.5 بالمئة، وبينما بوسع الولايات المتحدة أن تفعل ذلك لأنها تنمو بمعدل يتجاوز 3 بالمئة، فضلاً عن كونها العملة الاحتياطية العالمية، فإنه "ليس لدينا مثل هذه الخيارات في المملكة المتحدة، ولكن ما نحتاج إليه هو خطة واضحة ومجموعة من الأولويات.

التحدي الأكبر

واستطرد: أعتقد بأننا قادرون على خلق هذا الزخم الإيجابي للاستثمار في الوظائف ونمو الأعمال. ومن ثم سينعكس ذلك على الاقتصاد.. ولابد أن يكون هذا بمثابة مفتاح الخروج من هذه الصدمات الثلاث أو الأربع التي شهدها الاقتصاد البريطاني على مدى السنوات الست عشرة الماضية.
وقال نون، الذي عمل في مجلس الأعمال التابع لرئيس الوزراء السابق ريشي سوناك ومجلس البنية التحتية البريطاني الذي أطلقته وزيرة الخزانة في حكومة الظل راشيل ريفز ، إن هذا سيكون التحدي الأكبر للإدارة المقبلة.
وأضاف:
عندما ننظر إلى السنوات القليلة المقبلة للحكومة الجديدة، فإن القضية الحقيقية هي كيف سنتمكن من جذب الاستثمارات إلى الاقتصاد ــ ولن يأتي هذا الاستثمار من الحكومة.
يتعين علينا أن نعمل على استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة الدولية، والاستفادة من النظام المصرفي لدعم العملاء، والاستثمار في أعمالهم وخلق فرص العمل والتوظيف في النمو.
ثم دعم المؤسسات المالية الأخرى ومجموعات رأس المال مثل صناديق التقاعد من أجل هذا الاستثمار.
التركيز الحقيقي يجب أن ينصب على كيفية تحقيق النمو وكيفية جلب الأموال الخاصة إلى جانب الحكومة لإحداث هذا الفارق.. وهذا ما سيحقق أفضل النتائج للبلاد، ولكن أيضًا للمالية الحكومية ذاتها.

معنويات الأعمال "مرتفعة جدًا"

وأفاد نون، الذي قال إن معنويات الأعمال "مرتفعة للغاية في الواقع" في الوقت الحاضر، بأن خطة حكومية واضحة ومجموعة من الأولويات يمكن أن تساعد في حل ثلاثة أشياء.
الأول هو أننا بحاجة إلى جذب المزيد من الاستثمارات الخاصة، سواء المحلية والدولية، إلى المملكة المتحدة لدعم النمو، وهذا يحتاج إلى أن يأتي مع بعض الإصلاحات في جانب العرض.
الثاني: قضية الإسكان التي تشكل موضوعاً بالغ الأهمية بالنسبة للمملكة المتحدة، بدءاً من الإسكان الاجتماعي وصولاً إلى الإسكان الفاخر وفي سوق الإسكان الأوسع نطاقاً. ونحن نعتقد بأن الأمر يتطلب خطة مدتها عشر سنوات لإطلاق العنان للاستثمار في الإسكان الذي سيكون ضرورياً لإحداث فارق حقيقي.
الأمر الثالث الذي نعتقد بأنه قد يحدث فرقًا هو التركيز على المدخرات والاستثمارات طويلة الأجل، سواء في بناء المرونة المالية للشركات والمستهلكين في المملكة المتحدة، ولكن أيضاً في كيفية استخدام هذه المدخرات وصناديق الادخار لاستثمارها مرة أخرى في اقتصاد المملكة المتحدة.
وقال إن أول شيء يجب على الحكومة الجديدة القيام به، هو توفير الاستقرار والتفكير في بعض هذه المجالات المتعلقة بالبنية الأساسية والإسكان، وهو ما يتطلب التفكير لمدة عشر سنوات وليس التفكير على المدى القصير. موضحاً أن هناك بعض المشكلات المتعلقة بجانب العرض.. والتي تعيق الشركات عن الحصول على عائد على استثماراتها.

