آخر تحديث :الأربعاء - 30 أكتوبر 2024 - 08:02 م

كتابات


رسالتي للأخ إبراهيم البكري أبو حنين

الأربعاء - 31 يوليه 2024 - 06:32 م بتوقيت عدن

رسالتي للأخ إبراهيم البكري أبو حنين

كتب / د. عيدروس نصر ناصر النقيب.

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ المكرم إبراهيم البكري. المحترم
بعد التحية والتقدير
في بداية رسالتي هذه إلى حضرتك أود الإشارة إلى إنني قد تجنبت الخوض في قضية استشهاد الطفلة حنين في الحادثة المشهورة التي أدمت القلوب وآلمت النفوس وجرحت المشاعر
وظلت موضوع تداول ونقاش على مدى شهور وحتى يوم صدور حكم الإعدام وهو الحكم الذي كان متوقعاً في مثل هذه الحادثة المريرة والموجعة لأسرة الشهيدة ولجميع المتعاطفين مع الشهيدة ووالديها ومحبيها.
وقبل البدء أشير إلى أنني لم أكن أرغب في نشر رسالتي عبر خدمتي Facebook و X لأنني لم أكن أرغب في الدخول في جدال مع من يعتقدون فيَّ سوءًا أو يسيؤون فهم قصدي، وما مقصدي سوى كل الخير لكم ولجميع من تتصل بهم هذه القضية.
لقد تألم الجميع لهذه الحادثة المؤلمة وشخصياً كنت من الذين أصابتهم الصدمة والمرارة ، والشعور بالحزن الشديد وكأنني فقدت أحد أحبتي وأهلي ويومها كنت مثلك متعصباً ومتشدداً لحكم الإعدام للرجل مهما كانت الظروف، رغم إنني لا أعرفكما ولم تربطني بكما أي صلة لا أنت ولا الأخ حسين بن هرهره.
إنني أعرف الشعور المزدوج الذي تعيشه أنت وأفراد أسرتك وكل المتعاطفين معكم في قضيتكم العادلة وما سأتوقف عنده هنا لا يقلل من مشاطرتي لأسرتكم المفجوعة وما تعيشه من حزن وغضب ومرارة وغليل لفقد هذه الطفلة الملاك التي استحوذت على مشاعر وأفئدة وحب وعواطف الآلاف وربما مئات الآلاف ممن تابعوا القضية.
الأخ الكريم إبراهيم.
لقد صدر حكم القضاء وهو ما كان يتوقعه الجميع، لكن ما أود التعرض له هنا هو التالي:
١. إن حياة الجاني حسين هرهره اليوم هي رهن كلمة منك إما بالتمسُّك بحكم القضاء، أو إعلان العفو عن الجاني أو القبول بأي تسوية تحفظ حياة إنسان وقع في الخطيئة وأغواه شيطان الغضب والتهور ووقع في ما وقع فيه من جرم.
٢. إن تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة سيشفي غضبك أنت ووالدة الشهيدة وأفراد أسرتكما وأقاربكما وكل محبي الشهيدة وهم كثر، لكنه لن يعيد الشهيدة إلى الحياة الدنيا، وهي اليوم في جنة النعيم بين يدي رب العالمين.
٣. ولقد سبق وإن أشرت إلى إنني لا أعرف الأخ حسين هرهره ولا أحداً من أهله مما يمكن أن يدفعني للتحيز إليه أو الاستعطاف لأجله، لكن عفوك عنه سيمثل عتقاً لرقبته، وهي إحدى الفضائل التي دعا إليها ديننا الإسلامي الحنيف، وسيحفظ أسرة ستبقى بدون عائل بعد تنفيذ الحكم وسيتيتم وقد يضيع بعده أبناؤه وستفقد أسرته معيلها، وبالمقابل لن يعود عليك هذا بأي فائدة سوى إرواء عطشكم للثأر أنت وأسرتك، والثأر والانتقام حقٌّ لا يستنكره أحد على الضحية وذويها، لكنه ليس الخيار الوحيد، وهو شعور صحيح، ومع ذلك هو شعورٌ مؤقتٌ لن يلبث أن يزول ولو بعد حين.
٤. إن العفو عن الجاني الذي أقر بحجم الخطيئة التي وقع فيها، واعترف بجرمه، هذا العفو بالنسبة لك سيمثل خطوةً شجاعةً وموقفاً أخلاقياً رفيعاً لا يقدم عليه إلا القليل ممن يتمتعون بمستوى عالي من النبل والشجاعة الأدبية والشهامة والنخوة، وأرجو أن تصدِّقني أن "شجاعة العفو والسماح أعلى مقاماً وأسمى رفعةً من نزعة الأخذ بالثأر"، لأن الثأر للضحية لن يعلي من مقامكم ولن يحقق لكم مردوداً أخلاقياً أو معنوياً، مثلما تفعل خطوة العفو والسماح التي سترفع مقامكم وتجعل العالم كله ينحني احتراما وتقديرا لكم.
٥. إنني أعرف إن تمسكك أنت وأهلك بحكم القضاء لا يستنقص من مكانتكم وحقكم، لكن العفو عن الجاني إذا ما قبلتم به، لن تعرفوا قيمته المعنوية والأخلاقية وفضيلته الدينية إلا بعد وقت ليس قصير حينما تصبح مضرب مثل في الرجولة والشهامة وسمو الأخلاق ونبل الموقف فأرجو أن لا تحصر مشاعرك في الأخذ بالثأر فقط.
٦. إن الموت والحياة بيد الله الواحد الأحد، ومن يدري؟ لربما كان الموت ينتظر الملاك حنين عن أي طريقة غير الطلقة اللعينة التي أودت بحياتها، إما بحادث مرور أو لسعة أفعى أو مرضٍ معدي، وحينها لم يكن بمقدورك الانتقام من أحد، لأن قدر الموت قد سبق السبب، وفي حادثة الشهيدة حنين كان قدر الموت قد سبق هذه الطلقة الشيطانية اللعينة.
وقبل أن أختتم رسالتي أودُّ التأكيد على إن تمسكك بالحكم هو أمر مبرَّرٌ ومفهومٌ، لكن القبول بأي تسوية تحفظ حياة الجاني ينقلك من موقع الآخر بالثأر إلى مضرب مَثَل سيتذكره التاريخ على مدى عشرات وربما مئات السنين، وما أكثر الحالات والمواقف المشابهة التي سجل التاريخ أسماء أصحابها في أنصع صفحات الشرف والنخوة والإباء.
أسأل الله للشهيدة الرحمة والمغفرة الشفاعة لكم (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).
وأرجو أن تقبل اعتذاري لتدخلي في هذا الموقف المؤلم والحزين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم/ د. عيدروس نصر ناصر (النقيب)