أصوات الناخبين

وفي تعليق لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، قال الكاتب والباحث محمد قواص، إن أزمة الدين العام في بريطانيا تعتبر أحد أبرز الملفات التي أثرت في الانتخابات البريطانية، ضمن قائمة من الملفات الأخرى كانت على طاولة الناخبين.
وأفاد بأن:
الدين العام وصل إلى مستوى قياسي، وبريطانيا لن تتحمل السياسات التي كانت متبعة من قبل المحافظين والتي وصفها بـ "الارتجالية".
الناخبون فضّلوا حزب العمال بسبب برنامجه الانتخابي الذي وعدهم بالتحكم في الميزانية والإنفاق الحكومي وإعطاء أمل بانتعاش السوق.
وتابع قواص: "التخلص من 14 عاماً من حكم المحافظين وتولي حزب العمال مقاليد الأمور يؤكد أن الناخب البريطاني يريد بشكل أو بأخر أن يغير من سياسات الحكومة وعلى رأسها تعاملها مع الدين العام إضافة إلى ملفات اجتماعية أخرى".
وشدد على أن البريطانيين يريدون التخلص من حالة عدم الثقة في الحزب الحاكم، خصوصاً وأنها غياب الثقة هو العنصر الأساسي في عدم نجاح أي اقتصاد، إضافة إلى رغبتهم في تحقيق الاستقرار عبر اتباع آليات اقتصادية بعينها محفزة للاقتصاد والأخيرة لم ينجح حزب المحافظين في تحقيقها.

عوامل مختلفة

وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، قال الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة "ACY" نضال الشعار، إن هناك عدة عوامل مجتمعة تكشف المشهد الاقتصادي في بريطانيا والذي أدى إلى تفاقم أزمة الدين، أهمها:
حجم الدين العام في المملكة المتحدة قارب مستوى الـ 100 بالمئة من الناتج المحلي إلا أنه لا يتجاوز المعدلات المعتادة في البلاد المتقدمة كبعض دول الاتحاد الأوروبي واليابان.
الملفت في حالة المملكة المتحدة التسارع في حجم الدين العام والذي يمكن إرجاعه إلى عدة نقاط: "جائحة كورونا - تكلفة الخروج من الاتحاد الأوروبي - الحرب الروسية الأوكرانية والارتفاع الهائل في أسعار الطاقة والغذاء"، كل هذا نتج عنه تخبط واضح في السياسات الضريبية والضمان الاجتماعي والصحي وسياسات الهجرة.
الانخفاض المتوقع في أسعار الفائدة بعد السيطرة على معدل التضخم المرتفع في المملكة المتحدة مقارنة بباقي الدول الأوروبية، وهذا ما تبعه استمرار الطلب مرتفع على السندات البريطانية، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الدين السنوي، وهذا يطرح سؤال "إلى أي مدى ستنخفض أسعار الفائدة لخفض الدين العام؟".
الوضع المالي حالياً مقلق وعلى الحكومة المقبلة ضرورة الموازنة بين خطورة الوضع المالي والوضع الاجتماعي.
وأضاف الشعار: "لا أعتقد بأن أي حكومة ستكون قادرة على إحداث هذا التوازن بآلية سريعة، والحل أن تركز الحكومة على متطلبات الشعب وتحقيق نوع من العدالة في فرض الضرائب وترتيب البيت الاجتماعي والصحي ويلي ذلك إيجاد حل لمشكلة الدين العام".

تحديات كبيرة

من جانبه، أكد مدير المركز العالمي للدراسات التنموية والاقتصادية، صادق الركابي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن أزمة الدين العام هي إحدى التحديات الكبيرة التي ستواجه الحكومة البريطانية الجديدة؛ لأنها بشكل أو بآخر تعني ارتفاع الأعباء المالية على الحكومة بسبب ارتفاع تكاليف الفائدة وتقييد قدرتها على تنفيذ سياسات مالية توسعية.
وأضاف الركابي: "قد تصطدم الحكومة القادمة بهذا الأمر الذي قد يلزمها بتخصيص جزء كبير من ميزانيتها القادمة لسداد الفوائد بدلاً من الاستثمار في الخدمات العامة والبنى التحتية حال رغبتها في الحد من تصاعد هذا الدين".

وتابع الركابي: تعتبر معالجة أزمة الدين العام أمرًا غاية في الأهمية لأنها:
تعطي الثقة لأسواق المال في قدرة الحكومة على إدارة هذا الدين و الحد من ارتفاعه.
تنعكس إيجاباً على قيمة الجنيه الاسترليني و تكاليف الاقتراض حال نجحت الحكومة في ذلك.
وعاد الركابي وأكد أن ذلك مرتبط بعدة عوامل أهمها:
نجاح الحكومة المقبلة في تنفيذ إصلاحات مالية جذرية كتحسين كفاءة الانفاق مع تحقيق المرونة اللازمة في النظام الضريبي.
تعزيز النمو الاقتصادي من خلال تشجيع الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار.
وذكر الركابي أن معالجة أزمة الدين العام لا تقتصر فقط على العوامل الداخلية في الاقتصاد البريطاني، وإنما لها علاقة بتعامل المملكة المتحدة مع ملفات الخارجية مثل:
العلاقة التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
إبرام اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة.
قدرة الاقتصاد البريطاني على جذب استثمارات خارجية.
منع خروج المحافظ المالية من السوق المحلية.